خسائر إيران في حرب بوتين على أوكرانيا

2022.03.13 | 05:15 دمشق

479803.jpg
+A
حجم الخط
-A

عطّلت حرب بوتين على أوكرانيا مسار الاتفاق النّوويّ الأميركيّ الإيرانيّ، وأعادت البحث في ما كان يحرص على وضعه خارج التّداول، أي عناوين الّصواريخ، الميليشيات وتهديد أمن دول المنطقة.

وبعد أن فجّرت العقوبات غير المسبوقة الّتي فرضها الغرب على روسيا سلسلة متصاعدة من الأزمات الاقتصاديّة والماليّة وفي أسواق الّطاقة الّتي شهدت ارتفاعاً كبيراً في الأسعار، وجدت دول الخليج نفسها في موقع يخولها دفع إدارة الرّئيس الأميركي بايدن إلى إعادة ترسيم حدود العلاقة معها بناء على معادلة النّفط مقابل الأمن.

كلّ الأطراف الفاعلة في المنطقة صمّمت مواقفها من الحرب انطلاقاً من مدى ارتباط الموضوع بإيران.

 روسيا من جهتها تعاملت بكرم وسخاء شديدين مع كلّ من دعمها في حربها، وتمثّل هذا الكرم الروسي بشكل خاص في تعطيل الاتفاق النّووي ّبصيغته الحاليّة من جهة، وإطلاق يد إسرائيل التي باعتها موقفاً مؤيّداً في سوريا.

توسُّل الرّئيس الأوكرانيّ بيهوديته، ومحاولة استجرار موقفٍ داعمٍ له لم ينجح في تغيير الموقف الإسرائيلي، فقد احتلّ الموضوع الإيرانيّ بالنسبة للإسرائيليّين الصّدارة متقدّماً على كل الأولويّات الأخرى.

السّلاسة التي تنجز فيها الغارات على إيران في سوريا والتي تنجح بفضلها في قتل قياديّين باتت بمنزلة عنوان يطبع علاقتها مع روسيا، ولا تقتصر مفاعيله على ما أنتجته مفاعيل الحرب البوتينيّة على أوكرانيا وحسب، ولكنّه يتّخذ صيغة اتفاق استراتيجيّ عام.

الموقع الّذي انتزعته تركيا لا بد أن يكون على حساب النّفوذ الإيرانيّ في لحظة اصطدامه بطموحات روسيا

التّضارب الكبير في المصالح بين دول المنطقة وبين إيران يشمل تركيا كذلك، فعلى الرغم من مشاكلها مع النّظام السوري إلا أنّ صراعها مع إيران يحمل أهميّة أكبر وأكثر أهميّة لأنّه يتعلق برسم خرائط النّفوذ المستقبليّة. من هنا فإنّ نجاحها في لعب الدّور المعتدل بين روسيا والغرب في هذه المرحلة منحها دور الوسيط المقبول، وأتاح فرصة عقد لقاءات تفاوضيّة على مستوى وزراء الخارجيّة بين الأوكرانيّين والرّوس على أرضها وبمشاركتها. الموقع الّذي انتزعته تركيا لا بد أن يكون على حساب النّفوذ الإيرانيّ في لحظة اصطدامه بطموحات روسيا.

الوقوف إلى جانب أميركا في هذه اللّحظة لا يستطيع أن يجعل إيران دولةً طبيعيّةً في نظر الغرب، كما لا يلعب دوراً مساعداً لها في إعادة إنتاج العلاقة التّناغميّة مع إدارة بايدن والّتي تصبّ في صالحها.

الاستثمار في التّماهي مع أميركا بدا خالياّ من الجدوى السّياسيّة، ولعلّ مجانيّته تفسّر وتحدّد موقع إيران الحالي، وتعطي فكرة عن خياراتها في المستقبل القريب، حيث تكاد تتساوى النّتائج الكارثيّة للتّهدئة والتّصعيد.

خيار التّهدئة لن يفلح في إعادة الحياة السّريعة للاتفاق النّوويّ وفق ما تريد وتشتهي نظراً لدخول تعقيدات واسعة تديرها دول كبرى ومؤثرة على خط التّأثير الفاعل عليه وعلى بنوده الموضوعة في التّداول.

خيار التّصعيد سيضعها مع كلّ ميليشياتها في مواجهة حرب واسعة، وخصوصا أن استفحال الأزمات في كل البلاد الّتي تتدخل فيها وغياب المشروع الواضح والمحدّد، وخواء التّعبئة الإيديولوجيّة بعد تهافت شعار محاربة إسرائيل، حرمها من تكوين كتلة متجانسة تدين لها بالولاء التّام وتستعد للموت في سبيل مشروعها، كما كان الحال منذ عدة سنوات. ما أفرزته في السّاحتين اللّبنانيّة والعراقيّة بشكل خاص جعل ما كانت تصرّ على اعتباره بيئةً طائفيّةً شيعيّةً حاضنة ساحةً آيلةً للانفجار، وتحتاج إلى تخصيص جهود كبيرة للجمها وتأديبها وترهيبها ومنعها من الاحتجاج والثّورة.

الحلّ الأمنيّ الّذي طالما انتهجته لن يفيد في صناعة موقع لإيران في شبكة الصّراعات الكبرى القائمة، بل سيعقّد الأمور على ميليشياتها في الدّاخل.

كل هذه اللّافتات الواضحة لا تعني أبداً أنّها لن تعمد إلى تبني الخيارات الانتحاريّة، لأنّ حرمانها المزدوج من الاتفاق النّوويّ ومن مشروعها الخارجي في آن واحد لن يبقي لها شيئا، لذا فإنّه من المرجّح انطلاقاً من هذا الواقع أن يسود التّصعيد في كلّ الجبهات الّتي تستثمر فيها.

مشروع التّوجه شرقاً الذي دافعت عنه وأوعزت إلى ميليشياتها بتبنيه كعنوان خطابيّ وسياسيّ يَسِم المرحلة، ويعلن عن نشوء محور عالميّ يواجه الغرب قد أسقطته قبل كلّ شيء ضرورات الاتفاق النّوويّ واضطرار إيران إلى إدانة الغزو الرّوسيّ لأوكرانيا.

من ناحية أخرى فإنّ دول الخليج الّتي فقدت ثقتها بأميركا سبقتها في التّوجه الجديّ نحو الشّرق الصّيني عبر حزمة من الاتفاقات التّجاريّة والمشاريع الاقتصاديّة الّتي من شأنها صناعة شبكة مصالح متينة بين الطرفين، لا يمكن لإيران منافستها سواء حصل الاتفاق النّوويّ أو لم يحصل.

محاولات إرضاء أميركا أغضبت روسيا وجعلتها تعتقد أنّها قد أصبحت بمجرد إدانتها للغزو الرّوسي جزءاً من الغرب

لم يسبق أن كانت إيران محاصرةً بشكل جدي مثل هذا الوقت. قدرتها على التّخريب وتفجير الأزمات في المنطقة ما زالت فاعلة، ولكن ما يجبّ التّأكيد عليه هو الفارق بين تفجير منظّم ومحدّد، ويهدف إلى تعزيز النّفوذ أو انتزاع مكاسب في الاقتصاد والسّياسة والأمن، وبين تفجير انتحاريّ يائس، لذا قد تكون هذه المرحلة هي الأخطر لناحية التّصعيد الذي قد يتجاوز كلّ الحدود.

محاولات إرضاء أميركا أغضبت روسيا وجعلتها تعتقد أنّها قد أصبحت بمجرد إدانتها للغزو الرّوسي جزءاً من الغرب، وشريكةً لأميركا وأوروبا والناتو، وربما نجدها تسعى في الفترة القادمة إلى الانضمام إلى الناتو وتطالبه بالدّفاع عنها ضدّ الغزو الرّوسيّ الغاشم.

مثل هذا الكلام السّاخر يصبح معقولاً إذا ما قسناه على منطق إيران وتصريحات قياديّيها وميليشياتها وسلوكاتهم، إذ إنّ رجلها الأوّل في المنطقة حسن نصر الله كان قد دعا الناس إلى زراعة البلاكين لمواجهة شح الموارد الزراعيّة، وقال ذلك في خطاب رسمي.

من ناحية أخرى لم تجد طريقة لإثبات نفوذها إلا عبر زرع صورة قاسم سليماني،ّ قائد فيلق القدس قتيل أميركا الّتي تغازلها حاليّاً، في معرض كتاب متهالك في بيروت، واستدعاء شبيحتها للدّفاع عن رافضي هذه الصّورة بالضّرب والتّرهيب.

لا تستطيع إيران حاليّاً سوى الدّفاع عن الصّور لأنّها تسلك عمليّاً درب التّحوّل إلى صورة وإلى ملصق، وإلى بوستر من بوسترات الذاكرة كما تنبّأ الصّديق الغالي الباحث والنّاشر لقمان سليم الّذي اغتالته آلة القتل الإيرانيّة في لبنان.