تحرير خناصر.. عندما عرف الثوار قيمة التاريخ والجغرافيا

2022.04.20 | 02:46 دمشق

013809540895603.jpg
+A
حجم الخط
-A

وأنا أنبش الذاكرة لأكتب عن ذكريات الزمن الجميل، والملاحم العظيمة التي سطرها الثوار الأوائل عامي 2012- 2013، تنتابي مشاعر وأحاسيس من الفخر والاعتزاز بأولئك الأبطال الميامين، حقاً لا أستطيع وصفها، ولا يسعفني مخزون  الذاكرة مما قرأت عن أبطال من التاريخ أقارنهم بأولئك الصناديد الذين اقتحموا قلاعاً محصنة لقوات الأسد، مدججة بكل أنواع الأسلحة الثقيلة والصواريخ، يساندها طيران حربي فتاك، بهمة عالية وإرادة قتال أصلب من فولاذ دباباتهم، وبسلاحهم الخفيف والمتوسط، وشح كبير بالذخيرة والإمداد، حققوا انتصارات أذهلت العالم وأسقطوا ثكنات عسكرية ظن النظام أن تموضعها في أعلى قمم الجبال المطلة على المنطقة والحاكمة لجميع الطرقات سيمنع سقوطها.

قبل الحديث عن مجريات المعركة التي جاءت ضمن سلسلة معارك قام بها الثوار لتحرير كتائب الدفاع الجوي المنتشرة في ريف حلب الجنوبي، لا بد من معرفة الأهمية العسكرية والاستراتيجية لمدينة خناصر، التي تعدّ آخر مدينة باتجاه البادية السورية من الجهة الجنوبية الشرقية لمحافظة حلب، وتقع على عقدة طرق تربط أثريا في ريف حماة، والرقة، وحلب باتجاه دمشق.

خناصر أو خناصرة أو خنيصرة أو أوناسارة، ناحية صغيرة تتبع لمنطقة السفيرة، تقع عند الطرف الشرقي لجبل الحص، ويقع إلى الشرق منها جبل شبيث، البلدة التي كانت تعدّ مصيفا للخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز الذي كان والياً عليها ويقال إنه توفي فيها ودفن في دير الشرقي القريبة من معرة النعمان، أضحت بفعل الزمن منطقة مهجورة شبه خربة مترامية في الصحراء، إلى أن حضر إليها في بداية القرن العشرين الشراكسة القبرطاي مهاجرين من القفقاس بسبب الحروب التي تعرضت لها مناطقهم.

كحال قرى وبلدات الريف الجنوبي، تركها النظام فريسة الفقر والجهل، ولم يدرك أهميتها إلا بعد سيطرة الثوار على الطريق الدولي حلب - دمشق، وأصبحت عقدة الوصل للطريق الوحيد الواصل إلى حلب، فدعم وسلّح الشبيحة من أبنائها بقيادة الضابط المتقاعد حسن خاشير، وعزز من قدرات الكتيبة الواقعة في أعلى الجبل المطل عليها.

كتيبة خناصر

تعد كتيبة خناصر من الكتائب المهمة في ريف حلب الجنوبي والجنوبي الشرقي والتي تقع غرب بلدة خناصر 5 كم على سفح جبل وتتكون من عدد من محطات السطع والإشارة التابعة للقوى الجوية، تغطيها كتيبة دفاع جوي تتبع للفوج 111، مكونة من سريتي رشاش 23 مم، وسرية مدافع 57 مم بتعداد من القوى البشرية قرابة 100 عنصر وضابط.

التخطيط

بعد تحرير كتيبتي المنطار وعزان، باتت كتيبة خناصر في عين ثوارنا، حيث أصبحت مكشوفة من ثلاثة اتجاهات ما عدا الطرف الشرقي، وبدأ التخطيط والتحضير لاقتحامها، علماً أنه جرت عدة محاولات لم يكتب لها النجاح قامت بها بعض الفصائل بإمكانات محدودة جداً، بسبب موقع الكتيبة في أعلى قمة الجبل، وتحصينها بالخنادق والسواتر العالية، والمقاومة العنيفة ومساندة شبيحة المنطقة الكثر.

النقطة المفصلية تمثلت في تشكيل غرفة عمليات بقيادة ضباط منشقين وقادة ثوريين مشهود لهم، ضمت الفصائل الآتية:

  • لواء أهل السنة من حركة أحرار الشام بقيادة حج أسامة المصطفى (الشيخ إدريس)
  • لواء أحرار الشمال بقيادة الملازم أول بلال خبير والعقيد صلاح درويش.
  • لواء درع جنوب حلب بقيادة حج غازي السلامة، النقيب محمد طلاس (أبو خليل)، العقيد محمد غازي، العقيد خالد العيسى، النقيب مؤيد آغا، المحامي أنور العيسى.
  • لواء سهام الحق بقيادة محمد حوران (أبو أسيد)، والمقدم محمد أحمد العبي.
  • لواء درع الجبل بقيادة خالد حسون، والقائد العسكري الشهيد محمد فارس علي، والشهيد أحمد جمول (الصغير)، والشهيد أبو حرب داديخ، والشيخ مازن القاسم.
  • مجموعة السلاح الثقيل من القيادة المشتركة للمجالس العسكرية (دبابة ت62، مدفع 122 مم) بقيادة النقيب عبدو جيلو، وطاقم المدفعية وهم الشهيد لؤي بكرو، عبد الجبار حج إبراهيم، عماد حج إبراهيم.

سلاح العزيمة

بدأت المرحلة الأولى بانطلاق الثوار من تل الشيخ منصور شرق مدينة سراقب باتجاه الكتيبة في التاسعة مساء وكان الوصول الساعة 12 ليلا إلى قرية السيالة الواقعة غرب الكتيبة، ورغم البرد القارس ودون أخذ أي قسط من الراحة، انطلقت مجموعات الاقتحام بقيادة النقيب محمد طلاس والملازم أول بلال خبير مباشرة لتنفيذ إغارة ليلية مفاجئة على الكتيبة من ثلاثة محاور: الجنوبي والغربي والشمالي في حين بقيت مجموعات الإسناد بقيادة حج غازي في قرية سيالة.

تسلل المهاجمون بنجاح إلى عمق الكتيبة ولكن إرادة الله حيث خرجت طلقة من أحد المهاجمين خطأً فتنبه المدافعون وفتحوا نار رشاشاتهم ومدافعهم على المهاجمين الذين اضطروا للانسحاب، في حين ضل ثلاثة منهم الطريق باتجاه البلدة التي لم تكن قد تحررت بعد، فوقعوا أسرى بيد زعيم الشبيحة الذي قام بإعدامهم والتمثيل بجثثهم.

وأما المرحلة الثانية، فتمثلت بمحاصرة الثوار الكتيبة لثمانية عشر يوماً، جرى فيها التخطيط العسكري بشكل علمي، وتنفيذ دوريات الاستطلاع حول الكتيبة وتنفيذ عدد من الغارات الوهمية، في الأثناء سقطت بلدة خناصر من دون قتال، وهرب الشبيحة بعد أن أيقنوا أن الكتيبة ساقطة لا محالة، وفي اليوم السابع عشر من الحصار هبطت مروحية قتالية في الكتيبة لتعزيزها ببعض الضباط والمقاتلين وتزويدهم بالمؤن والذخيرة، وأخلت بعض الضباط المهمين. 

مع بزوغ فجر يوم 13 كانون الأول 2012، كان الموعد مع الملحمة الكبرى، وتم توزيع المهاجمين على محاور القتال على الشكل الآتي:

المحور الأول من اتجاه الشرق، من بلدة خناصر وهو اتجاه الهجوم الرئيسي، بقيادة الملازم أول بلال خبير والشيخ محمد حوران، وحج غازي.

المحور الثاني من جهة الجنوب بقيادة النقيب محمد طلاس مع دبابة ت62، تغطيه مجموعة المدفعية برماياتها.

المحور الثالث من جهة الغرب العقيد خالد العيسى لمشاغلة العدو.

المحور الرابع من اتجاه الشمال العقيد محمد غازي أيضا للمشاغلة.

تأخرت ساعة الصفر قليلا حتى انقشع الضباب الكثيف، وبالتعاون مع باقي المحاور والقوى والوسائط تقدم عناصر الاقتحام على المحور الرئيسي، ورغم المقاومة العنيفة لحامية الكتيبة ومساندة الطيران الحربي والمروحي، استطاعوا التقدم وأخذ أجزاء من الكتيبة التي استطاعت الصمود لأكثر من ساعتين.

الضربة القاضية

تقدمت دبابة النقيب محمد طلاس واقتحمت الباب الرئيسي وبقذيفة منها أصابت المستودع الرئيسي المليء بصناديق الذخيرة المتنوعة، وأحدثت انفجاراً هائلاً خلق حالة من الخوف والهلع بين صفوف عناصر الكتيبة وضباطها الذين فقدوا السيطرة، وتركوا مواقعهم وهربوا فمنهم من قُتل ومنهم من استسلم ومنهم من استطاع الفرار بمساعدة شبيحة المنطقة، وتم قتل ستة من عناصر الكتيبة بالإضافة للعميد قائد الكتيبة، والنقيب يوسف كنعان والملازم ميلاد سليمان، وأسر \28\ بينهم أربعة ضباط هم:

  • العقيد المهندس الركن حاتم محمود العلي من قرية عين الخضرا التابعة لمدينة تلكلخ، (استطاع الهرب فيما بعد).
  • النقيب الفني جوي بدر يوسف سليمان من عين شمس في ريف مصياف.
  • الرائد الفني الجوي عمار رياض الخضور من قرية المضابع التابعة لمحافظة حمص.
  • الملازم أول أحمد صباغ من دمشق.

وكان النصر

بفضل التخطيط العسكري الصحيح وقيادة المعركة بحرفية عالية كانت خسائر الثوار قليلة في العتاد والأرواح، وبعد بحث مضنٍ مع من تبقى أحياء من صناع تلك الملحمة وثقت من خلالهم أسماء اثنين من الشهداء هم الشهيد نزار طارق الصلال من قرية الشيخ إدريس، والشهيد شادي محمود العبسي من بلدة فيلون في جبل الزاوية، وثلاثة من المصابين هم قائد الاقتحام الملازم أول بلال خبير، خالد الإبراهيم من قرية طلافح، سامي الشمالي من قرية لوف.

عانقت تكبيرات النصر عنان السماء، وسقطت الكتيبة الأهم في المنطقة بيد الثوار وغنموا كل ما فيها من مدافع رشاشة 57 مم عدد \6\، ورشاش 23 مم عدد \13\، والكثير من الأسلحة الخفيفة والذخائر، وتم قطع الشريان الوحيد للنظام باتجاه مدينة حلب، ليبدأ فصل جديد من معارك كسر العظم مع رتل دبيب النمل بقيادة سهيل الحسن تسانده الميليشيات الإيرانية وحزب الله لاستعادة السيطرة على هذا الطريق الحيوي.