حيثيات تزعم نظام الأسد لتجارة المخدرات

2022.02.07 | 05:34 دمشق

alkarykatyr_alawl_lshhr_shbat_2022_kbtaghwn_alasd.jpg
+A
حجم الخط
-A

تعددت تقارير مراكز الدراسات ووسائل الإعلام الدولية، التي تسلط الضوء على حيثيات تحويل نظام الأسد المناطق التي يسيطر عليها في سوريا، إلى مركز لصناعة المخدرات، وخاصة حبوب "الكبتاغون"، وتهريبها عبر دول الجوار إلى دول الخليج العربي والعالم، وذلك بعد أن تزايدت مؤخراً وتيرة عمليات تهريب المخدرات سواء عبر الحدود السورية مع الأردن، أم عبر الموانئ السورية، أم عن طريق لبنان، وخاصة الموانئ غير الشرعية ومطار رفيق الحريري في بيروت، المسيطر عليه من طرف حزب الله اللبناني، الذي له سجل حافل في تجارة وتهريب المخدرات، وخاصة الحشيش.

ويمتلك نظام الأسد باعاً طويلاً في إنتاج وتهريب المخدرات، إذ أن حافظ الأسد عندما احتل لبنان عام 1976، رعى زراعة الحشيش فيه، ثم قام بإنشاء مختبرات لتحويل الأفيون المنتج محلياً إلى هيروين وتهريبه. ومع توطيد التحالف بين كل من نظام الملالي الإيراني وحزب الله اللبناني ونظام الأسد، نشأت بينهم شراكة غير معلنة في تجارة المخدرات وعمليات تهريبها، وذلك من أجل تأمين أموال قذرة لتمويل أنشطتهم وعمليات ميليشياتهم، والالتفاف على العقوبات المفروضة عليهم. وسبق أن أشارت برقيات دبلوماسية أميركية سربها موقع ويكيليكس في 2014، إلى أن إيران تعد من أكبر مهربي المخدرات في العالم، وأن مسؤولين في الحرس الثوري وقادة من حزب الله متورطون في تهريبها إلى العراق وسوريا ولبنان.

مصانع الكبتاغون تستخدم شققاً سكنية أو فيلات مستولى عليها، ويُعلق عليها يافطات تزعم أنها منطقة عسكرية مغلقة، ويحميها عدد من الجنود أو أفراد من الميليشيات

وبات نظام الأسد يتزعم تجارة المخدرات في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بعد أن طوّر صناعة الكبتاغون لدعم اقتصاده، الذي يواجه أزمات منذ سنوات، حسبما أكدته جريدة "لوموند" الفرنسية في تقرير نشرته مؤخراً، واعتبرت فيه أن بشار الأسد طوّر الإنتاج الصناعي لمخدر الكبتاغون في مناطق سيطرته، من أجل الالتفاف على العقوبات الدولية، وترسيخ وتدعيم شبكات الموالين له. أما صحيفة "نيويورك تايمز"، فقد نشرت تحقيقاً يفيد بأن مصانع الكبتاغون تستخدم شققاً سكنية أو فيلات مستولى عليها، ويُعلق عليها يافطات تزعم أنها منطقة عسكرية مغلقة، ويحميها عدد من الجنود أو أفراد من الميليشيات، فيم حين يسيطر مسلحون على معابر غير شرعية، بغية تهريب المخدرات، سواء عبر ميناءي طرطوس واللاذقية، أو عبر الحدود اللبنانية والأردنية والتركية والعراقية، بالتنسيق مع جماعات إجرامية منظمة في دول الجوار وسواها.

وعليه ارتفعت وتيرة عمليات التهريب التي يقوم بها النظام عبر الحدود في الأشهر الماضية، حيث أعلن الجيش الأردني عن إحباط 361 محاولة تسلل وتهريب مخدرات في العام الماضي، وبأنه صادر أكثر من 15 مليون حبة كبتاغون خلاله. كما زادت وتيرة عمليات التهريب التي يقوم بها حزب الله إلى دول الخليج، التي اضطرت إلى فرض حظر خليجي على جميع الصادرات اللبنانية إليها.

وتعود أسباب وحيثيات تزعم نظام الأسد لتصنيع وإنتاج الكبتاغون في المنطقة إلى اكتسابه خبرة كبيرة في هذا المجال، نظراً لعلاقته القديمة مع مراكز تصنيعها الدولية، التي ازدهرت في تسعينيات القرن الماضي في معظم بلدان أوروبا الشرقية، وخاصة بلغاريا، حيث يرتبط النظام بعلاقات وثيقة مع شركات الأدوية وبعض الدوائر العلمية فيها، الأمر الذي أسهم في تمكنه من نقل تقنيات وخبرات كيميائية لازمة من أجل عملية تصنيع وتطوير إنتاج حبوب الكبتاغون، فراح ينتح كميات كبيرة منها، إذ يشير الحجم الكبير لعمليات التهريب عبر الحدود، وأساليبه المتقدمة في تصنيعها، إلى امتلاكه قدرة إنتاجية كبيرة، إضافة إلى اكتسابه خبرة فنية في طرق إنتاجها.

وليس جديداً أن يلجأ نظام الأسد إلى صناعة وتهريب المخدرات، التي أولاها اهتماماً خاصاً خلال السنوات الماضية، كونها تشكل مورداً مالياً مهماً لرموز النظام، بمن فيهم أفراد من عائلة الأسد، وخاصة ماهر الأسد شقيق بشار الأسد وقائد الفرقة الرابعة في جيش النظام، إضافة إلى أفراد كثر من حاشية النظام وشبيحته وأزلامه، وذلك بعد أن تهالك الاقتصاد السوري بسبب الحرب التي شنها النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون على غالبية السوريين، والعقوبات الأميركية والأوروبية التي فرضت على النظام بسبب وحشيّته وجرائمه بحقهم.

فضح دور النظام في إنتاج وتهريب المخدرات يأتي في وقت تهرول أنظمة عربية نحو التطبيع معه، وتتزايد فيه دعواتها لإعادة عضويته إلى جامعة الدول العربية، كي يغرق الحضن العربي بمخدراته

ومنذ سنوات عديدة، بات اعتماد نظام الأسد شبه الكامل على ما يُسمى اقتصاد الحرب، الذي يزدهر فيه التهريب كمورد أساسي، ويقوم على اللا مركزية والالتفاف على الاقتصاد النظامي ونهبه وتدميره، وعلى إنشاء وتنمية أسواق غير نظامية، وسيادة النهب والسلب والابتزاز، وينتج عنه تشكيل اقتصاد موازٍ، أو ما يمكن تسميته باقتصاد الظل، الذي يؤمن تراكم أموال سوداء لدوائر النظام الضيقة والمقربين منه، وهو اقتصاد مُختلف عما كان قبل عام 2011، ونما بسرعة مع ازدياد سياسة وممارسات الفساد والمحسوبية العائلية في نظام الأسد، وذلك بعد أن جرى قصف وتدمير المصانع والمعامل في مدينتي حلب ودمشق، وهُروب رؤوس الأموال إلى الخارج، وفقدان النظام سيطرته على أجزاء واسعة من الأراضي السورية، وخاصة مناطق الجزيرة السورية الغنية بحقول النفط والغاز، وبالمحاصيل الزراعية التي تشغل مساحات شاسعة في شمالي وشرقي سوريا، وبالتالي زاد اعتماد نظام الأسد على اقتصاد أسود، يؤمن له ولحاشيه أموالاً كثيرة من تجارة المخدرات والسلاح والاتجار بالبشر، والسطو على أملاك وأموال المهجرين، وعلى الثروات الباطنية وسواها، حيث أشارت دراسة نشرها مؤخراً مركز "كوار" (COAR) أن النظام جنى من تهريب الكبتاغون أكثر من 3.46 مليارات دولار أميركي، وذلك خلال عام 2021 فقط.

واللافت هو أن فضح دور النظام في إنتاج وتهريب المخدرات يأتي في وقت تهرول أنظمة عربية نحو التطبيع معه، وتتزايد فيه دعواتها لإعادة عضويته إلى جامعة الدول العربية، كي يغرق الحضن العربي بمخدراته، بالرغم من أنها تعي خطورة دوره، وما يحمله من مخاطر اجتماعية وصحية كبرى لشعوب المنطقة، إصافة إلى ما يشكله من تحديات خطيرة على القانون والنظام الإقليمي والدولي.