مقتل الجنود الأميركيين وحيرة واشنطن بين قوة الردع وخشية التصعيد...!

2024.02.06 | 22:56 دمشق

مقتل الجنود الأميركيون وحيرة واشنطن بين قوة الردع وخشية التصعيد...!
+A
حجم الخط
-A

لا شك أن الحرب والجرائم الإسرائيلية المرتكبة في قطاع غزة منذ السابع من تشرين الماضي، وكل هذا الكم من التدمير والضحايا المدنيين من نساء وأطفال ممن سقطوا ولا يزالون على أيدي جيش العدو الصهيوني قد أججت المواقف لدى بعض الأطراف في الشرق الأوسط، وصعدت من الأخطار الحتمية التي من الممكن أن تواجهها المنطقة، وتنذر بانفلات الأوضاع من عقالها والوصول إلى توسيع دائرة الصراع ودخول العديد من الدول الأخرى فيه.

عمليا فإن حرب غزة قد عرت وكشفت وبكل ما تعنيه الكلمة عورة إيران ومعها حزب الله ومن لف لفهم من قوى محور المقاومة، وأسقطت شعاراتهم الزائفة حول وحدة هذه المقاومة ووحدة الساحات، _هذه الشعارات_ التي صيغت وأطلقت من قبل طهران وملالي قم وحرسهم الثوري بعد حرب غزّة وعملية "سيف القدس" التي قامت بها حركة حماس في شهر أيار من عام 2021 وتعني هذه الشعارات بأن أي استهداف مباشر أو اعتداء على أحد أعضاء محور المقاومة في المنطقة فهذا سيؤدّي حتما إلى تفعيل بقية الساحات لدعمه والوقوف إلى جانبه عسكريا وميدانيا دون أي تردد وتحفظ، ولكن وعلى ما يبدو أن المياه وكما يقول المثل "كذبت الغطاس" فغزّة من الواضح أنها وبعد  4 أشهر  تقريبا من الصمود التاريخي قد تُركت وحدها ولمصيرها في مواجهة العدوان الإسرائيلي بعد عملية طوفان الأقصى البطولية، وتحملها كل هذا الكم من الإجرام والإرهاب الذي يرتكب يوميا بحقها وبحق أهلها وسكانها أمام صمت المجتمع الدولي وشلل منظماته الدولية.

في الواقع إن اغتيال إسرائيل لقائد إسناد الحرس الثوري الإيراني في سوريا (منطقة السيدة زينب) العميد رضي موسوي ومستشارين آخرين في منطقة المزة في قلب دمشق، وتصفية المدعو وسام الطويل وهو أحد القادة الميدانيين بحزب الله اللبناني والمسؤول في نخبة وحدة الرضوان أكد إحياء الجدل واستبعاد أي تفكير بشأن إمكانية اتساع نطاق المواجهة خارج حدود قطاع غزة ودخول حزب الله أو إيران وميليشياتها فيها. ومن الواضح أن إيران في الفترة الأخيرة أي ما بعد عملية طوفان الأقصى قد ألحت وأوعزت لأذرعها وميليشياتها بزيادة استهداف ومضايقة المصالح والقواعد الأميركية في سوريا والعراق بسلسلة من الهجمات الصاروخية وبالطائرات المسيرة، وعليه فقد كان هناك العشرات من الاستهدافات المباشرة لتلك القواعد المنتشرة في العراق مثل قاعدة عين الأسد في الأنبار وقاعدة الحرير في أربيل، أما في سوريا فقد طالت الاستهدافات المتكررة قواعد حقل العمر وكونيكو وقواعد الشدادي ورميلان وغيرها، وبالمتابعة فالملاحظ أن هجمات الميليشيات الإيرانية على القواعد الأميركية في سوريا والعراق لا تهدف إلى أن تكون مميتة وتوقع ضحايا ولكن هذا لا يمنع من وجود خطر قتل أميركيين عن طريق الخطأ، وبالتالي احتمالية تصعيد الوضع الميداني والأمني بشكل كبير وهذا ما حدث بالفعل في الفترة الأخيرة بعد استهداف بعض وكلاء إيران النقطة الأميركية في شمال شرقي الأردن أو ما يسمى بالبرج 22 بطائرة مسيرة انتحارية أدت إلى سقوط 3 قتلى من الجنود الأميركيين وجرح أكثر من 40 منهم.

فعليا وبعد سقوط القتلى الأميركيين وهو بالتأكيد ما تعتبره الولايات المتحدة مفترقا خطيرا وخطا أحمر، نفذت واشنطن تهديداتها بعد 6 أيام من مقتل جنودها الثلاثة غارات جوية وصاروخية على أهداف للحشد الشعبي وأذرع إيران في مناطق عديدة من سوريا والعراق وذلك باستخدام أحدث أنواع الطائرات والقاذفات الاستراتيجية بعيدة المدى من نوع B1 وطائرات إف 35 والقيام بإطلاق 125 صاروخا وقذيفة عالية الدقة موجهة باللايزر على أكثر من 85 هدفا داخل الأراضي السورية والعراقية. وبالتحليل فلا شك أن واشنطن ودون أسباب واضحة ومقنعة قد تلكأت وتأخرت في تنفيذ ضرباتها الجوية، وبالتالي أفقدت هذه الضربات وإلى حد كبير عنصر المفاجأة والمباغتة التي تعتبر من أهم  عناصر ومبادئ العمليات القتالية والمعركة المشتركة الحديثة وخاصة الهجومية منها، وهذا بحد ذاته ما أعطى للميليشيات الطائفية وأذرع إيران ووكلائها في سوريا والعراق الوقت الكافي والفرصة الذهبية بالإسراع في تنفيذ إعادة التموضع والانتشار وتغيير المواقع وإخفاء الكثير من سلاحها وعتادها الهام، وإبعاد وسحب الكثير من قيادات الصف الأول والثاني إلى إيران ومناطق مختلفة وبالتالي هذا ما ساهم في تخفيف الخسائر التي كانت من الممكن أن تحدث لولا ذلك وإلى حد كبير.

لا شك أن التحدي الذي يواجه الولايات المتحدة بعد مقتل جنودها في العملية الأخيرة يتلخص في حرصها وعملها على إيجاد التوازن الصحيح والهادف بين قوة الردع الحقيقي والتصعيد المتسرع وغير المحسوب جيدا. وعليه فلا شك أن الفشل في التصرف واتخاذ القرارات الحاسمة الناجعة والسريعة قد يكشف ويعري ضعف واشنطن وإداراتها في مواجهة المواقف المفروضة والطارئة، وهذا كله بالتأكيد ما سيشجع أذرع إيران ووكلاءها على الاستمرار في تنفيذ مزيد من الهجمات الدامية ضد القوات الأميركية. كما أن التصرف بقوة مفرطة غير محسوبة النتائج قد يؤدي إلى ردود فعل تصعيدية من إيران وحلفائها وبالتالي الدخول في مواجهات مباشرة قد تهدد وتشعل المنطقة برمتها.

طهران من جهتها وقبل تنفيذ الضربات الأميركية تراجعت خطوات إلى الوراء وتنصلت من مسؤوليتها عن مقتل الجنود الأميركان، وقالت إنه لا دور لها في ذلك، وهذا ما أكده مسؤولون في الخارجية الايرانية ومندوب إيران لدى الأمم المتحدة حين قال: "إن إيران لا علاقة لها بالهجمات التي استهدفت وتستهدف القوات الأميركية في سوريا والعراق، وإن اتهام طهران بالوقوف وراء الهجمات باطل ولا أساس له من الصحة، وكل ما يجري هو عبارة عن مؤامرة لجر أميركا لحرب في المنطقة، وإن انتهاكات أميركا في سوريا والعراق واليمن أدت إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار في المنطقة". واللافت والمثير للجدل هنا أن إيران وبعد التوعد ورفع العصا الأميركية الغليظة قد قامت بسحب كبار ضباطها من الحرس الثوري وفيلق القدس من سوريا، وقالت إنها ستدير شؤون سوريا عن بعد بالتعاون مع حليفها حزب الله، كما أنها قامت بالإيعاز إلى ميليشياتها في سوريا والعراق بعدم استهداف القواعد الأميركية، فكيف يكون ذلك وطهران صرحت في وقت سابق وعلى لسان كبار مسؤوليها أن ليس لها علاقة في الهجمات وأن قرار الميليشيات التي تدعمها هو قرار ذاتي ومستقل وهي بعيدة كل البعد عن التدخل فيه!.

حسب التصريحات والمعطيات فواشنطن أكدت وعلى لسان كبار مسؤوليها بأن الرد لن يكون مقتصرا فقط على الغارات التي نفذت، بل سيكون مستمرا ومنصبا داخل الأراضي السورية والعراقية، مع حرص الإدارة الأميركية بعدم إثارة استياء الحكومة العراقية نتيجة توجيه الضربات والغارات داخل حدودها. ناهيك عن الأخذ بالحسبان المخاوف الأميركية من أن توجيه أي ضربات انتقامية واسعة يمكن أن يؤدي إلى تصعيد العنف وإثارة المزيد من التوتر والاستهدافات ضد المصالح والقواعد الأميركية المنتشرة في المنطقة.

ختاما.. لا شك أن الهجوم، الذي نفت إيران ضلوعها فيه والرد الأميركي الأخير يمثل تصعيدا كبيرا للتوترات التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط، وسط مخاوف مشروعة من تحول الحرب في غزة إلى صراع يشمل جماعات كثيرة متحالفة مع إيران في لبنان واليمن والعراق. لكن ومن خلال التوقعات والتحليلات واستقراء معطيات الماضي والحاضر فالنتيجة تقول إنه لا واشنطن ولا إيران ووكلاؤها ولا حتى حزب الله وإسرائيل معهم يريدون تصعيد المواقف أكثر وانفلات الأمور وانزلاقها لمواجهات مباشرة أوسع، بل العمل ما أمكن من فوق وتحت الطاولة للحفاظ على قواعد الاشتباك الاستعراضية الحالية.