icon
التغطية الحية

"تحرير الشام" عقدة التفاهم التركي الروسي حول إدلب

2018.08.25 | 22:08 دمشق

القائد العام لهيئة تحرير الشام "أبو محمد الجولاني" (إنترنت)
تلفزيون سوريا - عبدالله الموسى
+A
حجم الخط
-A

انتهى يوم أمس اجتماع المسؤولين الأتراك والروس بالتأكيد على أهمية "تحييد المجموعات الإرهابية المتطرفة بالنسبة  لتركيا وروسيا والمنطقة برمتها" حسب ما قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الذي شدد على ضرورة "تجنيب المدنيين الخطر عند التخلص من الإرهابيين".

وأضفى حضور ومشاركة وزيرا دفاع ورئيسا الاستخبارات الدولتين، طابعاً عملياتياً واضحاً على طبيعة الاجتماع الذي يعتبر الثاني من نوعه، بعد أن اجتمع المسؤولون أنفسهم في 17 آب الجاري، فيما يبدو أن هنالك ترتيبات عملية يتم صياغتها بين البلدين لإيجاد حل مناسب لمنطقة إدلب، وبالأخص حل لملف "هيئة تحرير الشام"، التي يتطلب أي حل لها جهوداً استخباراتية مكثفة.

أظهرت الاجتماعات التركية الروسية المكثفة مؤخراً هشاشة التفاهمات بين البلدين ضمن مباحثات أستانة التي أفضت إلى منطقة خفض التصعيد في إدلب والأرياف المحيطة بها، وبالتالي فرغم أن ملف "هيئة تحرير الشام" بات أولوية لإيجاد حل له، إلا أن تبلور أي اتفاق نهائي حول إدلب مرتبط بملفات أخرى، تحتاج مشاورة واتفاقاً مع كل من الولايات المتحدة والأوروبيين، وهذا ما تسعى فيه روسيا عبر لقاءات رئيسها ووزير خارجيتها مع مسؤولي هذه البلدان المعنية بالملف السوري بشكل عام.

وتتزامن تعزيزات النظام وروسيا في محيط منطقة إدلب، مع الجهود الدبلوماسية الروسية الأخيرة، وابتزازها كلاً من تركيا والأوروبيين لقبول المشروع الروسي المتعلق بعودة اللاجئين، وبالتالي البدء بإعادة الإعمار بمشاركة أوروبية، إذ إن أي عمل عسكري على المنطقة سيؤدي بالطبع إلى موجات لجوء جديدة لن تقدر هذه الدول على تحملها.

وفي الحديث عن مدى تأثير إنهاء هيئة تحرير الشام على تحديد مصير إدلب، قال الباحث السياسي السوري فراس فحام لموقع تلفزيون سوريا، إن روسيا "تتخذ من وجود هيئة تحرير الشام ذريعة لشن هجوم على إدلب كون الأخيرة مصنفة على لوائح الإرهاب دولياً، ومرفوضة محلياً، وأيضاً ذريعة للانقلاب على التفاهمات مع تركيا بأنها لم تلتزم بعهودها، وفي نفس الوقت تظهر نفسها للمجتمع الدولي بأنها تحارب الإرهاب".

وأضاف الفحام بأن "روسيا تعلم جيداً أن ملف "هيئة تحرير الشام" معقد جداً بالنسبة لتركيا التي لا تريد المواجهة المباشرة ضد تحرير الشام باعتبار أن مقاتليها  من أبناء المنطقة، وبالتالي سيترتب على ذلك تبعات محلية سيئة، لذلك فروسيا تستمر بالضغط على تركيا لعدم إعطائها الوقت الكافي للتوصل إلى حل مناسب، واتخاذ ذلك حجة وذريعة لشن هجوم عسكري يحقق مصالح روسيا والنظام خاصة فيما يتعلق بالسيطرة على الشريان التجاري دمشق – حلب، وإعادة تفعيل الحركة الاقتصادية من تركيا وحتى الأردن، فالمكاسب العسكرية التي حققتها روسيا في سوريا ستبقى دون أهمية إن لم يتم استثمارها على الصعيد الاقتصادي".

وأشار الفحام إلى "ضرورة ابتعاد القادة المصنفين على لوائح الإرهاب، وانضمام المقاتلين لفصائل وطنية كالجبهة الوطنية للتحرير، لأن ذلك سيعزز من عوامل الصمود الداخلية في إدلب، وسيُحيّد التناقضات بين فصائل الشمال، وأيضاً سيسحب ذريعة من الروس بشن هجوم عسكري"، مؤكداً أن حل هيئة تحرير الشام لنفسها لن يجنب إدلب معركة تريدها روسيا، التي ستقوم بخلق ذرائع أخرى مثل انطلاق طائرات الدرون التي تستهدف مطار حميميم العسكري، وهو الأمر غير منطقي لأن المطار محمي بشكل كبير بأحدث أسلحة الدفاع الجوي.

وأعطت تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن بلاده نفذ صبرها من "المسلحين"، مؤشراً واضحاً على عدم تمييز روسيا بين أي فصيل عسكري معادي لحليفه الأسد، وأن وجود فصائل محددة على قوائم الإرهاب مجرد حجة وذريعة مناسبة للروس لتبرير أي هجوم ينتج عنه مجازر يرتكبها طيرانها بحق المدنيين كما الحال في كل معركة قامت بها في سوريا.

وفي هذا السياق يرى الباحث في الشأن السوري "أحمد أبازيد"، أن حل ملف "هيئة تحرير الشام" لن يكون عاملاً حاسماً في تحديد مصير إدلب، بقدر ما هو بمثابة ضغط روسي على تركيا لتقديم تنازلات أكبر تتعلق بشكل إدارة المنطقة ومصير الفصائل العسكرية التي تطالب باسقاط النظام في سوريا".

وحول السيناريوهات المتوقعة لطبيعة الحل الذي ستتوصل إليه تركيا، وما إذا كانت قد تأخرت في التوصل إليه، أوضح الصحفي السوري "منهل باريش"، أن تركيا عندما حشدت قواتها واستقدمت قوات من فصائل الجيش الحر إلى الحدود قبالة ولاية هاتاي التركية، لم تكن أولويتها إنهاء "هيئة تحرير الشام"، بل كانت الأولوية البدء بإنشاء نقاط المراقبة لقطع الطريق على أي عمل عسكري للنظام والحفاظ على مناطق النفوذ في سوريا".

وأكد باريش على البراغماتية التي تتمتع بها تحرير الشام، التي جمعها مع المسؤولين الأتراك لقاءات في معبر باب الهوى الحدودي للتفاهم على آليات التدخل التركي لإنشاء نقاط المراقبة، وكان تركيز الهيئة حينها بأن تكون هي الجهة الوحيدة التي يجب على الأتراك التعامل معها، وتحييد باقي الفصائل الكبرى".

وأضاف أن تحرير الشام مستمرة في براغماتيتها في التعامل مع الأتراك، ولن تعمل على أي مواجهة مباشرة مع تركيا، وأن الأخيرة في حال قررت إنهاء تواجد الهيئة فستعتمد على الفصائل الأخرى للقيام بالمهمة بدعم منها، دون الزج بقواتها بشكل مباشر في مثل هذه المواجهة".

ورأى البعض منذ الإعلان عن تشكيل "الجبهة الوطنية للتحرير" أنها ستكون الجهة العسكرية التي ستضرب بها تركيا "هيئة تحرير الشام"، خاصة أن معظم مكوناتها هي من الفصائل التي خاضت اقتتالاً واسعاً مع الهيئة، حتى التوصل لاتفاق وقف لإطلاق النار.

وبما  أن مستقبل المنطقة ما زال متأرجحاً منذ شهور بين معركة واسعة للنظام وروسيا من جهة، واستمرار الاستقرار ضمن التفاهمات التركية الروسية من جهة أخرى، ووسط انعدام المبادرات السورية من قبل المعارضة العسكرية منها والسياسية، فإن الأصوات الداخلية ترتفع الآن لمطالبة الفصائل بالعمل على أسوء الاحتمالات وتجهيز الدفاعات اللازمة، وذلك بعد أن فقد السوريون ثقتهم بأي ضامن دولي أو إقليمي، وباتت الملفات السورية الداخلية موضع تجاذبات وصفقات بين الدول المعنية.