icon
التغطية الحية

تحقيق يروي تفاصيل وفاة شقيقين سوريين في رحلة من درعا إلى المملكة المتحدة

2024.01.30 | 17:51 دمشق

آخر تحديث: 31.01.2024 | 10:24 دمشق

مكان غرق القارب المطاطي الذي أودى بحياة الأخوين على السواحل الفرنسية (BBC)
مكان غرق القارب المطاطي الذي أودى بحياة الأخوين على السواحل الفرنسية (BBC)
 تلفزيون سوريا - إسطنبول
+A
حجم الخط
-A

كشف تحقيق صحفي أجرته وسائل إعلام غربية، عن تفاصيل حادثة غرق أخوين سوريين خلال رحلة لجوئهم التي استمرت 9 أشهر إلى المملكة المتحدة، حيث تخللها 3 محاولات بائسة للوصول، وبدأت في درعا وانتهت في بحر المانش على السواحل الفرنسية.

واجه عبادة عبد ربه، الفتى السوري الذي لا يعرف السباحة، والبالغ من العمر 14 عاماً، مصيره المأساوي برفقة أخيه أيسر البالغ من العمر 24 عاماً في مياه بحر المانش، وذلك في 14 كانون الثاني الجاري.

وكان عبادة وأيسر من بين خمسة أشخاص غرقوا في منتصف كانون الثاني على بعد بضعة أمتار من الساحل الشمالي لفرنسا، حيث كان قاربهم الصغير أول قارب يغرق في عام 2024 في أثناء رحلة العبور إلى المملكة المتحدة.

قد تكون صورة ‏‏شخصين‏ و‏تحتوي على النص '‏الله يرحمكم‏'‏‏
عبادة وأيسر عبد ربه

وعملت شبكة (BBC) البريطانية على فهم كيف انتهى الفتى عبادة بوصوله إلى هذا الوضع، وذلك عبر تتبع رحلته التي بدأت قبل 9 أشهر من سوريا، وفحص الفيديوهات والرسائل والمقابلات مع أقاربه، ورفاقهم الذين كانوا معاهم في هذه الرحلة الطويلة.

وأشارت الشبكة في بداية تحقيقها إلى أن الأطفال يتعرضون إلى ضغط "استثنائي" من قبل آبائهم وأقاربهم ومهربي البشر، وكشفت عن أهداف واستراتيجيات أولئك الذين يرغبون في الوصول إلى المملكة المتحدة، وتأثير الإجراءات الرادعة التي تطبقها الحكومة البريطانية وحكومات أخرى عليهم.

جدار بحري على الشاطئ

وبدأت رحلة عبادة وأيسر عندما قررا السفر إلى مدينة بنغازي الليبية، ومن هناك الوصول إلى السواحل الإيطالية ومن ثم إلى فرنسا وبعدها إلى المملكة المتحدة.

ورافق الأخوين على متن القارب نفسه 10 رجال من مدينتهم درعا، وحاولوا تشجيع عبادة خلال الأشهر السابقة على ركوب القارب المتجه إلى المملكة المتحدة من فرنسا، إلى جانب اثنتين من الأمهات اللائي كن يحاولن عبور الحدود مع أطفالهن المراهقين في تلك الليلة. 

وأنزل القارب المطاطي إلى الماء، وكان هناك 60 شخصياً يحاولون الصعود على متنه، وهو أكثر بكثير مما ينبغي لرحلة آمنة، ووزع المهربون طوافات مطاطية على المهاجرين، ومنعوهم من نفخها قبل الوصول إلى سواحل المملكة المتحدة.

وأخذت الأمواج القارب بعيداً في صباح يوم الأحد 14 كانون الثاني، حيث قال المهربون إن الرياح مواتية بما يكفي من أجل بدء أول رحلة تهريب إلى المملكة المتحدة لعام 2024، إذ انطلقوا من بلدة ويمريو الصغيرة شمالي ميناء بولوني، والذي يحتوي جدارا بحريا للحماية من ارتفاع مستوى المياه.

الجدار البحري على السواحل الفرنسية

أخاهما وعمهما خاضا الرحلة نفسها

كانت الساعة الواحدة صباحاً في المملكة المتحدة، وكان شقيقهم ندى، البالغ من العمر 25 عاماً، في غربي لندن، ينتظر عبادة وأيسر، حيث اتصل بهم قبل بضع ساعات، وكانوا تحت جسر قناة في كاليه، يشعلون ناراً للتدفئة.

وبدوا واثقين من الرحلة المقبلين عليها، وكان عبادة يرتدي قبعة داكنة اللون ووشاحاً أزرق، وكان مبتسماً ويشير بإصبعين إلى الكاميرا في إشارة إلى النصر، حيث كانت رحلتهم الطويلة والشاقة على وشك الانتهاء.

وعاش أخوهم ندى الرحلة نفسها قبل عامين حيث هاجرت قبل عامين من سوريا إلى المملكة المتحدة، على الرغم من محاولة والده إقناعه بأن الحرب ستنتهي في سوريا: "انتظرنا 12 عاماً ولم ينتهِ الأمر، لا يوجد أمان، وليس لدينا خيار سوى طلب اللجوء".

وأراد ندى الذهاب إلى المملكة المتحدة بعد أن خاض عمه هذه الرحلة قبل عشر سنوات وحصل على حق الإقامة فيها، وعندما وصل ندى، أخبر السلطات أنه تلقت تهديدات بالقتل في الجامعة التي كان يدرس فيها في دمشق بسبب مناهضته للنظام السوري ورفضه دخول الجيش.

وقال: "سوريا ليست آمنة، تذهب إلى الجيش وتبقى هناك لمدة 10 سنوات، عليك أن تقتل، وإلا ستُقتل، ونحن لا نريد ذلك".

شقيقهما ندى

العائلة شجعته على الذهاب

حصل ندى على وضع اللاجئ وتصريح الإقامة لمدة خمس سنوات في المملكة المتحدة في تشرين الأول من العام الماضي، ووجد مؤخراً عملاً في مستودع في ويمبلي، ويأخذ دروساً في اللغة الإنجليزية ويأمل في جلب زوجته من سوريا إلى المملكة المتحدة قريباً.

شجع إخوته في سوريا على الانضمام إليه بعد وقت قصير من وصوله إلى المملكة المتحدة، حيث قال ندى لعبادة عبر الهاتف: "أنت أصغر سناً، يمكنك الحصول على تعليم هنا.. يمكنك بناء حياة جديدة هنا".

وأكدت شبكة (BBC) على وجود دلائل على أن والدي عبادة شجعاه على الرحلة، وربما كانا يضغطان عليه، إذ إن والده يعاني من مشكلات صحية متعددة وكان يأمل في تلقي العلاج في المملكة المتحدة، في حين قالت والدته: "ذهب ابني الصغير على أمل أن يلتقي بنا في المستقبل".

وأكد جار من درعا كان موجوداً في تلك الليلة على ذلك: "كان من المفترض أن يصل إلى المملكة المتحدة ويلتقي بشقيقه ويجلب والديه قريباً، كان هذا هو الهدف من رحيلهم، حتى يتمكن والده من تلقي العلاج في الخارج".

عندما ركب عبادة وشقيقه أيسر الطائرة من دمشق إلى بنغازي في ليبيا في مايو الماضي، كان عبادة لا يزال في الثالثة عشر من عمره، إذ لا توجد حاجة لتأشيرة السفر من سوريا إلى ليبيا، وقد ساعدهم عمهم الذي يعمل في دبي في تكاليف التذاكر.

مسار الرحلة من سوريا إلى ليبيا

التعذيب على أيدي الميليشيات في ليبيا

لم يكن عبادة يدرك تماماً مخاطر الرحلة، ففي تشرين الأول 2023، بعد أشهر من الانتظار في ليبيا، حاول الأخوان عبور البحر المتوسط ​​على متن قارب لمهربي البشر من العاصمة طرابلس، إلا أنه ألقي القبض عليهم من قبل خفر السواحل التونسي، وأعادوهم إلى ليبيا، حيث وقعوا في أيدي الميليشيات المحلية.

قال فارس البالغ من العمر 23 عاماً، جارهم من درعا، الذي كان معهم في معظم رحلتهم من سوريا: "احتجزنا لمدة شهر وتعرضنا للتعذيب".

وكان الأخوان ينامون على الأرض، وغالباً ما يتم إطعامهم مرة واحدة في اليوم بوعاء صغير من المعكرونة، إلا أنهما تمكنا في النهاية من شراء حريتهما بمبلغ 900 دولار لكل منهما بمساعدة الأموال التي أرسلها عمهم من دبي.

وبدأ عبادة بعد ذلك في التعبير عن مخاوف جدية بشأن الاستمرار في الرحلة، قال فارس: "كان خائفاً، كنا نتحدث معه لتقويته ونقول له إنه لا داعي للقلق بشأن أي شيء، لكنه كان بحاجة إلى شخص يرعاه".

وعندما أعلنت المجموعة أنها وجدت مهرباً آخر سيأخذهم إلى إيطاليا، اتصل عبادة بوالديه ليقول إن هذه ستكون محاولته الأخيرة لعبور البحر المتوسط. إذا لم ينجح، فسيعود إلى المنزل.

قال فارس: "أمسكنا بيده عندما صعدوا على متن قارب آخر في كانون الأول، وقلنا له: "نحن معك، لا داعي للخوف".

ونجحوا هذه المرة بصعوبة بعد 22 ساعة قضوها في البحر، حيث أنقذهم خفر السواحل الإيطالي قبالة جزيرة لامبيدوزا، وسجلتهم ضمن سجلاتها ومن ثم أطلقت سراحهم، وانتقلوا إلى ميلان، ثم إلى بولونيا في البر الرئيسي الإيطالي قبل التوجه إلى الحدود الفرنسية.

في هذه الأثناء، بدأ ندى يشعر بالقلق مرة أخرى، كانت قواعد طلب اللجوء في المملكة المتحدة أكثر صرامة، واتصل بشقيقيه مرة أخرى، وقال: "قلت لهم أن يذهبوا إلى ألمانيا أو إيطاليا. لأن القواعد هنا أصبحت أكثر صرامة، هناك قواعد جديدة صعبة للغاية بالنسبة للمهاجرين"، إلا أن الأخوين رفضا ذلك.

وذهب الأخوان بالقطار إلى باريس، ويتذكر ندى عبادة وهو يقول له: "أريد الذهاب إلى هناك لأنك هناك"، كانوا مخلصين للخطة الأصلية.

مسار الرحلة من ليبيا إلى الشواطئ الفرنسية

المياه الباردة أطفأت حلمهما

وفي بداية تموز، وصل عبادة وأيسر وأكثر من نصف دزينة من الأصدقاء السوريين إلى كاليه، وناموا تحت جسر، محاولين تجنب رؤية الشرطة الفرنسية.

وتحدثت (BBC) مع منظمة غير حكومية محلية، لم ترغب في الكشف عن اسمها، تعمل في المنطقة وعلمت أنهم عرضوا مكانا للإقامة على عبادة لأنه كان قاصراً، ولكنه لم يرغب في ترك شقيقه.

وبعد نحو أسبوع، جاء الخبر بأنه يمكن نقلهم إلى المملكة المتحدة من قبل مهربين سوريين مقابل 2000 جنيه إسترليني (2500 دولار) لكل شخص.

وكان الطقس جيداً في ذلك اليوم، وكانوا سيغادرون ليلة السبت، حيث هدأت الرياح للتو على الشاطئ، وكانت درجة الحرارة أعلى قليلاً من درجة التجمد، ودرجة حرارة الماء نحو 7 درجات مئوية.

وحاول عبادة في الظلام تجاوز الآخرين للصعود إلى القارب، لكن القارب كان يبتعد عن الشاطئ المنحدر، ووجد عبادة وأيسر نفسيهما فجأة في أعماق المياه الباردة يصارعان من أجل البقاء، حيث قال فارس: "كانوا يصرخون ويستغيثون بالمساعدة".

وبفضل الميزانية الإضافية من المملكة المتحدة، كان هناك مزيد من الشرطة الفرنسية تتجول في المنطقة الساحلية؛ حيث علموا بأمر الحادثة.

غرقوا على مقربة من الشاطئ

وصلت طائرة هليكوبتر تابعة للبحرية وقارب دورية إلى موقع الحادث في الساعة 02:15، وقدمت فرق البحث والإنقاذ علاجاً إلى 20 مهاجراً بسبب انخفاض درجة حرارة أجسامهم، لكن عبادة لم يكن بينهم.

واتصل أحد السوريين الذي كان ضمن المجموعة بشقيقهما في لندن، وأخبره أن كليهما فقد حياته، وبأن جثتيهما قد انتشلت من الماء، إذ يعتقد أنهما غرقا على بعد 10 أمتار من الشاطئ.

وبكى ندى وهو يروي هذه اللحظات، قائلاً إنه لو كان يعلم بما سيحدث لأيسر وعبادة، لكان بقي في سوريا: "ليت عبادة بقي في سوريا أيضاً"، وأضاف أنه يشعر بالذنب.

وتقول والدتهما وهي تبكي: "أريد رؤية أطفالي للمرة الأخيرة، هذه أمنيتي الأخيرة، كان أصغرهم يبلغ من العمر 14 عاماً، أريد رؤيتهم قبل دفنهم"، بينما قال والدهما: "أنا رجل مريض، أحتاج إلى الأكسجين لأتنفس".

ومن المتوقع دفن عبادة مع شقيقه في الأيام القادمة في كاليه، حيث يقول المسؤولون الفرنسيون إن إرسال الشقيقين إلى المملكة المتحدة غير ممكن، ويعتقد ندى أن إعادتهما إلى سوريا سيكون مكلفاً للغاية.