icon
التغطية الحية

جثامين ظاهرة وروائح كريهة.. "المقبرة الإسلامية الحديثة" في حلب تثير غضب الأهالي

2024.01.27 | 07:22 دمشق

آخر تحديث: 27.01.2024 | 08:24 دمشق

المقبرة الإسلامية الحديثة
لم تلق المقبرة الإسلامية الحديثة استحسان الأهالي منذ إنشائها في العام 2005 - تلفزيون سوريا
إسطنبول - هاني العبد الله
+A
حجم الخط
-A

"هذه المقبرة حرمتني زيارة قبر والدي"، بهذه الكلمات عبّر بكري العبد عن استيائه الشديد من حال "المقبرة الإسلامية الحديثة" شرقي مدينة حلب، مضيفاً أنها "لا تحمل من الحداثة سوى اسمها".

ورصد موقع "تلفزيون سوريا" عدة شكاوى من الأهالي تحدثت عن حوادث انهيار التربة في بعض القبور وانكشاف الجثث، وانتشار الروائح الكريهة في أرجاء المقبرة، فضلاً عن سوء تنظيمها وصعوبة الوصول إليها، وسط إهمال من قبل حكومة النظام السوري ومحافظة حلب المشرفة على المقبرة.

يوجد داخل مدينة حلب 15 مقبرة قديمة، إلا أن جميعها امتلأت بالقبور، إمّا بشكلٍ كلّي أو بقيت فيها أعداد محدودة من المقابر، ما دفع لإنشاء مقبرة جديدة في ضواحي حلب الشرقية، حملت اسم "المقبرة الإسلامية الحديثة".

وافتتحت محافظة حلب المقبرة في منطقة النقارين شرقي حلب في العام 2005، لتصبح المكان الجديد لدفن الموتى، كخطوةٍ تمهيدية لإلغاء المقابر داخل المدينة.

وتولت وزارة الأوقاف في حكومة النظام السوري الإشراف على المقبرة إلى أن اتخذ مجلس مدينة حلب قراراً بتسليم الإشراف على المقبرة لمتعهدين من القطاع الخاص بموجب مناقصات يعلن عنها مكتب دفن الموتى.

ومنذ إنشائها، لم تلق المقبرة الإسلامية الحديثة استحسان الأهالي الذين قدموا كثيرا من الشكاوى، تتعلق بسوء تنظيمها وصعوبة الوصول إليها.

صور من داخل "المقبرة الإسلامية الحديثة" شرقي حلب - تلفزيون سوريا

جثامين ظاهرة وروائح كريهة

أصيب بكري العبد، من أهالي حلب "بصدمةٍ كبيرة"، حين ذهب لزيارة قبر والده المدفون في "المقبرة الإسلامية الحديثة"، ليتفاجأ بأن أجزاءً من القبر مكشوفة، وبروائح كريهة تخرج من أرجاء المقبرة.

وقال العبد لموقع "تلفزيون سوريا" إنه "حين شاهدت قبر والدي مكشوفاً، شعرت بالصدمة والغضب، فهذا يعتبر انتهاكاً لحرمة الميت".

وأضاف "لاحظت أن كثيرا من القبور بدت مكشوفة من أجزاء كثيرة وهناك جثث وأعضاء بشرية خرجت من بعضها"، موضحاً  "قمت على الفور بإعادة ردم القبر، لكن ما كان يزعجني أكثر هو الروائح الكريهة التي تفوح داخل المقبرة، لدرجة أن الشخص لا يتحمل البقاء داخلها لدقائق".

واستبعد العبد أن يكون انكشاف القبور وخروج الجثث مرتبط بتجارة الأعضاء، لافتاً إلى أن والده توفي منذ 5 سنوات، وجثته تحوّلت إلى رفات.

وأشار العبد إلى أن آخر مرة قدم فيها لزيارة قبر والده كانت قبل عامين، وكان وضعه سليماً.

قصة بكري العبد ليست الوحيدة من نوعها، حيث تحدثت وسائل إعلام النظام السوري وصفحات موالية على وسائل التواصل عن عشرات الشكاوى من أهالي حلب عن قبور مفتوحة وجثامين ظاهرة للعلن، إما بالكفن أو بعض من رفات الميت وشيء من عظامه.

آلية خاطئة لبناء القبور

أحد العاملين في حفر القبور في مدينة حلب ومطلع على أوضاع "المقبرة الإسلامية الحديثة"، فضل عدم الكشف عن هويته، قال لموقع "تلفزيون سوريا" إن "الآلية المتبعة في المقبرة لبناء القبور وإغلاقها خاطئة"، مشيراً إلى أن "المتعهدين من القطاع الخاص يهملون هذه القضية".

وأوضح المصدر أنه "يتم أولاً بناء جدار للقبر باستخدام البلوك على مستوى سطح الأرض، ومن ثم يوضع المتوفى ويتم ردم التراب فوقه وحول البلوك، دون أن يتم حفر القبر في عمق الأرض كما هو متعارف عليه".

وأضاف أن "حفاري القبور في المقبرة الإسلامية يلجؤون إلى هذه الطريقة لأنها أسهل وأسرع، إضافةً إلى كون تربة المقبرة الحديثة صخرية ويصعب الحفر فيها".

وأشار إلى أن بعض الحفارين "لا يقومون بتدعيم البلوك باستخدام الإسمنت، وهذه الطريقة تتسبب في انهيار التربة لأنه لم يتم دحلها ورصّها جيداً، وحتى لو لم تنهَر التربة بفعل العوامل الجوية، فإن جوانب القبر تبقى مفتوحة معظمها، وبالتالي تصبح الجثث عرضة للنهش من قبل القوارض والكلاب، وتنتشر الروائح الكريهة في أرجاء المقبرة".

شروط لضمان سلامة القبور

وذكر العامل في حفر القبور في حلب أن المقابر القديمة بالمدينة كان يتم حفر القبور فيها بعمق 130-150 سم، وتُبنى جدران للقبر تحت سطح الأرض، وبعدها يدفن المتوفى ومن ثم توضع أحجار البلوك على جانبيه وفوقه، وبعد ذلك يتم ردم التراب.

ولضمان سلامة القبور وعدم تكرار مشكلة انهيار التربة وتهدّم القبور في المقبرة الإسلامية الحديثة، نصح المصدر بضرورة تغيير آلية بناء القبور والعودة للطريقة القديمة، بحيث يصبح عمق القبر 150 سم، وسماكة البلوك 15 سم مدعماً بالإسمنت.

وأكد عدد من الأهالي تحدث إليهم موقع "تلفزيون سوريا" أن مسؤولية مراقبة عمل المتعهد والتأكد من التزامه بالشروط السليمة لبناء القبر تقع على محافظة حلب ومكتب دفن الموتى.

وطالب الأهالي بإجراء كشف عن القبور المتهدمة أو المتصدعة للإبلاغ عنها، ولا سيما أنه من المحتمل ألا يكون لتلك القبور المفتوحة أشخاص يتابعونها ويقومون بإصلاحها، لذا فالمسؤولية الكبيرة تقع على كاهل الجهات المعنية بإغلاقها وتحسين وضعها.

لا مواصلات إلى المقبرة

المشكلة في "المقبرة الإسلامية الحديثة" بحلب لا تقتصر على سوء بناء القبور، بل يشكو الأهالي من مشكلات أخرى، أبرزها عدم توفر مواصلات إلى المقبرة.

تقول السيدة أم فارس، وهي من سكان حي الجميلية بحلب، لموقع "تلفزيون سوريا" إنه "لست أدري من اقترح فكرة إنشاء المقبرة في ذلك المكان البعيد عن المدينة، فمن لا يملك سيارة كيف سيزور من فارقه، ولا سيما أنه ليس هناك مواصلات عامة للذهاب إلى المقبرة، وحين قررت زيارة قبر أمي دفعت 75 ألف ليرة أجرة تكسي للوصول إلى المقبرة".

وبعد شكاوى متكررة، ذكرت محافظة حلب أنها أصدرت قراراً بتعديل مسار خط السرفيس الواصل بين باب جنين وطريق الباب ليصل إلى "المقبرة الإسلامية الحديثة".

لكن عدة أشخاص من أهالي حلب أكدوا لموقع "تلفزيون سوريا" أن سائقي السرافيس لا يلتزمون بذلك، ويصلون إلى جسر الشعار كآخر الخط فقط، ويطلبون من الركاب النزول وأخذ تكسي إلى المقبرة الحديثة.

وطالبت السيدة أم فارس أن يتم تخصيص خط سرفيس مستقل من مركز المدينة إلى "المقبرة الإسلامية الحديثة"، بدلاً من تعديل مسار السرفيس، أو تعيين مراقبين للتأكد من التزام السائقين بالخط المخصص لهم نحو المقبرة ومعاقبة المخالفين.

أنقاض ونفايات وأعشاب يابسة

وتفتقر "المقبرة الإسلامية الحديثة" لكثير من الخدمات الأساسية، فليس هناك مياه داخل المقبرة، رغم أنها أمر ضروري بالنسبة لزوار المقبرة، لسقاية القبور وري النباتات التي زرعت بجانبها.

وأفادت مصادر محلية بأنه قبل سنوات كان يوجد داخل المقبرة بئر مياه، لكنه خرج عن الخدمة، ولم يقم مجلس مدينة حلب بصيانته، واكتفى بتخصيص صهريج مياه متنقل، يستخدمه العمال في أثناء بناء القبور.

كما يشتكي زوار المقبرة من رعي الغنم بين القبور، حيث كثيراً ما يلاحظ دخول مجموعة من الأغنام لأكل الأعشاب والنباتات بين القبور.

بالإضافة إلى ذلك، تتقاعس بلدية حلب عن ترحيل الأنقاض والنفايات على الطريق المؤدي إلى المقبرة، ولا تقوم بالتعشيب أو رش المبيدات، ما يتسبب في انتشار الحشرات والأعشاب اليابسة.

يقول معتز الضني من سكان حي الصاخور بحلب إنه "نظراً لكثرة الأعشاب اليابسة التي تعيق الحركة داخل المقبرة، يضطر البعض لحرق تلك الأعشاب للتخلص منها، إلا أن ذلك تسبب أكثر من مرة في احتراق القبور، وهذا يُسيء لمشاعر ذوي الموتى، وهم يرون النيران تحيط بقبور من يحبون".