تفوّق الشبكات الاجتماعية في الاستجابة للكارثة السورية

2023.02.14 | 05:49 دمشق

فرق الدفاع المدني السوري تبحث عن ناجين تحت الركام في حارم بريف إدلب، 10 شباط 2023 (الدفاع المدني السوري)
+A
حجم الخط
-A

تفرض الكوارث الطبيعية وفي مقدمتها الزلازل المدمّرة على الناس مشهداً من الموت والخوف والتشتت منذ لحظة وقوعها فيصبح كل ما يحيط بنا مصدراً للخطر، السقف والجدران التي كنا نحتمي بها والسرير الذي كنا ننام عليه وأدوات المطبخ التي كانت تجمعنا حول مائدة الطعام، حتى أفراد الأسرة الذين كنا نسكن إليهم ونعانقهم حين ينتابنا الحنين أو الوهن أو التعب أو المرض، حتى جيراننا الذين نتقاسم معهم الحياة يصبحون مصدراً للخطر حين نتزاحم على أدراج النجاة، حقيقة بشعة ومُرة لكنها للأسف حقيقة.

والذي زاد المشهد السوري خصوصية وكارثية أن هذا الزلزال وقع في توقيت خاص من حياة السوريين الذين أتعبتهم استمرارية النزاع وشردتهم واستهلكت من نفوسهم طاقاتها وآمالها، وأصاب مناطق صدّعتها آليات الصراع وفتكت بها مختلف صنوف الأسلحة المدمرة في سياق كثافة سكانية ونزوح قلق وبيئة هشة كل ما فيها ضعيف ومؤقت، فجاءت الكارثة مضاعفة.

الزلزال السوري والاستجابة

تكون الاستجابة في حال وقوع هذا النوع من الكوارث والزلازل المدمرة مسؤولية الجميع من الفرد إلى دوائر الشبكات المجتمعية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، ومنظمات المجتمع المدني والحكومات المحلية والدولة، والدول ومنظمات المجتمع الدولي وعلى رأسها الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.

من الذي استجاب وكيف؟

تفوقت المبادرات الفردية والشبكات المجتمعية السورية في سرعة الاستجابة ونوعيتها على جميع مصادر الاستجابة المُفترَضة، ولا يُستثنى من ذلك سوى منظمة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) والتي لو عمدنا إلى تحليل  مضمون نشاطها التطوعي والثوري فلن نجده بعيداً عن جوهر الشبكات المجتمعية والمبادرات الفردية المدفوعة بروح إنسانية وثورية، والأيام العصيبة التي مرت غنية وثرّة بقصص التضامن والتكافل المجتمعي لدى جميع السوريين أينما كانوا وحيثما نُكِبوا.

ولم تغب المبادرات الفردية عن صفحات التواصل الاجتماعي ولم تنقطع حوارات ومبادرات الشبكات المجتمعية بين مجاميع السوريين اللاجئين والمهاجرين والمُهجرين والقابضين على الجمر في الداخل السوري، وكأن الشعب السوري يعيش ورشة تضامن وتكافل مع ألم الكارثة والفقد، وتعالت أصوات السوريين تتضامن مع المناطق المنكوبة في حلب واللاذقية وإدلب وعفرين وحماه واعزاز والباب بصوتٍ عابرٍ لكل الحدود المصطنعة.

لماذا تأخرت استجابة كثير من منظمات المجتمع المدني؟

تعمل منظمات العمل الإنساني والإغاثي ضمن مناطق تسيطر عليها سلطات أمر واقع مختلفة وترتبط هذه المنظمات مع هذه القوى بعلاقات ومنافع متبادلة أوصلتها في نهاية المطاف إلى ربط استجاباتها ومشروعاتها وفق توجهات القوى المسيطرة، وهذا يشمل مناطق سيطرة النظام ومناطق الشمال (الغربي – الشرقي) في سوريا.

من جانب آخر هناك بعض المنظمات لا تملك القدرات ولا الخبرات التي تمكّنها من الاستجابة المباشرة لأعمال الإخلاء والإنقاذ، وربما يكون دورها بعد الأيام الثلاثة الأولى للكارثة، إذ يكون شكل الاستجابة مختلفاً مثل دفن الموتى وإيواء الناجين وإطعامهم وضمان انتقالهم.

كيف كانت استجابة الدولة وحكومتها؟

بات من المعروف لدى جميع السوريين بأن حكومة نظام بشار الأسد لا تهتم للكوارث التي تحل بالشعب السوري إلا من زاوية استثمارها في المزادات السياسية لتحقيق مزيد من المكاسب ولو كان ثمن هذه المكاسب دمعاً ودماً، لذلك كانت هذه الاستجابة الاستعراضية من رأس النظام والتي تنمّ عن تشفٍّ واستهتار واستثمار، متوقعة من غالبية المجتمع السوري.

أما في الشمال السوري المنكوب فلا توجد دولة ولا حكومة مركزية، ولا يمكن التعويل على مؤسسات المعارضة الرسمية كالائتلاف والحكومة المؤقتة، التي فشلت في اختبارات كثيرة سابقة على صعيد سياسي واقتصادي وأمني، فكيف لنا أن نتأمل منها نتائج فاعلة في سياق كارثة طبيعية مدمِّرة وغير مسبوقة، وهذا ينسحب على كيانات سياسية في إدلب وفي منطقة شرق الفرات على حدٍّ سواء، فجميعها تعمل وفق توجهات مشغليها.

كيف كانت استجابة المجتمع الدولي؟

هنا يمكننا تصنيف الاستجابة إلى مستويين: مستوى الأفراد والمنظمات ومستوى الحكومات وهيئاتها، فعلى صعيد الأفراد ومنظمات إنسانية وشبكات اجتماعية، فقد لمسنا تعاطفاً شديداً مع الكارثة وآثارها التدميرية وتجسد ذلك من خلال إرسال التبرعات العينية والنقدية عبر القنوات الممكنة، وكذلك من خلال التغطيات الإعلامية المستمرة وتفعيل شبكات التواصل مع الأشخاص الذين يعيشون في المناطق المنكوبة أو مع من له صلة بهم، وشهدنا حملات كثيرة وكبيرة من الشعوب العربية وغير العربية ووصل بعض المتطوعون بالجهد والخبرات والمال إلى أرض الكارثة.

أما على مستوى الحكومات والدول فقد كانت الاستجابة بالعموم باردة وبطيئة ولم تستطع أن تعبُر خطوطها وقيودها السياسية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل زاد عن ذلك بأن بعض الأنظمة العربية والدولية استغلت هذا الظرف الكارثي وحاولت ممارسة نوع من التطبيع مع نظام الأسد بغطاء إنساني، هذا النظام الذي ما زال مستمراً بتدمير سوريا وبشدة فاقت شدة هذا الزلزال المدمر بعشرات المرات وبشتى أنواع التدمير.

الموقف المُخزي لهيئة الأمم المتحدة

منذ بدء الثورة السورية وما تلاها من تحولات على صعيد الواقع والمواقف والتشتت والتشظي، والتراجع والتقدم، كان موقف الأمم المتحدة وعبر ممثليها وموظفيها موقفاً منحازاً وغير نزيه والأدلة والشواهد على ذلك الموقف كثيرة جداً، منها دعم النظام سياسياً ومادياً، وعبر صفقات الفساد المشبوهة مع منظمة الصحة العالمية، وكذلك من خلال إهدار الوقت والتسويف في المسار السياسي والتفاوضي والمساعدات الإنسانية الأممية وربطها بموافقة مجلس الأمن وغيرها وغيرها من الشواهد، لكن المخيّب للآمال والمحبط في هذه الاستجابة المخزية لكارثة الزلزال، هو تبرير ذلك بالبيروقراطية والإجراءات وانتظار الموافقات، موقف يندى له الجبين ويؤشر إلى حقيقة مرة جداً وهي فقدان الأمل من هذه الهيئة.

الدرس المستفاد؟

كل ما تقدم من تحليل مختصر ومقتضب يقودنا إلى حقيقة واحدة وهي أن السوري يجب أن يشدّ على يد السوري، ويجددوا ثورتهم على جميع قوى الأمر الواقع من دون استثناء، ولا بد لهذا النزيف أن يتوقف ولا بد لهذه الأرض أن ترمم صدوعها ولا بد لهذا الدمار أن يستحيل بناءً وحياة.