حراك الساحل بين التشكيك والترحيب

2023.08.25 | 06:09 دمشق

آخر تحديث: 25.08.2023 | 08:54 دمشق

مظاهرة
+A
حجم الخط
-A

بعد أيام من انطلاقها في العاشر من آب ترددت بضع أصوات تشكك بالحركة التي تحمل اسم هذا اليوم، بدعوى أنها حركة "ملغومة" أي موجهة من قبل جهة أمنية ما، داخل سوريا، ولم يكن الإعلان الضمني عن انشقاق ثلاثة ضباط في الساحل، أعلنوا انضمامهم للمجلس العسكري في رسالة قوية للشارع ومعادية للنظام، بأفضل حظا من حركة 10 آب، فسرعان ما جرى تلفيق اتهام إلى الضباط المنشقين.
وحقيقة فإن التشكيك دون مبرر أو حجة مقنعة الذي دأبت عليه أصوات عند كل حركة أو صوت معاد للنظام يخرج من الداخل هو أمر أقل ما يقال فيه إنه بدوره أمر مشكوك فيه.. لاسيما إنه يتلاقى مع أصوات مشككة من الداخل وصفت ناشطي 10 آب بالجرذان، في حين دعت أصوات موالية - تسمي نفسها معارضة - إلى الحذر من اقتياد البلاد إلى سيناريو مشابه لما حدث ابتداء من آذار 2011!
تكرر هذا الموقف الرافض لأي حراك في الداخل يوم تحركت مدينة السويداء قبل سنتين، كانت حجة المشككين حينها بالحراك الشعبي أنه حراك مطلبي وقف عند حدود الخبز والكهرباء والاحتجاج على ارتفاع الأسعار والجوع.. وتابع هؤلاء المشككين في تفسير موقفهم بالقول إن حراك السويداء وحراك الساحل الأخير لم يرتق إلى مستوى مطالب الثورة السورية في الحرية والعدالة والكرامة.. ولكن هل كانت مطالب الثورة السورية في أولى مظاهرات درعا، بمحاسبة الفاسدين وإيقاف تغوّل شركات رامي مخلوف.. مثلها بعد شهور؟!
ولا تعدو حجة المشككين بحركة العاشر من آب أن تكون كذبا صريحا، وتشويشا وتضليلا على مطالب الحركة التي صيغت بأفضل ما يمكن لحركة سياسية شعبية واسعة، فهي مطالب خارجة من قلب الشارع فيما يبدو أن من صاغ بيانها الأول مجموعة مثقفة تفهم الواقع حقا وليست منفصلة عنه كحال المشككين الذين يعيش معظمهم خارج سوريا منذ سنوات طويلة لا تقل عن عشر سنوات.
أقل ما يقرؤه المرء في بيان حركة 10 آب الأول وفي نشراتها اللاحقة دفاعا عن ذاتها وتفنيداً لخطاب ودعاوى المشككين بها، أنه لأول مرة منذ عقد ونيف نضجت رؤية سياسية اجتماعية تجمع ما بين الدعاوى المطلبية والرؤية الاجتماعية الثورية وأن النهج السلمي الذي تؤكد عليه يحسب لها ولا يحسب عليها، فهذا هو حال الحركة السياسية الثورية التي أنضجتها التجارب والظروف وتراكم الخبرات، فيما يبدو أن تدرج المطالب وبساطتها وواقعيتها معا الغاية منها الوصول إلى كل شرائح المجتمع السوري، بل إلى الشرائح الأكثر انسحاقا بفعل الأزمة الاقتصادية الاجتماعية، وهو ما يعني أن قادة الحركة على درجة عالية من الحصافة والوعي والذكاء الحركي، وهو ما يعني أن الموجة الثورية الثانية للشعب السوري قد بدأت للتو.
من ناحيتها ومقارنة بحركة 10 آب فإن مواقف قليلة شككت بحركة الضباط الثلاثة في الساحل الذين دعوا إلى إطلاق سراح المعتقلين ومعالجة مسألة التغيير الديمغرافي ومحاسبة المسؤولين عن المقابر الجماعية، في حين فضل كثيرون التريث وعدم إصدار أحكام وهو الموقف الأكثر منطقية، في حين رحب كثيرون بالحركة، والمرحبون يقدمون بذلك رسالة إيجابية ضرورية تجاه كل حركة ثورية أو وطنية انشقاقية تعلن عن نفسها في الداخل، فالترحيب يعطي الثقة لهؤلاء الذين خرقوا جدار الخوف والتقاعس ويدفعهم لتطوير مواقفهم... مثلما أن هذه الحركات والمظاهر الانشقاقية تعطي لأهل الخارج شحنة من الأمل وتواسي قليلا حزنهم وتلأم بعضا من جروحهم، وهم الذين فقدوا أحبة هم أعز ما يملكون خلال الحرب كما فقدوا بيوتهم وأسباب رزقهم.
في شكلها الذي ظهرت عليه فربما تكون حركة 10 آب ومجموعة الضباط المنشقين في الساحل أقصى ما يمكن أن يقدم عليه مجموعة أشخاص شجعان في الداخل؟ وقد يحسبها معظم جمهور الداخل الكاره لعصابة النظام الحاكم أنها حركات متهورة ولا طائل منها بالنظر إلى أن بقاء النظام رغم كل ما حدث ويحدث في سوريا هو إرادة إقليمية ودولية... لا يمكن لأهل الداخل أن يكسروها أو يبدلوها مهما أوتوا من شجاعة وحيلة وذكاء، مثلما لم يتمكن أهل الخارج معارضة وجمهورا معارضا أن يكسروا هذه الإرادة الدولية طوال ما يزيد على عقد من الزمن ...
وأما من جهة ما هو مفيد في الظروف الحالية لسوريا والساحل خصوصا، فإن كلا الحركتين سواء السلمية المدنية السرية، أم الحركة المسلحة، مفيدتان لو تم العمل بهما وفقا لضوابط صارمة دقيقة، فمن ناحية حركة 10 آب فهي ترمم الغياب الحاد للعمل المدني أو ما يمكن تسميته النضال المدني في الأوساط الشعبية المغيب منذ ستة عقود، منذ انقلاب آذار المشؤوم 1963 وتعيد تذكير الشارع السوري لاسيما في الساحل بأبجديات العمل السلمي المطلبي أم الثوري.. المريح هنا أن النظام لا يستطيع مواجهة هذا الحراك أو اتهامه بما اعتادت عليه ماكينته الدعائية من تخوين وعمالة وتبعية لأجندات خارجية، فخطاب الحركة لا يختلف إلا قليلا عن كلام الشارع، لو استثنينا مطالبة البيان الأول للحركة النظام إطلاق سراح المعتقلين من النساء والأطفال، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين..
وأما بالنسبة لحركة ضباط الساحل المنشقين والداعين صراحة لإسقاط العصابة الحاكمة فهي مفيدة لو تم تعميمها لتتحول إلى حرب عصابات في جبال الساحل تطول أولا عصابات المخدرات ومصانع إنتاجها التي دمرت الشباب السوري والعربي ووصل شرها إلى أوروبا وأفريقيا.. دون أن ننسى أن النظام والروس يملكون خبرة في مواجهة حرب العصابات في المدن والسهوب لكن في ظروف الجبال وباستراتيجية حرب الأنصار التي تعتمد جماعات صغيرة جدا متحركة بشكل دائم قد لا يستطيع النظام والروس التعامل معها مثلما تعاملوا مع أنواع أخرى من الحروب... وخوفا من انطلاق هكذا حرب ربما قام النظام بخطوة وقائية استباقية بحرق مساحات واسعة من الغابات في الساحل السوري، وها هو يخطط لقصف بلدات وقرى في الساحل بواسطة طيران مسير في حال أعلن الساحل تمردا جادا على النظام كما حدث في جنوب سوريا، وهو ما كشف عنه يوتيوبر سوري من الساحل قبل أيام ..!!