تَنصَرتْ سارة فما نَقُصَ اليهودُ ولا زَادَت النصارى..!!

2022.07.04 | 04:45 دمشق

باستقلال جمهوريتي "لوغانسك ودونيتسك"
+A
حجم الخط
-A

حقيقة أجد في هذه الأوقات الغرابة والمفارقة العجيبة في ظل حكم" آل الاسد" أن دولة عديمة السيادة الآن، تعترف باستقلال وسيادة دولة لا سيادة لها، فمنذ أيام خلت اعترف رأس النظام في دمشق، وبأوامر من سيده في الكرملين ببيان رسمي صادر عن وزارة الخارجية باستقلال جمهوريتي "لوغانسك ودونيتسك" الواقعتين في إقليم الدونباس، وسعى كل من الطرفين إلى إقامة كل أنواع العلاقات البينية والتعاون المشترك، وهذا دليل عملي وبرهان قطعي لا يقبل النقض أو الدحض أو التأويل على أن العلاقات القائمة بين "بوتين والأسد" منذ تدخل روسيا في سوريا أصبحت كعلاقة التابع بالمتبوع، بل كعلاقة السيد النبيل بالعبد الهزيل!.

لا شك بأن التبعية المهينة المذلة في عصرنا الحديث وربما القديم أيضا، وفي أوضح صورها ومعانيها ومفاهيمها الشمولية، تجّلت في ذلك الذي أقدم عليه رأس النظام "بشار الأسد" من خلال الاعتراف الأجوف والسخيف بالدولتين الانفصاليتين. والمؤسف حقاً في هذا الأمر  أن هذا النظام القاتل لم يحاول مطلقاً أن يخرج نفسه من دائرة هذا المفهوم ومن هذه التبعية الوضيعة إلا بمزيد من الاستسلام للتبعية المذلة لروسيا، ولكن في المقابل فإن الواقع المر يقول: إنه من قتل واستباح وهجر وباع ورهن وأجّر وطنه بما فيه من شعب ومقدرات وثروات ومراكز سيادية، للروسٍ والإيرانيين كيف له أن يتخلص من ذلك وهو أي _نظام الأسد_ عندما يطلب إليه أن يركع ويفعل كل ما ذكر أعلاه، فسيجد أن كل ما سيُطلب منه لاحقا ومستقبلا أمور ثانوية لا محل لها من الإعراب، إذ ماذا يعني له ولأمثاله بعد ذلك وَقْعُ اعترافٍ بدول، أو سلخ لأجزاء من دول عن الأصل، كما فُعِل بأجزاء واسعة من سوريا من سلخٍ وبيع  بعهد الأب المورث والابن الوارث.

الأسد يزعم أنه هو بالذات لا غيره من سيبقي نفوذ روسيا في سوريا، وأنها_ أي موسكو_ ستفقد الميزات الكثيرة من هذا النفوذ في حال غيابه عن السلطة

عمليا فإن التبعية تتطلب بشكل دائم "ذنَبًا" يحركه الرأس كلما أراد وكيفما يريد، وفي الوقت الذي يريد الرأس ذلك ويرغب، ولا عجب أن هذا الوصف الذي أطلقه رئيس مركز "كارينغي" الروسي "أليكسي مالاشينكو" على "بشار الأسد" وتصرفاته بأنها خير مثالٌ على "محاولة الذيل التحكم بالكلب" فالأسد الذيل يحاول الإيحاء للدب الروسي أنه لن يكون هناك وفاق بين موسكو وبين نظام حكمه الحالي إذا لم يكن هو بالذات على رأس السلطة فيه.

"مالاشينكو" هذا وحسبما فسر فإن الأسد يزعم أنه هو بالذات لا غيره من سيبقي نفوذ روسيا في سوريا، وأنها_ أي موسكو_ ستفقد الميزات الكثيرة من هذا النفوذ في حال غيابه عن السلطة، كما اعتبر رئيس مركز كارينغي _ أن الأسد_ يحاول جاهدا وفي كل المناسبات أن يوصل رسالة مفادها: أن "موسكو" لا يجب أن تهتم مطلقا بالتسوية السياسية التي تطالب برحيله عن السلطة، فيما وبشكل دائم يقلّلَ المسؤولون الروس من أهمية تصريحات الأسد هذه، وبالطبع هذا ديدنهم الدائم في اتباع سلوك الاستخفاف وإذلال سيادته الوضيعة في كل مناسبة.

عمليا فإن تقدير المسؤولين الروس لأسدهم المهزوز هذه كانت منذ فترة زمنية مضت واندثرت، أما الآن وبعد الثورة السورية فتلك التقديرات اختلفت وبلا خجل، وتؤشر اليوم إلى النظرة الثابتة التي يُنْظَرُ من خلالها لبشار الأسد، نظرة لا تعدو من كونها نظرة "المتبوع إلى التابع" الذي لا يملك من ولاية أمره إلا الطاعة العمياء، ولا يستطيع أن يخرج أو حتى أن يَحِيدَ ويناور قيد شعرة عما يريده المتبوع، إذا هي باختصار نظرة السيد المتعالي إلى العبد الوضيع، وهنا لابد لنا أن نستحضر ونعيد إلى الأذهان منظر الأسد "التابع" عندما أراد اللحاق بمتبوعه في "مستوطنة" حميميم الجوية، واستوقفه حينها ضابط روسي صغير ممسكا إياه من يده، ولسان حاله يقول "إياك "فعليك أن تقف هنا واعرف حدودك، فممنوع على "الذنب" في كثير من القضايا أن يلحق بالجسد، فما كان إلا أن هز رأسه مبتسما ابتسامة الصغير الأبله، ووقف كالمسمار عند خط أحمر  وُضِع له ولوزير دفاعه وأفراد حاشيته، والممنوع عليهم تخطيه، في حين كان "بوتين" يستعرض وحده قواته وجنوده ويلقي كلمته أمامهم أثناء زيارته لقاعدة حميميم، وهذه من بعض المواقف الكثيرة التي تظهر نظرة روسيا لذنبها الأعوج فهو في النهاية ليس سوى عبد مطيع وتابع رخيص.

من الجدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تنضم "سوريا الأسد" إلى حليفتها، بل والأصح التابع إلى متبوعه والسيد إلى من يسود، فقد اعترف النظام الأسدي المجرم سابقا في أيار من عام "2018 "بمنطقتي "أبخازيا" و"أوسيتيا" اللتين انسلختا عن جورجيا كدولتين مستقلتين وتقعان منذ ذلك الحين وحتى الآن تحت راية النفوذ والحكم والتحكم الروسي.

من جهته فقد فهم الرئيس الأوكراني "فلادومير زيلينسكي" العلاقة بين روسيا السيد ونظام الأسد العبد، واعتبرها هو أيضا بالتأكيد وكالعادة علاقة قائمة بين تابع وذيله، وفهِمَ "زيلينسكي" أيضا أن ما قام به الذيل التابع كان من رأس المتبوع وأقصد هنا "بوتين"، فما كان منه _أي زيلينسكي _وفور إعلان اعتراف نظام الأسد بـ"لوغانسك، ودونتيسك" الانفصاليتين كجمهوريتين مستقلتين عن أوكرانيا إلا وأن قام بقطع علاقات كييف مع سوريا، حيث قال الرئيس زيلينسكي في فيديو عبر تطبيق تلغرام: "انتهت العلاقات بين أوكرانيا وسوريا"، وأضاف "أن ضغوط العقوبات على دمشق ستزداد شدة ولم ينسَ "زيلينسكي" أن يصف قرار النظام بأنه "قرار سخيف" و"تافه" عندنا، وقال في هذا الصدد أيضا: "إن القرار السوري "موضوع تافه" ومن الأفضل أن نلتفت ونركز على مسائل أخرى تهمنا!".

في الواقع لا شيء كان ينقص إقليم الدونباس في نظر نظام الأسد سوى اعترافه بهما كجمهوريتين مستقلتين، وكأنه وبهذا الاعتراف الفارغ بهما تكون جميع مشكلات وقضايا الجمهوريتين الإقليمية والدولية قد حلت واندثرت تماما!. أما "أوكرانيا" فقد ظن "الأسد" من خلال اعترافه بالانفصاليين ودولتيهما، أنه سيزيد بهذا الحدث من العواقب الوخيمة والمشكلات العقيمة لأوكرانيا التي لن تطيق معها وبها صبرا، أو ربما ظن أنه بهذا الاعتراف سيسهم بإنقاذ روسيا وانتشال بوتينها من الوحل الأوكراني، وهذا ما حدا بالرئيس "زيلينيسكي" لأن يقول متهكما وساخرا بعيد سماعه خبر أن النظام السوري اعترف باستقلال هاتين المدينتين وقوله _أي زيلنسكي_ إن القرار السوري موضوع تافه ودعونا نركز على المسائل الأخرى!.

اعتراف الأسد ونظامه بهاتين الجمهوريتين لم ولن يحلّ به مشاكلهما المتنامية القادمة مع أوروبا وأوكرانيا، وفي المقابل لن تزيد أيضا مقدار ذرة من مشكلات أوكرانيا

لاشك أن اعتراف النظام بـ "لو غانسك ودونيتسك" ينطبق عليه المثل (تنصّرت سارة، فما نقص اليهود ولا زاد النصارى) هذا المثل الذي يضرب لكل من لا قيمة له يقدم على عمل أو فعل معتقدا ولسذاجته ووضاعته أنه سيشكل بإقدامه على هذا  ثقلا وإضافة ووزنا يثقِل موضوعا ما، وهو في حقيقته وواقعه لا يشكل شيئا إن من حيث الشكل أو الموضوع والمضمون، بل ربما يزيد فقط من حجم العبودية والتبعية التي هو عليها ويسهم في زيادة حجم العقوبات الغربية على الشعب السوري وهي آخر ما يفكر بها، فما يشغل تفكيره في الغالب هو كيف يعمل على إرضاء الرأس والانصياع المخزي لأوامره.

ختاما.. إن ما قام به النظام وإقدامه على الاعتراف بـ "لوغانسك ودونتيسك" لا يشكل نقصا أو إضافة لجميع الأطراف فلا قيمة لما قام به، فاعتراف الأسد ونظامه بهاتين الجمهوريتين لم ولن يحلّ به مشاكلهما المتنامية القادمة مع أوروبا وأوكرانيا، وفي المقابل لن تزيد أيضا مقدار ذرة من مشكلات أوكرانيا. وربما من ستزيد مشكلاته هو نظام الأسد وحده فقط بزيادة الضغط والعقوبات عليه.