تحالفات جديدة في المنطقة على وقع التطبيع الحاصل

2020.11.01 | 23:15 دمشق

54938541_403.jpg
+A
حجم الخط
-A

يتحدث الإسرائيليون بصورة متواترة عما يسمونه إقامة تحالفات جديدة في المنطقة في ظل موجة التطبيع التي تشهدها، بإشراف أميركي كامل وتنسيق مع الدول المنخرطة في هذا المشروع، لاسيما في الخليج العربي، مما يعزز الخطة الأميركية لإنشاء تحالف إسرائيلي عربي في الشرق الأوسط، لمواجهة ما يعتبرونه تحالفا موازيا، ما زال يجد صعوبة في استيعاب التغيير الذي تشهده المنطقة على وقع التطبيع مع إسرائيل.

من الواضح أن مياها كثيرة تدفقت في البحرين المتوسط والأحمر والخليج العربي، لاسيما بالنظر إلى المصالح الاقتصادية والإقليمية والدولية لكل دولة قامت بالتطبيع مع إسرائيل.

مع العلم أن موجة التطبيع الحاصلة تزامنت مع إعلان وزير المخابرات الإسرائيلي إيلي كوهين أن "الولايات المتحدة وإسرائيل تعملان على إنشاء تحالف إقليمي يضم مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة والسودان، وأن المزيد من الدول ستنضم لهذا التحالف"، دون خوض في تفاصيل أهدافه وغاياته، حيث تعتبر كل واحدة من تلك الدول أحد الأصول الاستراتيجية المهمة في التحالف الإقليمي، لأن كلا منها ذات موقع استراتيجي، بري أو بحري، ولها موانئ وقواعد عسكرية منتشرة في كل أرجاء المنطقة.

من الواضح أن التحالف الإقليمي المزعوم يتضمن جملة من الأهداف الرئيسية، أهمها مواجهة ما يسمونه الخطر الإيراني، ووقف الاتجاهات التوسعية في الشرق الأوسط، والتصدي لنفوذ الإسلام السياسي ممثلا بالإخوان المسلمين بقيادة تركيا وقطر، فضلا عن إقامة تحالف يشكل جسراً بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، لإعادتها للمفاوضات مع إسرائيل، وقد يحدث هذا بعد تنحي رئيسها محمود عباس عن المسرح السياسي.

الخطر الذي يتهدد إسرائيل والأنظمة العربية "المعتدلة" في الشرق الأوسط تراه هذه الأطراف نابع من تعاون الجهات المستهدفة منه، وشعورها بالخطر الشديد من اتفاقات التطبيع الجارية، لأن هذه الاتفاقات تمنح إسرائيل ختمًا رسميًا لإقامة تحالف عسكري مع العديد من دول المنطقة، مع أن وزير المخابرات الإسرائيلي لم يكن الوحيد الذي تحدث عن تحالف إسرائيلي عربي، بل إن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أعلن أن "حواره مع نتنياهو ومحمد بن زايد والرئيس ترامب تناول "اللحظة التاريخية" بينهما لحماية الشرق الأوسط".

العديد من دول المنطقة لا تخفي قلقها من الأهداف غير المعلنة للاتفاقات التطبيعية الجارية مع إسرائيل، خشية من احتمال حصولها على موطئ قدم في الخليج، مما سيهدد أمنها مباشرة، إن أنشئت قاعدة عسكرية إسرائيلية هناك، مما يتطلب منها اتخاذ إجراءات مضادة، وتشكيل تحالفات جديدة للتعامل مع نفوذ إسرائيل في الخليج، أو بناء قواعد استخباراتية في جزيرة سقطرى جنوب اليمن لمراقبة تحركاتها عبر باب المندب إلى القرن الأفريقي.

تبدي إسرائيل تقديرها أن انضمام المزيد من دول المنطقة عموما، والخليج العربي خصوصا، إلى محور التطبيع معها يعزز فرص إقامة تحالف إقليمي جديد، فمع انضمام المزيد من الدول العربية، سيتم تعزيز التحالف ضد إيران والإخوان المسلمين، لأن الدول المطبعة معنا لديها مخاوف أمنية واعتبارات عسكرية مماثلة لإسرائيل، وهو سبب وجيه يدفع ترامب لتشكيل تحالف إقليمي ضد إيران على أساس مشاركة دول الخليج والدول الأخرى.

يرى الإسرائيليون أن التطبيع العربي الإسرائيلي يعتبر حلقة أخرى في مسلسل الشرق الأوسط، وأهمية هذا التطبيع لا تنبع من العلاقات الثنائية بين تل أبيب وباقي عواصم المنطقة، عاصمة تلو أخرى، وإنما في السياق الإقليمي، لأن التفاؤل الإسرائيلي يصل حد أن تستمر هذه الاتفاقيات مع دول عربية أخرى.

إن إنشاء المزيد من التحالفات الإقليمية في المنطقة، تكون إسرائيل جزءً منها، يعني أننا أمام خطوة تقلب المشهد رأسا على عقب، لأنها تستبدل النظرة الأيديولوجية للعلاقات العربية الإسرائيلية، التي دامت عقودا عديدة، مع نهج جديد يتسم بالمنطلقات الاقتصادية وتحسين مستوى المعيشة، مما يجعلنا أمام نموذج جديد من اتفاق سايكس-بيكو الأوروبي في أوائل القرن العشرين، من خلال منح الخاصية الاقتصادية والتجارية أهمية استثنائية، ارتباطا بنموذج صفقة القرن الأميركية.

كما أن هذه الاتفاقات التطبيعية لا تخلو من البعد السياسي الظاهر في طبيعة الخطاب الإعلامي بشأنها، تمهيدا لإعلان التحالفات الإقليمية المستقبلية، لأن هذه الاتفاقات الإسرائيلية مع السودان، وقبله

محافل إسرائيلية قريبة من دوائر صنع القرار تسعى للربط بين الاتفاقيات التطبيعية الجارية والنتائج المتوقعة للانتخابات الرئاسية الأميركية

مع البحرين والإمارات، وقد تلحق بهم السعودية، عملت على تفكيك السياسات الاستراتيجية التي هيمنت على الشرق الأوسط، والنظرة لإسرائيل في العقود الأخيرة، ومن المفارقات أن اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو، وليس اليسار، هو منشئ رؤية الشرق الأوسط الجديد.

مع العلم أن نموذج السلام اليميني الإسرائيلي، يهدف للتكيف مع كيانات الشرق الأوسط، ويضع الاقتصاد كمحدد رئيسي لعملية التسوية، ويقطع الصلة بين القضية الفلسطينية والدول العربية، وكل هذا لا يقلل من أهمية وحجم التغير الانقلابي الذي تدور رحاه في المنطقة العربية.

محافل إسرائيلية قريبة من دوائر صنع القرار تسعى للربط بين الاتفاقيات التطبيعية الجارية والنتائج المتوقعة للانتخابات الرئاسية الأميركية بعد أيام قليلة، لأن مواجهة احتمالية التغيير في الإدارة الأميركية، وتدهور العلاقات مع إسرائيل، يتطلب من الأخيرة أن تستمر في تعزيز مصالحها المشتركة، وعلاقاتها السياسية والاقتصادية، لأنه للمرة الأولى منذ فترة طويلة، تواجه إسرائيل انتخابات رئاسية أميركية مصيرية ستؤثر بشكل كبير على علاقات البلدين، وعلى التحديات والفرص التي ستواجهها إسرائيل في مواجهة النظام الأميركي الجديد.

في هذه الحالة تزداد مسوغات إقامة هذه التحالفات الإقليمية مع نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، بحيث إذا تم انتخاب الرئيس دونالد ترامب من جديد لولاية ثانية، فإن الصورة ستكون واضحة جدا بالنسبة لإسرائيل، لأنه من المرجح أن يستمر في طريق عزل إيران، وتقويض برنامجها النووي، أو القضاء عليه، ومواصلة التطبيع مع العالم العربي، وتعزيز السيادة في غور الأردن، وزيادة الاستيطان في الضفة الغربية.

في الوقت ذاته، فإذا فاز جو بايدن، فقد نشهد تغييرا جذريا في العلاقة مع إسرائيل تصل إلى درجة العداء، مع تعبيره القاسي عن تراجع حق النقض الأميريكي التلقائي في مجلس الأمن لصالح إسرائيل، وربما حتى فرض العقوبات عليها، ويحتاج هذا الخيار إلى الاستعداد له من قبل إسرائيل، ويتطلب منها تفكيرا عميقا، وعمليات بناء، وخطط طوارئ للتأقلم.

الدعوات الإسرائيلية لإقامة هذه التحالفات الإقليمية تستدعي أن تستوعب التغير المقبل في واشنطن، لأنها لم تعد شأنا متوافقا عليه بين الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة، الجمهوري والديمقراطي، على العكس من ذلك، بل أصبحت قضية مثار خلاف للكثيرين في أوساطهما، وباتت محل نزاع عميق وطويل الأمد بينهما، وإن طريقة التعامل مع هذا الواقع تتمثل بإنشاء نظام مصالح وعلاقات تتغلب على الصعوبات والتغيير الأيديولوجي الذي يمر به الحزب الديمقراطي، خاصة في عدد من القضايا التي قد تساعد في إنتاج مصالح طويلة الأجل بين واشنطن وتل أبيب.

كل ذلك يؤكد أن توقيع اتفاقيات التطبيع مع الإمارات والبحرين والسودان تعدّ أول خطوة لبناء تحالف عربي إسرائيلي ضد إيران وتركيا، في مواجهة تحالف أوروبي مع إيران، وتحالف محتمل لبايدن معها، وتهدف الجبهة الإسرائيلية العربية المشتركة لإنتاج بديل واضح للولايات المتحدة وأوروبا يمنع خطرا وجوديًا على الدول الشريكة في سيناريو يستمر فيه برنامج طهران النووي في التقدم.

يتطلب التغير الوشيك في البيت الأبيض تعميقا كبيرا لتعاون البنية التحتية التكنولوجية بين إسرائيل والولايات المتحدة، وجعلها رصيدا أساسيا للأميركيين؛ بالحفاظ على تفوقهم التكنولوجي على باقي المنافسين، حيث تواجه واشنطن حاليا تهديدا حقيقيا بالتخلف عن باقي القوى كالصين وروسيا والهند، في هذا المجال.

إن أي تغير في المشهد الرئاسي الأميركي يستدعي من إسرائيل تعميق التعاون الاستخباري مع واشنطن، ومواجهة العنف العالمي والانتشار النووي، بجانب التهديدات الأخرى، وتعاونا أوثق وأفضل بين وكالات الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية، صحيح أن هذه المشاركة موجودة اليوم، لكن هناك مجال لتعميقها، والاستفادة من كون إسرائيل "مركزا أماميا" للعالم الغربي في الشرق الأوسط.

هذا يعني، وفق المنظور الإسرائيلي، أن الأمر يتطلب من إسرائيل تعميق الروابط والتحالفات مع دول الهند واليابان وكوريا وروسيا وبريطانيا وأوروبا في حوض البحر المتوسط ودول أفريقيا، وتحتاج إسرائيل للتأكد من عدم وضع كل البيض في سلة واحدة، صحيح أن علاقتها مع واشنطن قوية ومرنة، لكن يجب أن تكون إسرائيل مستعدة لأي سيناريو فيها، ولا تعلق كل حبها على صديق عالمي واحد، خاصة في الواقع السياسي المتطور حاليا في واشنطن.