تخادم الإجرام الإسرائيلي الأسدي وأوجه التشابه بينهما

2023.10.21 | 07:01 دمشق

آخر تحديث: 21.10.2023 | 07:01 دمشق

تخادم الإجرام الإسرائيلي الأسدي وأوجه التشابه بينهما
+A
حجم الخط
-A

لعله ليس بغريب أبداً أن تنطوي أهوال الحروب وفجائعها الموجعة على جملة من المفارقات التي توازي بغرابتها بل ووقاحتها أهوال الحروب ووحشيتها، ولئن بدت وقائع هذه المفارقات أو إرهاصاتها الأولية غير صادمة نظراً لتاريخ طويل من الصراع العربي الصهيوني اختزل الكثير من سلوك الدول والأنظمة وبيّن نفيسها من قبيحها، إلّا أن التجليات المكتملة لتلك المفارقات وتجسيداتها الدقيقة على الأرض تجعلنا لا نتحدث عن مجرّد تماثل هنا أو هناك، بل يمكننا الوقوف أمام مناهج مستنسخة تؤدي دوراً تكاملياً وتخادماً في المصالح فيما بينها.

ما نعنيه بالاستنساخ المنهجي بالتحديد هو ما يقوم به الكيان الصهيوني حيال سكان غزة منذ اليوم السابع من شهر تشرين أول الجاري، وبين ما مارسه نظام الأسد - وما يزال - بحق الشعب السوري. ولعل إدمان نظام دمشق على ممارسة الجريمة بحق السوريين وقدرته اللامحدودة على ابتداع وسائل وطرائق الإجرام جعل الكثير من السوريين يعتقدون جازمين أن السلطة الأسدية حيال مواجهتها للشعب السوري تفوقت على الكيان الصهيوني من حيث فظاعة الإجرام كماً ونوعاً، بل غالباً ما رأى السوريون أن نظام الأسد لم يدخر طريقة من طرائق القتل الشنيعة إلا ومارسها بحق شعبه، بدءاً من البراميل المتفجرة ومروراً بالقتل الجماعي ودفن المواطنين وهم أحياء، وصولاً إلى الإبادة الحقيقية بالسلاح الكيمياوي، أضف إلى ذلك أنه حين كانت تقوم قوات الأسد وحليفها الروسي باستهداف المستشفيات ودور العبادة والمخابز والأسواق الشعبية في إدلب وحلب وحمص وجسر الشغور وسواها من البلدات السورية، كان يستحضر السوريون جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني في سياق مقارنة مع ممارسات سلطة دمشق بحق السوريين، وذلك للخروج بنتيجة يتفوق فيها النظام الأسدي على الدوام، ولسنا بحاجة للإشارة إلى أن المقارنة ليست بين جيد وسيئ على الإطلاق، أو هي ليست لتبرئة أو تبرير صنيع أحد الطرفين، بل هي مقارنة بالأصل بين سيئ وأكثر سوءاً.

لم يعد نظام الأسد وحلفاؤه الروس هم الوحيدون الذين يقصفون المشافي بالطائرات ويجهزون على المرضى وهم على أسرّتهم، بل ربما كان الصنيع الإسرائيلي المماثل في الجريمة يحيل إلى مرجعية أسدية في علم الإجرام

ربما ما يعزز هذا المنحى من المقارنة هو ما قام به العدو الإسرائيلي يوم السابع عشر من تشرين الأول الجاري حين استهدف مشفى المعمداني في غزة، وقد أودى هذا الاستهداف بحياة أكثر من خمسمئة شهيد، وإصابة أضعافهم، وما يزال العشرات في عداد المفقودين تحت الأنقاض، وبهذا لم يعد نظام الأسد وحلفاؤه الروس هم الوحيدون الذين يقصفون المشافي بالطائرات ويجهزون على المرضى وهم على أسرّتهم، بل ربما كان الصنيع الإسرائيلي المماثل في الجريمة يحيل إلى مرجعية أسدية في علم الإجرام لا تتقوّم على جانب ميداني في القتل والتدمير فحسب، بل هي لا تكتمل إلّا بتتالي فصولها الإجرامية كاملة، ونعني بذلك الخطوات التالية لقصف المدنيين والإثخان بقتلهم، إذ يتم توجيه إبلاغ لمن بقي حيّاً من السكان بترك الديار والنزوح خارج المدينة، أي إفراغ المدينة من سكانها والإجهاز على بنيتها التحتية وتسويتها بالأرض، وهذا المنهج القائم على الاستئصال وإفراغ المدن من سكانها هو النهج ذاته الذي مارسته قوات الأسد في حلب الشرقية والغوطة وداريا والزبداني ودرعا والقصير، إذ كان يوضع السكان أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الموت تحت وابل قصف الطائرات والمدفعية، أو النزوح من الديار ومغادرة المدينة، وبالفعل منذ أن بدأت إسرائيل حربها المتوحشة على سكان غزة، قامت بموازاة ذلك بتوجيه بلاغ بوجوب مغادرة سكان غزة لمدينتهم، وربما الضغوطات التي مارسها وزير خارجية أميركا طوني بلينكن على كل من مصر والأردن طالباً منهما أن يفتحا أبوابهما لسكان غزة إنما يأتي في سياق استكمال منهج الاستئصال الذي مارسه الأسد حيال المدن السورية.

تبلغ المفارقة ذروة القذارة حين يطالب نظام الأسد بوقف العدوان الإسرائيلي على سكان غزة، بينما هو يستمر بحربه وعدوانه على إدلب مستهدفاً رجالها ونساءها وأطفالها بكل حمم الموت والدمار

ربما أفضى تخادم المناهج بين الأسد وحلفائه من جهة وإسرائيل وحلفائها من جهة أخرى إلى تبادل للأدوار يختزل الكثير من القذارة وبلادة الضمير، لعل أبرز ما يحويه هذا التخادم هو مطالبة روسيا في مجلس الأمن بوقف شامل لإطلاق النار في غزة، ولكن أميركا من جهتها ترفض، بينما في حالات أخرى حين يُطرح موضوع وقف إطلاق النار في سوريا والتطبيق الفعلي للقرارات الأممية فإن روسيا هي التي ترفض وواشنطن هي التي تبدو حريصة على وقف الحرب وإرساء السلام، ثم تبلغ المفارقة ذروة القذارة حين يطالب نظام الأسد بوقف العدوان الإسرائيلي على سكان غزة، بينما هو يستمر بحربه وعدوانه على إدلب مستهدفاً رجالها ونساءها وأطفالها بكل حمم الموت والدمار، ليتعدى التشابه بين المنظومتين الأسدية والصهيونية إلى حد التطابق حين حاول قادة الكيان الصهيوني وداعمهم الأميركي إلصاق جريمة قصف مشفى المعمداني بفصائل المقاومة الفلسطينية، في تجسيد مطابق لما فعله نظام الأسد وروسيا حين استخدامهم السلاح الكيماوي لقتل السوريين في الغوطة الشرقية وخان شيخون وخان العسل ومناطق سورية أخرى واتهام فصائل الثورة السورية بفعل ذلك.