icon
التغطية الحية

جبهة مشتعلة من طرف واحد.. هل غيرت إسرائيل استراتيجية "معركة بين حربين" في سوريا؟

2024.03.29 | 13:14 دمشق

آخر تحديث: 31.03.2024 | 10:31 دمشق

جبهة مشتعلة من طرف واحد.. هل غيرت إسرائيل استراتيجية "معركة بين حربين" في سوريا؟
قصف إسرائيلي استهدف قيادات إيرانية في دمشق
إسطنبول - عبد الناصر القادري
+A
حجم الخط
-A

لا يمر يوم تقريباً من دون أن تخرق الطائرات الإسرائيلية المجال الجوي لسوريا طولاً وعرضاً، مستهدفة مواقع جديدة للميليشيات الإيرانية وحزب الله وقوات النظام السوري، في جبهة يشعلها طرف واحد فقط من دون أي رد يذكر من بقية الأطراف، تكثفت منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 تشرين الأول الماضي.

آلاف الغارات التي نفذتها إسرائيل في سوريا خلال العقد الماضي، لم يعلن الاحتلال عن معظمها لكن يظهر أنه غير قواعد الاشتباك مع إيران وميليشياتها في الأراضي السورية، حيث أبقى على استهداف شحنات الأسلحة وزاد عليها استهداف كبار الجنرالات والقيادات العسكرية في سوريا ولبنان ضمن تكتيك ما يُعرف بـ"معركة ما بين حربين" من خلال جمع معلومات دقيقة عن أماكن انتشار الضباط وصولاً إلى الشقق السكنية التي يختبئون بها.

وفي سياق ذلك، شنت المقاتلات الإسرائيلية فجر اليوم الجمعة ضربات على مدينة حلب أدت إلى مقتل 33 مدنياً وعسكرياً، بحسب مصادر لوكالة "رويترز" في أكبر هجوم من نوعه ضد الميليشيات الإيرانية أو المرتبطة بإيران.

وقالت مصادر الوكالة إن الضربات الإسرائيلية تسببت أيضاً في مقتل خمسة من مقاتلي حزب الله اللبناني.

من جانبها، أفادت وكالة أنباء النظام السوري (سانا) بسقوط عدد من القتلى بغارات جوية شنتها طائرات إسرائيلية، ليلة الخميس - الجمعة، على نقاط بريف حلب.  

ومساء أمس الخميس، أفادت وكالة (سانا) بأن مدنيين اثنين أصيبا بقصف إسرائيلي استهدف مبنى سكنياً في ريف دمشق.

من جهتها، ذكرت مصادر إخبارية محلية، منها موقع "صوت العاصمة" أن طائرات إسرائيلية استهدفت مساء الخميس مبنى على أطراف منطقة السيدة زينب من جهة طريق المطار. فيما يبدو أنه استهداف لإحدى القيادات الإيرانية في سوريا.

وقبل يومين أكّدت وسائل إعلام عبرية أن سلاح الجو الإسرائيلي هو من نفذ الغارات الجوية التي استهدفت مواقع للميليشيات الإيرانية في دير الزور، وأسفرت عن مقتل عدد من المستشارين الإيرانيين.

وأكدت هيئة البث الإسرائيلية أن الغارات الجوية استهدفت منشآت تستخدمها "وحدة العمليات الخاصة" التابعة لـ "فيلق القدس" التابع لـ "الحرس الثوري" الإيراني، وأسفرت عن مقتل عدد من المستشارين الإيرانيين.

من جانبها، قالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إن الغارات في منطقتي دير الزور والبوكمال استهدفت أصولاً تابعة لـ "الوحدة 4000" وقسم "العمليات الخاصة" التابع لاستخبارات "الحرس الثوري"، و"وحدة العمليات الخاصة" التابعة لـ "فيلق القدس"، المعروفة باسم "الوحدة 18840".

وذكر جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشاباك" أنه "أحبط محاولات هاتين الوحدتين الإيرانيتين لتهريب أسلحة متطورة إلى الإرهابيين الفلسطينيين في الضفة الغربية"، بحسب وصفه.

ونقلت "تايمز أوف إسرائيل" عن مصادر دفاعية إسرائيلية قولها إن الغارات التي وقعت خلال الليل على دير الزور "كانت رداً على محاولات التهريب والأصول المستهدفة المتعلقة بالمؤامرة الإيرانية"، مؤكدة أن عدداً من العناصر الإيرانية أو المرتبطة بإيران قتلوا في الغارات.

شل حركة الإيرانيين في سوريا

صحيح أن الاستهداف الإسرائيلي للنفوذ الإيراني في سوريا لم يتوقف خلال السنوات العشر الماضية، إلا أنه أخذ شكلاً مختلفاً مع الاستهداف المركز واغتيال قيادات عسكرية في الحرس الثوري الإيراني، ما دفع طهران لسحب كبار قياداتها من سوريا على خلفية الضربات الإسرائيلية، بحسب ما ذكرت وكالة "رويترز" في شباط الماضي.

ونقلت الوكالة عن خمسة مصادر مطلعة قولها إن الحرس الثوري الإيراني قلص انتشار كبار ضباطه في سوريا على خلفية الضربات الإسرائيلية، وسيعتمد بشكل أكبر على فصائل تابعة لإيران للحفاظ على نفوذه هناك.

وقال أحد المصادر، وهو مسؤول أمني إقليمي كبير، إن كبار القادة الإيرانيين غادروا سوريا مع عشرات من الضباط متوسطي الرتب، ووصف ذلك بأنه تقليص للوجود، من دون أن يذكر عدد الإيرانيين الذين غادروا.

ومنذ مطلع عام 2024، استهدف الاحتلال الإسرائيلي الأراضي السورية 26 مرة، 18 منها بهجمات جوية و8 برية، معظمها استهدفت مواقع عسكرية أدت إلى إصابة وتدمير نحو 51 هدفاً ما بين مستودعات للأسلحة والذخائر ومقار ومراكز وآليات.

وتسببت تلك الضربات بمقتل 79 من العسكريين بالإضافة إلى إصابة 21 آخرين منهم بجراح متفاوتة، بينهم عسكريون إيرانيون في الحرس الثوري، وقيادات في حزب الله اللبناني، وقيادات في ميليشيات عراقية، وقيادات في ميليشيات سورية تابعة لإيران، وقيادات في ميليشيات تابعة لإيران من جنسيات غير سورية، إضافة إلى العشرات من قوات النظام السوري.

وكان من بين أبرز الغارات الإسرائيلية استهداف منطقة المزّة فيلات غربية في العاصمة دمشق، واغتيال أربعة مستشارين من الصف الأول في الحرس الثوري الإيراني، ومن المسؤولين عن قيادة العمليات الأمنية والاستخبارية في دمشق، وهم حجة الله أميدوار، وعلى آقازاده، وحسين محمدي، وسعيد كريمي، من دون أي ردٍّ من الجانب الإيراني.  

وفي شباط الفائت، استهدفت إسرائيل بطائرة مسيّرة قياديين بارزَين في الحرس الثوري الإيراني في منطقة كفرسوسة في دمشق، من دون الكشف عن هويتهما الشخصية، ورتبتهما العسكرية. 

وأدى القصف الإسرائيلي على المواقع العسكرية التابعة للميليشيات الإيرانية وحزب الله في سوريا إلى شل حركة الإيرانيين بشكل كبير بالأراضي السورية، خصوصاً أن الاستهداف يكون مركزاً وينجح في تصفية المستشارين العسكريين لإيران.

في المقابل لا يكون هناك أي رد حقيقي من إيران وميليشياتها على هذه الاستهدافات سوى بعض المناوشات التي تقوم بها ميليشيات عراقية في شمال شرقي سوريا وفي العراق ضد القواعد الأميركية المتمركزة بتلك المناطق.

كيف تواجه إيران ذلك؟

هذا الزخم بالقصف الإسرائيلي، دفع إيران لاتخاذ تكتيكات جديدة، لا يقضي بانسحابها من سوريا بالطبع، إلا أنه يدعم استراتيجية عدم الرد المباشر التي تتخذها منذ بدء العداون الإسرائيلي على غزة في تشرين الأول الماضي، مع المحافظة على أكبر وجود ممكن وإرسال رسائل مشفرة إلى إسرائيل.

أولى تلك الرسائل كان مع إعلان رئيس منظمة الطيران المدني الإيرانية محمد محمدي بخش، في 10 آذار 2024، أن بلاده أوقفت رحلاتها الجوية المدنية إلى سوريا "بسبب ظروف خاصة تمر بها سوريا"، من دون كشف مزيد من التفاصيل.

ونقلت وكالة إيلنا الإيرانية عن محمدي أن الرحلات ستعود إلى طبيعتها بعد إعلان من وزارة الخارجية الإيرانية، مؤكداً في الوقت نفسه وجود رحلات "عرضية" إلى سوريا حالياً.

وتابع أن البلدين خططا سابقاً لتسيير رحلات سنوية لـ50 ألف زائر إيراني للعتبات الدينية إلى سوريا، وحددت الشركات المعنية للقيام بتنظيم هذه الرحلات التي نظمت لفترة، لكن في الوقت الراهن توقفت الرحلات المدنية إلى سوريا بسبب الظروف الخاصة التي يمر بها هذا البلد.

يشار إلى أن وزير الطرق وبناء المدن الإيراني مهرداد بذرباش أعلن، في نيسان 2023، أنه اتفق مع مسؤولين في النظام السوري، خلال زيارته إلى دمشق، على إيفاد بلاده سنوياً 50 ألف سائح إيراني في إطار السياحة الدينية.  

ولعل هذه الرسالة تقول لإسرائيل أوقفوا قصف مطاري دمشق وحلب لن نرسل مزيداً من الحجاج الإيرانيين إلى سوريا، والذين هم بطبيعة الحال قوات في الحرس الثوري الإيراني وبينهم جنرالات ومستشارون عسكريون على أعلى المستويات، وهو ما يتطابق مع مصادر "رويترز" في أن إيران قلصت انتشار كبار ضباطها في سوريا.

وفي إطار ذلك، قال الخبير العسكري والاستراتيجي إسماعيل أيوب، إن استهداف الجنرالات العسكرية الإيرانية في سوريا هي بسبب قفز بعض قيادات الحرس الثوري فوق الخطوط الحمراء الموضوعة لهذه المنطقة، وخصوصاً في سوريا والعراق.

وأضاف أيوب في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" أن نظام بشار الأسد مخترق من كل أجهزة الاستخبارات العالمية، فمن الطبيعي أن يكون هناك جواسيس لإسرائيل على الأرض، ومن الوارد أن يكون هؤلاء الجواسيس هم من ضباط النظام، فالقادة الإيرانيون الذين يقتلون لا يعلم بوجودهم إلا جهات أمنية قليلة من النظام السوري.

ويرى الخبير العسكري أن إيران لديها شكوك في أن يكون نظام الأسد هو من يسرب أماكن وجود الجنرالات وقيادات الميليشيات لإسرائيل من أجل استهدافهم.

وأكّد أيوب على أن إيران يستحيل أن ترد على أي قصف إسرائيلي، حتى أن حزب الله الذي يقصف كل يوم لا يستهدف الجليل أو حيفا أو نهاريا التي قد تعد مناطق استراتيجية بالنسبة للاحتلال، بل يضرب مناطق خالية في الجولان السوري المحتل. أما من المناطق السورية فإيران لن تغير أياً من استراتيجياتها بعد استهداف إسرائيل أو ضرب مصالحها.

أين النظام السوري من استهداف الإيرانيين؟

يأخذ النظام السوري شكل المزهرية من القصف الإسرائيلي شبه اليومي للمناطق الواقعة تحت سيطرته، فهو لا يرد ولن يرد على أي قصف إسرائيلي، لكنه يلعب دور الإعلامي المشاغب الذي يعلن عن تلك الضربات والغارات التي ينفذها الاحتلال، خصوصاً تلك التي تصيب دمشق ومربعاتها الأمنية.

هناك مزاعم أن ضباطاً في النظام السوري يتتبعون مواقع سكن الضباط الإيرانيين في سوريا، وينقلون تلك المعلومات لإسرائيل عبر جهات ثالثة قد تكون روسيا أو الإمارات أو بشكل مباشر.

لا يمكن الجزم بصحة تلك المزاعم إلا أن النظام السوري سبق أن تلقى تحذيرات إسرائيلية من أن يكون له أي دور عسكري مباشر أو غير مباشر بما يخص التصعيد على حدود الجولان المحتل، بحسب ما نقل موقع "أكسيوس" عن مصادر إماراتية في تشرين الأول الماضي.

ولكن التعديلات الأخيرة في أجهزة المخابرات التابعة للنظام ودمج الفروع الأمنية بأجسام واحدة، قد يكون على صلة من قريب أو بعيد بما تعرضت له إيران من نكسات أدت إلى استهداف قياداتها بعد معرفة أماكن وجودهم بسهولة من قبل الإسرائيليين والذين لا شك أن لديهم مخبريهم على الأرض.

وتشكل المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، خاصرة رخوة بالنسبة لإسرائيل، فهي تقصف يميناً وشمالاً من دون أي مشكلة أو تخوف، فالنظام الذي تعاني مناطقه اقتصادياً ومعيشياً لا يفضل استهداف مطاراته الحيوية في دمشق وحلب، ولكنه ليس لديه أي حيلة لمنع ذلك بسبب التغول الإيراني، واستراتيجيات الردع والهجوم الإسرائيلية التي أبقت المطارين لأسابيع متعددة خارج الخدمة ولأكثر من مرة.

وخلال الفترة الماضية، وظف جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) قدرات تل أبيب التقنية في تعظيم قدرات التجسّس عبر تطوير أجهزة الرصد والمراقبة على الحدود الشمالية والشمالية الشرقية، عبر توظيف إمكانات الشركات الأمنية الناشئة واستخدام أجهزة التعقب وتطبيقات التجسس التي تصنّعها تلك الشركات. تراقب إسرائيل من كثب حدودها مع لبنان وسوريا لمنع تسلل الميليشيات الإيرانية الشيعية، وكشف أي محاولاتٍ لإنشاء بنية تحتية عسكرية بالقرب من حدود الأراضي المحتلة.