جيمس جيفري حينما يتحدث عن سوريا

2020.12.12 | 23:05 دمشق

90309822-c200-421e-ab03-02b70216242e.jpg
+A
حجم الخط
-A

بين رحيل إدارة أميركية ومجيء أخرى جديدة يبقى الملف السوري بين أكثر الملفات حضورا في الإعلام والكواليس، ويبدو أن السفير جيمس جيفري رئيس فريق وزارة الخارجية المكلف بالمسألة السورية قد قرر أن يقدم ما يشبه جردة وخلاصات عن الفترة التي أمضاها في هذا الموقع من آب 2018 وحتى مطلع الشهر الحالي، حيث عاد إلى التقاعد.

وقبل كل شيء يعد جيفري أحد العارفين بالمسألة السورية بفضل تاريخه الدبلوماسي الطويل في العالم العربي وتركيا، حيث عمل سفيرا في العراق وتركيا، ودبلوماسيا في الكويت وتونس. وعاش جيفري العامين الماضيين من تطورات القضية السورية عن كثب. حضر على الدوام في المنطقة، وظل على درجة عالية من المهنية والالتزام الأخلاقي، ولذلك كان صريحا ومباشرا في مواقفه من بشار الأسد وداعميه روسيا وإيران. ومثال على ذلك الحوار الطويل الذي أدلى به يوم الأربعاء الماضي إلى موقع المونيتور وترجمه ونشره موقع تلفزيون سوريا.

وحفل الحوار بخلاصات ومعلومات من كواليس السياسة الأميركية تجاه سوريا لم نعهدها عن دبلوماسيين آخرين. ومن أبرز ما كشف في الحوار أن هناك قرارا في وزارة الخارجية من طرفه والوزير مايك بومبيو بمنع انتصار روسيا وإيران والنظام سياسيا في سوريا. ويعتبر أن الاساس لهذا القرار السياسي تم بناؤه ومن الصعب تقويضه، ومن هنا تم إفشال مؤتمر اللاجئين الذي عقدته روسيا في دمشق يومي 11و12 من الشهر الماضي، في محاولة للخروج من فشلها العسكري بالذهاب نحو إعادة الإعمار.

اقرأ أيضاً: جيمس جيفري يتحدث عن أخطاء الماضي

وفي التركيز على روسيا وإيران يبدو الموقف تجاه إيران أكثر رسوخا، ويقول جيفري "ولقد قمت مع الوزير بومبيو بإقناع الإدارة بأننا إذا لم نتعامل مع المشكلة الأساسية التي تمثلها إيران في سوريا، فلن يكون بوسعنا أن نعالج تنظيم الدولة معالجة دائمة ومستمرة". هذه أول نقطة في تفكير جيفري والأسلوب الذي اتبعه للجمع بين تلك الأمور ضمن سياسة موحدة تجاه سوريا تندرج ضمن المقاربة الشاملة تجاه إيران وداعش معا.

يقدم جيفري "قسد" خطة ب، في حين أن هدف الخطة أ هو ضمان عدم حصول الروس والأسد والإيرانيين على إجابة شافية بالنسبة للطريقة التي ستنتهي بها كل الأمور

وتمخض ذلك عن نتيجة تمثلت بنجاح نسبي، "لأننا أوصلنا الأوضاع إلى مرحلة الاستقرار، وذلك بمساعدة الأتراك على وجه الخصوص". والمقصود بذلك وقف إطلاق النار في إدلب في الخامس من آذار الماضي في وقت كان كل ما يهم الرئيس دونالد ترامب في سوريا هو هزيمة داعش، ولذلك كان يعلن بين فترة وأخرى عن سحب القوات الأميركية، لأن الحرب بالنسبة له انتهت مع تقويض خلافة داعش المزعومة.

وفي الحوار لا مجال للشك بأن المعركة مفتوحة مع إيران، تحديدا، وروسيا، وعلى هذا الأساس يقدم جيفري "قسد" خطة ب، في حين أن هدف الخطة أ هو ضمان عدم حصول الروس والأسد والإيرانيين على إجابة شافية بالنسبة للطريقة التي ستنتهي بها كل الأمور، و"سيظل هؤلاء مكبلين ولن يستطيعوا أن يعتبروا سوريا انتصاراً بالنسبة لهم"، وبالنسبة لجيفري يمكن القول "إننا منعنا إيران من تحقيق أهدافها بعيدة المدى، وعرضنا وجودها الحالي لضغوطات"، ولكن هل تكفي تلك الضغوطات لرحيل إيران من سوريا؟ "لا أعرف، وهل بوسعنا دحرهم؟ لست أدري. لكنني أعرف تماماً بأن ذلك جزء أساسي من أي اتفاق أوسع، إذ مهما كان حجم الألم الذي سببناه للإيرانيين، لن يرحل الروس أو نظام الأسد إلا برحيل إيران"، وهذه هي المسألة الجوهرية.

يعلن جيفري أنه على يقين منها هي أن "الروس يدركون بأنه ليس ثمة أي انتصار عسكري، ولهذا فكروا وقالوا لأنفسهم: كيف يمكننا أن نحقق انتصاراً سياسياً؟"

ويؤكد جيفري أن الإيرانيين سحبوا كثيرا من رجالهم، ويعود أحد أسباب ذلك إلى الضغط الكبير الذي يتعرضون إليه من الناحية المالية، فقد أصبحت سوريا مكلفة جداً بالنسبة لهم. وقد ازداد عدد الإيرانيين الذين أصبحوا يعزون كل ذلك للوضع الاقتصادي المتردي إلى سوريا، كما لم يعد بوسع إيران أن تضغط على سوريا لتقوم بتسديد الفاتورة الكبيرة.

والخلاصة التي يعلن جيفري أنه على يقين منها هي أن "الروس يدركون بأنه ليس ثمة أي انتصار عسكري، ولهذا فكروا وقالوا لأنفسهم: كيف يمكننا أن نحقق انتصاراً سياسياً؟"، ولم يجدوا وسيلة لتحقيق ذلك غير "اختطاف العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، وذلك عبر الاستعانة بأمور مثل ترشح الأسد لانتخابات 2021 كبديل عن الانتخابات التي ستجري برعاية الأمم المتحدة"، وكذلك عبر عقد مؤتمر للاجئين تترأسه روسيا، لسحب ذلك الملف من الأمم المتحدة ومن المجتمع الدولي، ولوضع ختم روسيا والأسد، ولذلك قامت واشنطن بزيادة عزلة الأسد ورفع منسوب العقوبات بهدف الضغط عليه، "وتمسكنا بموقف عدم تقديم المساعدات اللازمة لإعادة الإعمار، بالرغم من أن البلد بأمس الحاجة إليها إذ رأيتم ما حدث لليرة السورية، كما رأيتم ما حدث لاقتصاد سوريا بكامله، ما يعني أن هذه الاستراتيجية كانت فعالة للغاية".

في الختام تجدر الإشارة إلى أن الحوار يضع الأساس لتقييم السياسة الأميركية تجاه المسألة السورية في الفترة الماضية، ويصلح أن يتحول إلى دليل عمل لقراءة مواقف وسياسات الإدارة المقبلة، وهذه من أهم عناصر القوة فيه.