icon
التغطية الحية

حزب الله والعالم السري للصرافة.. كيف استفاد من الأزمة الاقتصادية في لبنان؟

2023.05.31 | 09:03 دمشق

آخر تحديث: 31.05.2023 | 17:52 دمشق

حزب الله والعالم السري للصرافة.. كيف استفاد من الأزمة الاقتصادية في لبنان؟
كيف استفاد حزب الله من الأزمة الاقتصادية في لبنان؟
Now Lebanon - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

يضمن حزب الله استمرار التمويل والربح في الوقت الذي يتدمر فيه اقتصاد لبنان يوماً بعد يوم، لتدخل البلاد في حلقة مطردة من التدهور الاقتصادي، فالعقوبات الغربية على الحزب وشبكاته المصرفية والمالية أضرت بأحد أهم دعائم استقرار الاقتصاد في البلاد. يوضح موقع Now Lebanon هذه الخريطة المعقدة:

تصلب القادة السياسيون اللبنانيون في عنادهم عند رفضهم لتنفيذ إصلاحات، على الرغم من الوضع المالي والاقتصادي المتدهور للبلد، إذ منذ أكثر من ثلاث سنوات ولبنان غارق بأزمات مالية، بعدما خسرت عملته نحو 99% من قيمتها، وحُرم المودعون من أرصدتهم الموجودة في حساباتهم البنكية.

بعيداً عن كل الجهات الخارجية التي تقدم المساعدة، ومنظمات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية، كان حزب الله خير الماكرين في إدارة هذه الأزمة بكل خبث، إذ سمحت قدرة الحزب على الوصول إلى مصادر بديلة وخبرته التنظيمية في الاحتفاظ بهيكلية عسكرية في خضم الأزمة، فصار يعتمد على استراتيجيات صمود مؤقتة مع تمسكه في الوقت ذاته باستقلاليته عن مؤسسات الدولة، إلى جانب إقناعه لأتباعه-وغالبيتهم من الشيعة- بالعدول عن المشاركة في الثورة. إلا أن استقلال الحزب عن الدولة وقدرته على تحصيل أموال من الخارج لدفع رواتب لأتباعه ساعداه على الاحتفاظ بمكانته العالية ضمن الشريحة الواسعة التي تنتخبه.

بالرغم من فرض عدد كبير من العقوبات الأميركية على هذا الحزب، والتي لم تستهدفه كحزب فحسب، بل أيضاً استهدفت تحويلاته المالية التي تعتبر أساسية لاستقرار لبنان اقتصادياً، اكتشف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية مؤخراً شبكة خارجية كبرى متورطة في غسيل الأموال والتهرب من العقوبات، وتضم هذه الشبكة 25 فرداً وكياناً تعود أصولهم لعدد من الدول بينها لبنان والإمارات وجنوب أفريقيا وأنغولا وساحل العاج والكونغو وبلجيكا والمملكة المتحدة وهونغ كونغ، وذلك بحسب ما ورد في موقع وزارة الخزانة الأميركية.

في الوقت الذي يرى فيه الخبراء بأن الحزب لن يتضرر كثيراً، نحتاج إلى نظرة أعمق لممارسات الحزب وعلاقته بأسعار الصرف في السوق السوداء وذلك لفهم مدى تأثير كل ذلك على لبنان.

على مدار العقد الماضي، بنى حزب الله اقتصاده الخفي الذي يمتد من سواحل المتوسط ليصل إلى باراغواي، حيث أسس الحزب هناك شبكة موسعة للإتجار بالكوكايين، كما مارس مجموعة أخرى من الأنشطة المخالفة للقانون.

عملية كاساندرا

والمفارقة هنا هو أن حماسة الرئيس الأميركي السابق أوباما لتوقيع الاتفاق النووي مع إيران دفعته لإخفاء نتائج عملية كاساندرا، وهي عملية عالمية أطلقتها إدارة مكافحة المخدرات في الولايات المتحدة عام 2008 وأثبتت كيف تحول حزب الله من تنظيم سياسي وعسكري في الشرق الأوسط إلى عصابة إجرامية دولية لدرجة دفعت بعض المحققين للاعتقاد بأن الحزب صار يجني مليار دولار سنوياً من خلال الإتجار بالمخدرات والسلاح وغسل الأموال وغيرها من الأنشطة الإجرامية.

هذه الفضيحة التي فجرتها مجلة بوليتيكو في كانون الأول من عام 2017 سلطت الضوء على الطريقة التي شكل بها حزب الله وغيره من وكلاء إيران شبكتهم الخاصة التي تضم جماعات إجرامية دولية حتى تصل إلى أسواق المخدرات والسلاح والدعارة، بدلاً من السعي لتحقيق هدفهم المزعوم المتمثل بتحرير العالم من الهيمنة الغربية والذي استثمروا فيه عن طريق الابتزاز لتحقيق مصالحهم الخاصة.

كشفت عملية كاساندرا أيضاً كيف استفاد حزب الله من النظام المصرفي اللبناني فحول بعض المصارف لخدمة عمليات غسل الأموال التي تعود إليه.

وبالنتيجة، تسبب حزب الله بفرض عقوبات على عدد من المصارف، كان من بينها مصرف سال الكندي اللبناني ثم جمّال ترست بانك، ما مهد الطريق لانكشاف الاقتصاد اللبناني ومصارفه أخيراً، وانهيار منظومته المالية في عام 2019.

ونتيجة لذلك، تحول حزب الله إلى السوق السوداء واستثمر الكثير مع شبكة موسعة من الصيارفة وذلك لتحريك أمواله المشبوهة، وللوصول إلى الاقتصاد المدعوم في لبنان.

شبكة الصيارفة

يشتهر حزب الله بحضوره الواسع في السوق السوداء وقطاع الصيرفة بلبنان، إذ يعتقد بأن هذا الحزب بنى شبكة مالية متطورة تقوم بعمليات الصرافة، إلى جانب تأسيسه لشركات واجهة، وغيرها من المشاريع التجارية التي تسهل عمليات نقل الأموال عبر الحدود إلى جانب غسل عوائدها الممنوعة.

وبحسب مصدر لم يتم الكشف عن هويته، فإن دور الضاحية الجنوبية أي معقل حزب الله في التلاعب بأسعار الصرف عبر شراء الدولار وبيعه، ومن خلال الحوالات، وتقلب سعر الليرة يعتمد على عمليات غير مرخصة تدار هناك. وثمة من يقول بأن الضاحية الجنوبية هي عبارة عن مقر لمكتب صرافة مخالف للقانون تابع للحزب، كونها تتمتع بإمكانيات مالية ضخمة، تقدر قيمتها بما يربو على مليار دولار، وذلك لتسيطر على سعر الصرف بالدولار.

ثم إن الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، قال في خطاب له ألقاه في حزيران 2020: "إننا نجلب الدولار إلى لبنان، دون أن نجمعه، وذلك لأن التلاعب بالدولار مؤامرة تهدف لتدمير البلد".

وفي تصريحه هذا أشار إلى تلاعب خطير بالدولار من قبل مكاتب صرافة غير قانونية موجودة في الضاحية الجنوبية، كما تحدث عن عدم تورط حزب الله في عملية التلاعب بالدولار، بل إنه هو من يجلب الدولار إلى البلد، إلا أن المصادر تحدثت عن استغلال الصيارفة غير المرخصين بشكل قانوني في الضاحية الجنوبية لسلطتهم في السيطرة على سعر صرف الدولار في لبنان.

ولقد تكشف كل ذلك بعد إلقاء القبض على محمود مراد، رئيس نقابة الصيارفة في لبنان، وذلك بتهمة التلاعب بسعر الصرف، إذ يبدو بأنه كان يجلب الدولار بسعر مرتفع، ويبيعه بالجملة فيحقق ربحاً وفيراً بمساعدة بعض المصرفيين، كما يلعب شقيق مراد، يحيى، وهو تابع لفرقة المال الجهادي في حزب الله، دوراً مهماً في سوق الدولار، إذ بحكم وجودهما في الضاحية الجنوبية، لذا فقد أدار هو وشقيقه شركة تعمل على شراء الدولار بأسعار أعلى من سعر السوق، الأمر الذي يدعم سعر صرف الدولار في تلك المنطقة.

حسن مقلد

خرجت الحزمة الأولى من العقوبات لعام 2023 في شهر كانون الثاني، وذلك عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على إحدى الشخصيات الاقتصادية الرفيعة في لبنان لدعمها عمليات مالية لصالح حزب الله، إذ أعلنت وزارة الخزانة الأميركية عن فرض عقوبات على حسن مقلد، وهو خبير اقتصادي وصراف يمتلك شركة CTEX التي تعمل في مجال الصرافة بالعملات المشفرة، إلى جانب تقديم خدمات مالية أخرى، أما نجلاه، ريان وراني، فقد فرضت عليهما عقوبات لتسهيلهما أنشطة مالية دعماً لحزب الله.

ومقلد هذا الذي يظهر كثيراً عبر الإعلام المحلي بوصفه محللاً اقتصادياً، عمل عن كثب مع مسؤولين ماليين رفيعين لدى حزب لله لمساعدة الحزب على بسط نفوذه ضمن المنظومة المالية بلبنان، وهناك من يقول بأنه شغل منصب مستشار مالي لدى حزب الله، وبأنه يمثل الحزب في الصفقات التي تتم في مختلف أنحاء المنطقة.

حققت الشركة التي يديرها مقلد حصة سوقية مهمة في قطاع الصيرفة بلبنان خلال عام واحد، حيث كانت تجمع ملايين الدولارات باسم المصرف المركزي بلبنان في الوقت الذي كانت فيه تمد مؤسسات حزب الله بالدولار، وتعين تجار عملات وصيرفة موالين للحزب فيه، ولذلك صار مقلد يحصل عمولات يومية تعادل آلاف الدولارات.

على الرغم من الأزمة المالية الحادة والمستمرة في لبنان منذ أواسط عام 2022، عمل مقلد مع مسؤولي حزب الله على الاستفادة من جهود المستثمرين والمغتربين لتحقيق أرباح في القطاع المالي بلبنان وتحويل النقد خارجه، كما سعى مقلد لتوسيع شركته خارج البلد.

تعامل مقلد مع محمد قصير، وهو أحد المسؤولين عن تمويل حزب الله، ولهذا فرضت عليه عقوبات أميركية، كما أعلنت وزارة الخزانة الأميركية بأن قصير يمثل الحزب في المفاوضات مع المستثمرين والشركاء والمسؤولين الذين يمثلون حكومات دول أجنبية، وهنالك من تحدث عن تنسيق مقلد للكثير من العمليات مع قصير، منها صفقة تجارية مع روسيا، وسعيه لمساعدة الحزب في الحصول على السلاح. ولقد أقر مقلد علناً بدوره كوسيط في المفاوضات التي جرت بين البنك المركزي وحزب الله في عام 2016، وفقاً لما ورد في بيان صادر على وزارة الخزانة الأميركية.

أما ابنه الأكبر، ريان، فقد تعامل مع أحد مسؤولي حزب الله، واسمه محمد قاسم البزال، في قضايا تتصل بالمال، في حين كلف ابنه راني بالعمل على الصفقات المالية لصالح مشروعهم التجاري مع مصرف لبنان المركزي.

ما هي شركة CTEX؟

بحسب ما ورد في بيان وزارة الخزانة، فإن مقلد حصل على رخصة في مجال التعامل بالعملات المشفرة من قبل مصرف لبنان المركزي في أواسط عام 2021، وذلك ليعمل بتحويل الأموال داخل لبنان وخارجه، وخلال سنة واحدة، حققت الشركة حصة سوقية كبيرة في التحويلات المالية اللبنانية، حيث جمعت ملايين الدولارات من قبل مصرف لبنان المركزي. وفي الوقت ذاته، كانت تلك الشركة تمد مؤسسات حزب الله بالدولار الأميركي وتعين صيارفة موالين للحزب، ويقال بأن مقلد دعم شركته مباشرة عن طريق حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، حيث صار يحصّل آلاف الدولارات يومياً من خلال العمولات.

وبحسب ما أوردته وزارة الخزانة الأميركية، فإن مقلد أسس شركة CTEX لتصبح واجهة مالية جديدة لبيروت، وكان قصير ونائبه محمد قاسم النزال وراء تأسيسها.

في الوقت الذي تعرض فيه لبنان وشعبه لضغوط اقتصادية كبيرة في أواسط عام 2022، كان مقلد، بالتعاون مع مسؤولي حزب الله، يستفيد من جهود المستثمرين والمغتربين في تمويل قطاع المال بلبنان ونقل الأموال خارجه.

استهدفت العقوبات أيضاً شركتين أخريين يملكهما مقلد أو يتحكم بهما، وهما الشركة اللبنانية للمعلومات والدراسات، والشركة اللبنانية للنشر والإعلام والأبحاث والدراسات.

وفي مقابلة أجرتها معه رويترز، أنكر مقلد المزاعم التي اتهمته بممارسة نشاط مخالف للقانون، وقال: "سنتخذ كل الإجراءات القانونية للرد على ذلك في لبنان وفي الولايات المتحدة".

ءؤر
في هذه الصورة التي نشرها مصرف لبنان المركزي في 24 نوفمبر / تشرين الثاني 2022 ، يقف حاكم المصرف المركزي رياض سلامة بجوار أكوام من سبائك الذهب على أرفف بمقر البنك في العاصمة اللبنانية بيروت.

علي نمر الخليل

بالإضافة إلى الأثر الذي خلفته العقوبات، تضرر من لم تطلهم العقوبات بتهم غسل الأموال التي نسبت إليهم، بما أنهم حققوا أرباحاً طائلة بسهولة في السوق الموازية التي دمرت حياة الشعب اللبناني ومعيشته.

إذ ضمن سلسلة المداهمات التي وقعت في لبنان خلال شهر شباط من العام الجاري، ألقي القبض على عدد من الصيارفة المعروفين بتهمة المضاربة بالعملات، وكان من بينهم علي نمر الخليل وقريبه عيسى كنج، أما الآخرون فهم من أشهر تجار العملات في البلد، بحسب ما أعلنته إحدى المحطات التلفزيونية المحلية، وهي قناة إم تي في التي جاء في تقريرها ما يلي: "دهمت أعدد كبيرة من قوات فرع المعلومات أماكن إقامة عدد من الصيارفة الذين يعملون بشكل غير قانوني في مدينة صيدا، واعتقلت ثلاثة منهم وصادرت مبلغاً مالياً كان بحوزة أحدهم، واستمرت المداهمات حتى الفجر بسبب تفتيش محالهم وأماكن إقامتهم".

استجوب شربل بو سمرة قاضي التحقيق الأول ببيروت 18 شخصاً يعملون بالصرافة بصورة غير قانونية طوال ست ساعات، ثم احتجز المتهمون لاستكمال التحقيق معهم، ووجهت لهم تهمة غسل الأموال، وخرق قوانين الصرافة، وانتهاك المكانة المالية للحكومة، والمضاربة بالعملة الوطنية.

ثم أطلق سراح الخليل بكفالة تعادل ثلاثة مليارات ليرة لبنانية، كما أطلق سراح كنج بكفالة قيمتها مليارا ليرة لبنانية بأمر من القاضي، ورفع كل منهما طعناً بالحكم أمام دائرة الاتهام، وفي 4 نيسان أخلي سبيل الخليل من السجن.

هنالك علاقة وثيقة تربط بين الخليل وحركة أمل المتحالفة مع حزب الله، وكذلك مع نبيه بري رئيس الحزب، والذي شغل منصب رئيس البرلمان منذ تسعينيات القرن الماضي. كما اتهم الخليل بضلوعه بدور مهم في تقلبات الليرة اللبنانية.

من المال إلى الذهب

في نيسان الفائت، اتهمت النيابة العامة الأميركية أحد ممولي حزب الله بلبنان بالتهرب من العقوبات عبر تصدير الماس والتحف التي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات، فقد فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على المتهم ناظم أحمد عام 2019 وذلك لدعمه حزب الله، والهدف من تلك العقوبات منع أحمد و11 مشروعاً تجارياً مرتبطاً به من الوصول إلى النظام المالي الأميركي.

إلا أن النيابة الفيدرالية في بروكلين ونيويورك ادعت بأن أحمد واصل الاتجار بالماس والتحف بمساعدة ثلاثة من أقاربه وخمسة من أعوانه، وأخفى هؤلاء تورطه، ومن بينهم سوندار ناغاراجان الذي ألقي القبض عليه في إنكلترا خلال شهر نيسان 2023. وتقدر النيابة الأميركية بأن الكيانات المرتبطة بأحمد نفذت صفقات مالية بقيمة 440 مليون دولار في خرق واضح للعقوبات، وشملت استيراد بضاعة بقيمة 207 مليون دولار إلى الولايات المتحدة وتصدير ماس وتحف بقيمة 234 مليون دولار.

وبحسب ما ذكره النائب الفنزويلي المعارض أميريكو دي غرازيا، فإن حزب الله تولى إدارة مناجم التنقيب عن الذهب في فنزويلا، كما انتقد مشروع الرئيس نيكولاس مادورو للتنقيب على نطاق واسع وذلك لأنه يهدف لاستخراج موارد غير متجددة مثل الذهب والماس والكولتان من 12% من أراضي فنزويلا.

تشتهر فنزويلا بامتلاكها لأكبر احتياطي من الذهب في العالم، ومعظمه يقع ضمن منطقة قوس المناجم، إلا أن دي غرازيا يرى بأن حزب الله وجيش التحرير الوطني، وهو عبارة عن فصيل ماركسي متورط في النزاع بكمبوديا، يستغلان مشروع التنقيب لمصلحتهما.

كما يرى دي غرازيا الذي يمثل ولاية بوليفار الغنية بالمناجم في جنوب شرقي فنزويلا بأن حزب الله يسيطر على العديد من المناجم بصورة حصرية وذلك ليمول عمليات إرهابية لصالح النظام الذي يخدمه، في إشارة واضحة لإيران، ولذلك أثارت هذه الاتهامات مخاوف تتصل باحتمال استغلال الموارد الطبيعية في فنزويلا في عمليات تمويل الإرهاب.

يرى خبراء بأن جهود الحكومات الغربية في التصدي لنفوذ حزب الله في لبنان عبر فرض عقوبات واستهداف أنشطة الحزب قد لا تكفي لتحقيق ذلك، إذ طالما بقي النظام السياسي الحالي في السلطة، فمن غير المحتمل أن تتراخى قبضة حزب الله المطبقة حول رقبة الدولة في لبنان، كما أن تحقيق تغير كبير في هذا الاتجاه يحتاج إلى إصلاح شامل ودائم، يقوده الشعب اللبناني بنفسه، ولهذا ينبغي على الاستراتيجيات الغربية التي تسعى لنشر الاستقرار في لبنان أن تجعل من الجهود الداعمة لتحقيق هذا الهدف أولوية لديها.

ما الذي يحدث اليوم؟

برأي الصحفي خالد بو شقرة، قد لا يتضرر حزب الله مباشرة من العقوبات، إلا أنها في حال زيادتها يمكن أن تدمر سمعة لبنان وصورته بين الجهات الفاعلة الدولية، وهذا ما دفعه للقول: "بصرف النظر عن العواقب الاقتصادية، تعبر العقوبات على الدوام عن وجود شبكات لغسيل الأموال، وهذه الشبكات تمثل تهديداً لأمن المجتمع، إلى جانب وجود فرقاء سياسيين يتصرفون باستقلالية عن الدولة ويشعرون بأنهم أحرار في تأسيس اقتصاد مواز".

هنالك من يتخوف أيضاً من وضع لبنان على القائمة الرمادية لفرقة العمل المعنية بالأمور المالية، والتي يتعين على الدول المدرجة فيها تطبيق معايير لمنع غسل الأموال وتمويل الإرهاب بوصفها أضحت خاضعة لرقابة خاصة.

ولقد عبر هادي الأسعد وهو منسق معهد المال والحوكمة لدى كلية الأعمال عن الرأي نفسه بالنسبة لسمعة لبنان وتصنيفها بين الدول، وهذا ما يجعل التعامل مع لبنان من وجهة نظر مؤسساتية أمراً محفوفاً بالمخاطر والتحديات على المستويين الاقتصادي والمالي.

وبحسب ما يراه الأسعد، فإن ذلك يحد أيضاً من قدرة الصناعة المحلية على إنتاج السلع وتصديرها، إذ تصعب تلك القيود عملية التوسع في الخارج والوصول للأسواق العالمية، وتحرم لبنان من تحصيل أرباح إضافية، وتعيق تدفق الأموال إلى البلد.

وبحسب ما ذكره هذا الخبير، فإن فضح شبكات غسل الأموال يسهم أيضاً بمحاربة الفساد، على الرغم من أن رد حزب الله قد يأتي بطيئاً، هذا إن رد أصلاً.

رفض أغلب الأشخاص الذين تم التواصل معهم، ومعظمهم شغلوا مناصب رفيعة لدى مصرف لبنان المركزي، تسجيل حديثهم أو حتى الإدلاء بمعلومات عامة تتصل بموضوع هذه المقالة.

ءؤ

كما أثار الاغتيال المريب لأنطوان ضاهر، رئيس إدارة أخلاقيات المجموعة ومخاطر الاحتيال لدى بنك بيبلوس في حزيران 2020 الكثير من الشكوك بخصوص وصول ضاهر لأرقام تثبت تورط حزب الله وشبكة كبيرة من المتعاونين اللبنانيين معه، فالطريقة التي قتل بها ضاهر، وعدم توجيه السلطات اللبنانية تهمة القتل لأي أحد عن عمد، تؤكد على وجود يد لحزب الله في عملية الاغتيال هذه.

في شباط 2023، ألقي القبض على محمد بازي وأحد المتواطئين معه واسمه طلال شاهين، في قلعة بوخارست الرومانية بتهمة تمويل حزب الله بما أنه ساهم في تحويل ملايين الدولارات للحزب على مدار سنين، وفي نيسان 2023، تم تسليم بازي للولايات المتحدة ليحاكم ببروكلين حيث أنكر التهم المنسوبة إليه.

سي

أصبح الشارع اللبناني بكامله، بل حتى أنصار حزب الله، على دراية بنشاطات الحزب المخالفة للقانون، إذ في الوقت الذي يزعم فيه الحزب بأن أهم ما يشغله هو الذود عن لبنان والشيعة على وجه الخصوص، تسبب نشاطه الإجرامي بتدمير الاقتصاد اللبناني وتعرض الشعب بكامله لضائقة شديدة. أما بالنسبة للشيعة اللبنانيين، فقد تحولوا إلى كبش فداء لصالح فئة ضئيلة من الطائفة أخذت تبذر مليارات الدولارات من الأموال التي حصلت عليها بطرق غير قانونية أهمها استمرار انهيار دول المنطقة: أي لبنان وسوريا والعراق واليمن.

لقد طالت الاعتقالات والعقوبات التي فرضت مؤخراً جزءاً بسيطاً من الشبكة المالية الواسعة في الداخل والخارج والتي استطاع حزب الله أن يؤسسها على مدار عقود، وذلك ليضمن عدم تضرر الشبكة إلا قليلاً حتى في حال افتضاح أمر البعض أو اعتقالهم، وفي حال إغلاق أحد مشاريعها، فسيكون هنالك الكثير غيرها التي بوسع تلك الشبكة أن تلتفت إليها.

ؤءر

ترتبط بحزب الله شبكة العقول المدبرة الإجرامية التي أصبحت تشمل اليوم صيارفة، وفيها شخصيات من أمثال حجي زين والحج صالح تقوم برفع تقارير مباشرة لحسن نصر الله، وفي ذلك ما يثبت تورط الأمين العام في جمع الثروة.

على الرغم من تورط حزب الله إلى حد ما في الأزمة الاقتصادية وتربحه منها، ستبقى العقوبات شكلاً من أشكال الضغط على ذلك الحزب السياسي، حتى ولو أتى هذا الضغط بسيطاً، إذ تتجلى أهمية العقوبات في فضحها ألنشطة الحزب المخالفة للقانون، كونها كشفت ما يجري في الكواليس أمام اللبناني. ولكن حتى تفعل تلك العقوبات مفاعيلها، يرى الخبراء بأنه ينبغي على الشعب اللبناني بكامله الضغط لإجراء إصلاحات هيكلية اقتصادية وسياسية بما يسمح بظهور اقتصاد متين من شأنه استبعاد مشاريع حزب الله التجارية المريبة والمخالفة للقوانين مع إعادة لبنان لوضعه الطبيعي.

المصدر: New Lebanon