قراءة في العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح مآلاتها.. أهدافها.. وانعكاساتها

2024.02.22 | 16:30 دمشق

آخر تحديث: 22.02.2024 | 16:30 دمشق

قراءة في العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح مآلاتها.. أهدافها.. وانعكاساتها
+A
حجم الخط
-A

في الواقع إن القيادة الإسرائيلية السياسية والعسكرية ومنذ إعلانها الرد الإجرامي العنيف على هجوم حماس في عملية طوفان الأقصى التي حدثت في السابع من تشرين الأول من العام الماضي، وضعت أهدافا ميدانية بسقف مرتفع لحملتها العسكرية التي شنتها على قطاع غزة واستخدمت فيها -وما تزال- كل أنواع الأسلحة والترسانات البرية والبحرية والجوية. ولا شك أيضا أنه وبعد عدة أشهر على بدء الاجتياح الهمجي للقطاع والذي أسفر عن سقوط عشرات الآلاف من القتلى والجرحى وتدمير واسع للمدن وللحواضر السكنية، وتهجير ملايين المدنيين من مناطق سكنهم وإجبارهم على النزوح المتكرر من مكان لآخر، فهناك تساؤل مشروع لأي متابع ومراقب يقول هل حققت تل أبيب حتى الآن أهدافها التي خططت لها أو حتى أي جزء منها منذ بداية اجتياحها اللهم ما عدا التدمير واسع النطاق للقطاع، أم أن جيشها وقواتها المسلحة ما يزال يغوص ويستنزف في مستنقع وأوحال غزة ويتكبد يومياً مزيدا من الخسائر البشرية والمادية الفادحة.

من خلال المتابعة وبالرغم من مرور أكثر من أربعة أشهر ونصف على عمليات إسرائيل في القطاع، فإننا نستطيع القول إن قوات الاحتلال الإسرائيلي فشلت حتى هذا الوقت ولم تتمكن من تحقيق أيٍّ من أهدافها الكبيرة التي وضعتها لعملياتها العسكرية، فمن جهة لا هي استطاعت القضاء على حركة حماس أو منعت هجماتها الصاروخية على المدن والبلدات المحتلة، ولا هي تمكنت من شل أو قوضت قدرات الحركة العسكرية بشكل كبير، ناهيك عن أنها أيضا لم تستطع الوصول إلى تحرير أسراها من قبضة حماس وأيدي باقي الفصائل.

عمليا ما يزال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يؤكد مرارا وتكرارا أن جيشه سيواصل حربه الحالية في غزة حتى تحقيق التدمير الكامل لحماس وسحقها وإنهاء وجودها وسيطرتها على القطاع، بل وتأكيده على أنه لا يوجد بديل للنصر الكامل على أعداء إسرائيل بحسب وصفه، وعليه فمن الواضح أنه لا وجود لأية بوادر وفرص توحي بقرب انتهاء الحرب بل هناك توقعات ومعطيات ميدانية كثيرة على الأرض تنذر باحتمالية امتداد هذه الحرب وتوسعها وتحولها إلى صراع دامٍ طويل الأمد، مع الإشارة إلى أن إسرائيل وحماس غير قادرين فعليا على تحقيق أهدافهما سواء على المدى القريب أو المنظور وذلك لأن الوضع الميداني في غزة شديد التعقيد، فإسرائيل المدعومة أميركيا ورغم تفوقها الكبير بالقدرات العسكرية إلا أنها في الحقيقة ما تزال تعاني ميدانيا وتحارب في المدن أشباحا تتحرك من فوق وتحت الأرض، وتتكبد خسائر فادحة لم تتكبدها في الكثير من حروبها السابقة.

لاشك أن إسرائيل ومنذ بداية عملياتها العسكرية كانت تعي وتدرك أن أهدافها المعلنة في القضاء على حركة حماس وتدمير بناها التحتية العسكرية والوصول إلى قياداتها الميدانية والسياسية والقضاء عليهم وتصفيتهم لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال التفكير والعمل على الاجتياح الكامل للقطاع بكامله من شماله إلى جنوبه، وهذا بالفعل ما صرح به في وقت سابق وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت حيث أكد أن الجيش بدأ بالتخطيط لتوسيع عملياته العسكرية، وسيصل إلى الأماكن التي لم تشهد صراعات ميدانية، وخاصة في مركز الثقل الأخير لحركة حماس في مدينة رفح الحدودية مع مصر، وعليه فالتلويح الإسرائيلي بشن عملية عسكرية واسعة على رفح سيكون هدفه الرئيسي الضغط على حركة حماس، وتقوية موقف إسرائيل التفاوضي فيما يتعلق بمشروع أي صفقة جديدة للأسرى بين إسرائيل والحركة والذي يجري تباحثه والتحضير له بوساطات إقليمية ودولية. وبالتأكيد فيما إذا ما قررت إسرائيل المضي قدما في شن أي عملية عسكرية على رفح التي تضم بين جنباتها أكثر من مليون ومئتي ألف مدني، فإن مثل هذه العملية سيكون لها آثار وانعكاسات كبيرة ليس فقط على مستوى الحرب والميدان بل أيضا على مستوى الارتدادات الدولية والإقليمية المرتبطة بهذه الحرب، والتي يأتي على رأسها التوتر الشديد والمتوقع في العلاقات المصرية الإسرائيلية.

الملاحظ أنه منذ اجتياح إسرائيل لمدن الشمال والوسط ونزوح الأهالي من بيوتهم أصبحت مدينة رفح جنوب القطاع تضم تجمعا كبيرا للنازحين بعد أن حددها الجيش الإسرائيلي جزافا ملاذاً آمناً للفلسطينيين من العمليات العسكرية، ودعا المواطنين للنزوح إليها بعد ذلك أثارت تصريحات ونوايا الجيش الإسرائيلي باجتياحها مخاوف النازحين الذين عانوا وما زالوا يعانون من عذابات النزوح المتواصل في ظل نقص كبير في مقومات الحياة وشح المياه والغذاء والقصف المتواصل والأجواء الشتوية الباردة. ورغم أن القيادة المصرية أعلنت قرارها الحاسم بعدم السماح للجيش الإسرائيلي باجتياح الحدود الفلسطينية المصرية في رفح، واعتبار هذا الأمر "اعتداء على الأمن القومي المصري" إلا أن تخوفات النازحين ما تزال موجودة وحاضرة.

في الواقع وبعد ما يقارب خمسة أشهر من الحرب يبقى أن نرى ونفكر في كيفية خروج إسرائيل وكذلك حماس والمقاومة من هذه الحرب المدمرة، فالمعطيات المتوفرة تقول إن إسرائيل لاشك أنها تكبدت خسائر كبيرة قاسية معنوية ومادية، ولكن في المقابل أيضًا فإنها قامت وبشكل مرعب باستعراض قوتها من خلال عمليات التدمير الواسعة والممنهجة لأجزاء كبيرة من القطاع، ولذلك لا يمكننا القول إنها فشلت على جميع المستويات الميدانية في تحقيق جزء مهم من أهدافها، فهي على الأقل قد حققت بهذا التدمير الكبير حالة ردع مستقبلية لأعدائها في المنطقة والإقليم.

ختاماً.. لاشك أن كل الحروب التي نشبت يوجد لها نهاية، وهذه الحرب مصيرها في وقت ما أن تنتهي، وعندها باعتقاد الكثيرين يمكننا الحديث عما حققته هذه الحرب من مكاسب وخسائر للأطراف المتحاربة، لكن حقيقة وما يمكننا قوله الآن إن عملية طوفان الأقصى أحدثت حالة تحول كبيرة بالنسبة للفلسطينيين، وكذلك الحال بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي فما حققه السابع من أكتوبر لا يمكن لأي حرب حتى لو أبيدت غزة عن بكرة أبيها أن تزيله، ويأتي في مقدمة ذلك الضربة الشديدة التي هزت صورة وهيبة تل أبيب أمام العالم، وأعادت القضية الفلسطينية لتتصدر رغم كل الخلافات أولويات المجتمع الدولي واهتماماته.