حزب الله يحيي ذكرى مجازره في مسرح المدينة

2022.07.31 | 06:24 دمشق

حزب الله يحيي ذكرى مجازره في مسرح المدينة
+A
حجم الخط
-A

نحن أبناء البلد المنكوب بالحزب الإلهي نحيا منذ فترة حالة حسينيّة بامتياز. حصار مفتوح وشديد الإحكام. لا ماء، لا كهرباء.

يتفشّى في عموم البلاد موت عابر للطوائف، ينسج أسبابه ويمد سلطانه مع كل اصطدام بشؤون العيش اليومي فيبتلعها ويردها إليه.

يأتي بعد ذلك من قتلنا ليبكينا في مسرح المدينة في شارع الحمراء تحت عنوان إحياء ذكرى الحسين، لم يكفّ عن قتله مراراً وتكراراً في سوريا، والعراق، واليمن، ولبنان، الّذي صارت الإقامة فيه تحت ظلال سطوته، حالةً ينتسب ضحاياها إلى حيّز مظلوميّة مطلقة تقارع ظلماً مطلقا.

تأبيد السّطوة بالمجزرة الّتي تشكل روح وجود الحزب يحتاج إلى استمرار لا انقطاع فيه، وإلى تحكّمٍ تام بكلّ المجالات. سيطرته على الأمن والسّياسة والاقتصاد ليست محل نقاش، ولكنَّ مجالاً وحيداً لا يزال خارج دائرة سطوته المطلقة، وهو التّعبير الفنيّ بوصفه احتجاجا سياسيّا سائلا، لا يمكن ضبطه ولا لجمه ولا ترويضه.

معضلة شارع الحمراء بالنسبة للحزب تتأتى من أنه وعلى الرغم من تحوّله إلى ميدان يعكس مشهديّة البؤس العام التي عمّمها، إلا أنّه لا زال ينطق بلغة تتحداه وتعترض عليه عبر سلسلة مظاهر خجولة، ولكنّها تعكس أصالة الرغبة في تبني عيش مغاير لعيشه.

على الحيطان تجد عبارات تسخر منه ومن سطوته، وتشتم السياسيين الّذين نموا تحت ظلال سلاحه، أو تعثر على عبارات غزل وغراميات وبعض رسوم غرافيتي تسخر منه ومن زمنه.

تحتضر الحمراء ومثلها البلاد ولكنّها لم تمت بعد، وفي احتضارها تبدي علامات مقاومة المقاومة القاتلة ليس عبر الجماعات والأحزاب، ولكن من خلال أفراد يتناثرون هنا وهناك

تنتج الحمراء فنّاً عابراً وهشّاً وتصعب ملاحظته في ظل التّردي العام الذي تغرق فيه شوارعها والسّواد الذي يسيطر عليها ليلا، ولكنّه لا يزال قائما وصانعا لموقف يقاوم عملية السّطو المفتوحة التي يسعى من خلالها الحزب إلى مصادرة كلّ تعبير. السّواد وفق الرسام الروسي الشهير كاندينسكي ليس لوناً بل مقبرة للألوان، ولكنّ المقبرة لا تستقبل محتضرين أو من هم على وشك الموت. لا تقدم استثناءات في ذلك، فهي لا تستقبل سوى من كان موتهم منجزاً وتاماً ولا شك فيه.

تحتضر الحمراء ومثلها البلاد ولكنّها لم تمت بعد، وفي احتضارها تبدي علامات مقاومة المقاومة القاتلة ليس عبر الجماعات والأحزاب، ولكن من خلال أفراد يتناثرون هنا وهناك، وينشرون، على الرغم من قلة الحيلة، نفساً مغايراً لثقافة المقبرة المطلقة التي يتبناها حزب لم يشهد هذا البلد، الذي لطالما كان في تاريخه ملتقى العواصف والبراكين السّياسيّة والثّقافيّة، مثيلاً له.

غالبا ما كانت مشاريع السّطوة تعنى بالحفاظ على الضحايا وتأمين الحد الأدنى من شروط العيش لهم، وبعضها كان يهتم بأن يكون مغرياً وجذاباً وإن كان ظالماً وغير عادل. مع الحزب الإلهي نجد أنفسنا أمام مشروع يتغذى على الإبادة الشّاملة والمفتوحة ويحرص على تعميمها لتطول كلّ منافذ الهرب والنّجاة، والّتي لم يبق منها في البلاد سوى التّعبير الفنيّ بوصفه الوسيلة الوحيدة الباقية لممارسة السّياسة.

حين وافقت السيدة الفنّانة نضال الأشقر على احتلال القتلة لمسرحها تحت حجة التّعبير الثّقافي، فإنها قد منحت الجريمة مسرحاً لا يتيح لها ابتلاع اللحظة الآنية وحسب، بل بمد أصدائها إلى تاريخ هذا المسرح وتاريخها الشخصي، فالأمكنة حين تدمغ بالجريمة وتشرعنها لا تعود آيلة للدفاع عن معانيها.

تبيع نضال الأشقر للحزب الإلهي الأمل في تحويل شارع الحمراء إلى جثة كاملة الأوصاف. الجمهور الّذي يستعد لإحياء ذكرى عاشوراء في مسرحها سبق له أن دعم احتلال بيروت والتّنكيل بأهلها وقتلهم ووزّع الحلوى احتفاء بمجازر الحزب في لبنان وسوريا وفي كل مكان. يعود الآن إلى مكان صار ساحة جريمة بوصفه مسقط رأسه.

يخشى حزب الله المتنزهين وطساسي الغرافيتي والمثرثرين في المقاهي ورواد مسرح الميترو الّذي يتبنى عروضاً تدافع عن الحق في اللّهو والخفة.

يخشانا بقوة نحن الحسينيّين الّذين يحاصرنا لأننا ما زلنا ننادي، على الرّغم من كلّ شيء، بالحرية ونسعى إلى خلق أسبابها بكل ما أوتينا من حيل بسيطة. أهمها والّذي لا تطوله أي سطوة مهما بلغت هو الاحتقار والتسخيف، والإصرار على صناعة الفن وتبنيه وشحنه بسياسة يحرص على إخراجها من التّداول.

سيأتي الحزب براياته السود إلى الحمراء لينفيها كما سبق له أن صادر معنى المكان اللّبناني. يريد إحياء ذكرى مجزرة جارية. يدفع بسطوته الأمنيّة والحربيّة إلى الواجهة للحفاظ على جريانها

وربما يكون ضروريّاّ القول إنّ كلّ فن هامشي وغير معترف به يُنتج الآن في البلاد لا يمكنه إلا أن يكون مشحوناً بالسّياسة ومناهضاً له، في حين أنه وتحت ظلاله نما ذلك السّقوط الكبير للفن، وتلك التّفاهة الّتي انتشرت وعمّت وشجّع عليها وعلى ترويجها بوصفها علامة تدل على الآخر في حين أنها تنتسب فعليّاً إلى زمنه.

سيأتي الحزب براياته السود إلى الحمراء لينفيها كما سبق له أن صادر معنى المكان اللّبناني. يريد إحياء ذكرى مجزرة جارية. يدفع بسطوته الأمنيّة والحربيّة إلى الواجهة للحفاظ على جريانها. ما يمكن أن نفعله يكمن في أن يصرّ كلّ فرد منا على استعادة الحسين من أنياب القتلة والإصرار على ملكيته.

يمكنني أن أقول أنا الكاتب شادي علاء الدين ابن الهامش "أنا الحسين". أستطيع التأكيد على متانة انتسابي إلى الحسين بالبراهين الموثقة من حصار خانق وقطع سبل العيش والمظلوميّة المطلقة. لي في هذا المقام شركاء لا حصر لهم هم كلّ لبناني يناهض القتلة، وكلّ السوريّين والفلسطينيّين الّذين يصنعون الخبز في الأفران وتكمن لهم العصابات المنتمية إلى ثقافة الحزب الإلهي لتمنعهم من شرائه.

من يكون الحسين؟ من يسكن فيه الآن؟ نحن أم القتلة؟ لقمان سليم أو حسن نصر الله؟ هذا السؤال هو جوهر السّياسة الآن..