خارطة طريق إسرائيلية لتلافي إخفاقات روسيا في حرب أوكرانيا

2022.10.07 | 06:17 دمشق

خارطة طريق إسرائيلية لتلافي إخفاقات روسيا في حرب أوكرانيا
+A
حجم الخط
-A

مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية شهرها الثامن، توقفت الأوساط العسكرية الإسرائيلية عند الدروس المستخلصة منها على الصعيدين العسكري والعملياتي، خاصة في ظل ما ترى أنه تقهقر روسي لافت في عدد من المحطات القتالية، مما يدفع لتقديم قراءة ميدانية في هذه الدروس والاستخلاصات، ومدى الخشية الإسرائيلية في الوقوع في ذات الإخفاقات التي وقع بها الجيش الروسي، في حال اندلاع مواجهة عسكرية ما في واحدة من الجبهات المتوترة من حولها.

ينطلق الإسرائيليون من فرضية أساسية يرونها مدخلا للانتكاسات الروسية المتلاحقة، وتتمثل في أن الروس كانوا مخطئين في الاعتقاد ابتداءً بأنها حرب خاطفة، لأن الحرب في أوكرانيا أوضحت لاحقا لهم أهمية القتال البري في أراضي العدو، مما يستدعي توفير الدبابات الأكثر حماية وتسليحًا، بجانب أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تشارك المعلومات في الوقت الفعلي مع باقي الأدوات الميدانية والقتالية.

هذا يعني، بنظر الإسرائيليين، أنه إذا كانت هناك نظرة ثاقبة من الحرب في أوكرانيا، فهي أنه يجب أن يكون هناك جيش بري قوي ومدرب جيدًا مع الكثير من الأسلحة، ولعل هذا هو السبب وراء استمرار إسرائيل في الاستثمار بتطوير دبابة قتال بجميع إصداراتها.

مع العلم أنه في الآونة الأخيرة عقد الجيش الإسرائيلي منتدى بمشاركة قادة مختلف الفرق والوحدات والألوية، لتناول مختلف الدروس من حرب أوكرانيا مقارنة بما قد يستخلصه الجيش من مواجهات قد تشهدها ساحات الشرق الأوسط المختلفة، وقد أعدت وثيقة في نهاية المنتدى نصت على أنه رغم تغير خصائص الحرب، لكن عصر "الحروب الكبرى" لم ينته، وأركان الحرب لم تتغير، لكن من الواضح، وفق التقدير الإسرائيلي، أن الروس مخطئون في الاعتقاد بأنها حرب خاطفة، منخفضة الشدة، لأن حرب أوكرانيا أوضحت أهمية القدرة على القتال في أراضي العدو، والمناورة في عمقها، فضلا عن أهمية قوتها النارية، وفتكها.

لقد شكلت إخفاقات الجيش الروسي فرصة لاستعادة إخفاقات شبيهة وقع بها الجيش الإسرائيلي في عدد من المواجهات العسكرية مع المقاومة الفلسطينية

على الصعيد الإسرائيلي الداخلي، فإن الدرس الرئيسي من القتال في أوكرانيا أن الجيش الإسرائيلي يجب أن يكون دائمًا مستعدًا لسيناريو الحرب القاسي المحتمل، وهذا ما يتعلمه حلف الناتو الآن، فقد صاغ المنتدى المشار إليه آنفاً وثيقة فيها ثمانية خطوط من الإخفاقات، أهمها: المعلومات الاستراتيجية الروسية المفقودة، فشل عمليات الوعي فيما يتعلق بكيفية استخدام النار، والقدرات اللوجستية والاتصالات، وعدم جاهزية القوات البرية، وتراجع المناورة القوية والفعالة، ولا مكان لإخراج الدروع من المعركة، وحاجتها لإجراء تغيير بمزيد من القوة النارية، والمزيد من الدقة وأجهزة الاستشعار.

لقد شكلت إخفاقات الجيش الروسي فرصة لاستعادة إخفاقات شبيهة وقع بها الجيش الإسرائيلي في عدد من المواجهات العسكرية مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، خاصة حرب غزة 2014، وما واجهه من قتال شرس مع المقاتلين الفلسطينيين، والأضرار التي لحقت بالناقلات المدرعة حين استخدم الفلسطينيون القذائف المضادة للدروع، مما زاد من الدعوات الإسرائيلية حينها لزيادة حمايتها وتسليحها، ومنحها مزيدا من أجهزة الاستشعار، والقدرة على العمل في الاتصال بأدوات أخرى من حولها في الجو وعلى الأرض، مع القدرة على مشاركة المعلومات الاستخباراتية، وتقسيم الأهداف بين الأدوات، وتنفيذ مناورة قوية بأقل عدد من الخسائر البشرية في صفوف الجيش.

درس إسرائيلي آخر طرحته الوثيقة التي ناقشت دروس حرب أوكرانيا يتمثل بالقدرة على الإنتاج التسلحي الذاتي، وحقيقة أنه لا ينبغي لإسرائيل أن تعتمد على توريد الأسلحة من الخارج، لأن وضع أوكرانيا اليوم "كشف ظهرها"، إلى أن بدأ قطار المساعدات العسكرية الجوي بتزويد الأسلحة لجيشها الذي ظهر أنه يفتقر للكثير من الوسائل القتالية، في حين أن الصناعات العسكرية الإسرائيلية تكشف عكس ذلك، فهي تنتج 92٪ من الوسائل القتالية التي يحتاجها الجيش، بمختلف أذرعه وأسلحته، من خلال مئتي مصنع في إسرائيل، يعمل فيها قرابة عشرة آلاف عامل.

في الوقت ذاته، فقد كشفت حرب أوكرانيا أمام الجيش الإسرائيلي أن الحروب الحديثة التي تدار في أربعة أبعاد: الجوية، والبحرية، والأرضية، والسيبرانية، لم تلغ من واقع التجربة الحاجة الماسة للتأكيد على أن المناورة البرية هي حجر الزاوية في أي مواجهة عسكرية، ومن أجل إجراء مناورة حقيقية تحتاج إسرائيل إلى آلات حرب قادرة على القيام بذلك، سواء مأهولة، أو روبوتات، أو مزيج منهما.

الخلاصة الإسرائيلية أن الحرب في أوكرانيا لم تنته بعد، لأن التغييرات الجارية على المستوى الدولي والبيئة الإقليمية بسبب الحرب لها آثار بعيدة المدى على بعض العناصر الأساسية للأمن القومي الإسرائيلي، مما يزيد فهمها لما يحيط بها من بيئة محفوفة بالمخاطر، لا سيما مع التحالف المتصاعد بين إيران وروسيا، وصفقة المسيّرات الإيرانية التي اشترتها موسكو، وباتت تستخدمها في أجواء كييف.

اليوم، وبعد سبعة أشهر من بدئها، يمكن القول على وجه اليقين إن حرب أوكرانيا، من وجهة النظر الإسرائيلية، هي الحدث الأكثر أهمية في أوروبا منذ عام 1945، ومع مرور الوقت ستصبح حدثًا تكوينيًا على مستوى عالمي، مما يدفع لطرح قائمة طويلة من الأسئلة والتحديات الإسرائيلية، في حال قدر لها أن تخوض مواجهة عسكرية مماثلة، سواء من جهة الخسائر البشرية، والنطاق الذي لا يمكن تصوره للأضرار المادية المقدرة بالمليارات، وما تتطلبه جهود إعادة الإعمار من سنوات عندما يحين الوقت، وفي الوقت ذاته، يضع على المحكّ بعض القضايا الأساسية أمام المنظومة العسكرية والأمنية الإسرائيلية.

ما من شك أن النظرة الإسرائيلية للاتحاد الروسي بأنه قوة من الدرجة الأولى في مناطقه الجغرافية، ونطاق قوته النووية، وإلى حد ما، لا يزال، عاملا مركزيا في اقتصاد الطاقة العالمي، لكن في الوقت ذاته، فإن قوتها العسكرية التقليدية وقدراتها التكنولوجية والاستخباراتية ظهرت أقل إثارة للإعجاب مما كان متوقعًا، ليس فقط أمام الإسرائيليين فحسب، ولكن أمام معظم القوى العالمية والإقليمية، بعكس ما توقعه بوتين عندما بدأ بخوض حملته العسكرية.

على المستوى الاقتصادي المتميز، تعتبر روسيا قوة من الدرجة الثالثة، ويبلغ ناتجها المحلي الإجمالي، قبل أضرار الحرب والعقوبات، أصغر من مثيله في كوريا الجنوبية، وأكبر بأربع مرات فقط من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل، مما يزيد من حدة العواقب المحتملة لاستمرار القتال، وفي هذه العملية أيضًا سعت موسكو لتحقيق مزيد من الإنجازات الاستراتيجية مثل ما حققته في سوريا منذ 2015، والاستفادة من الفرصة التي سنحت لها بسبب إحجام الغرب عن التدخل، وترسيخ مكانة روسيا باعتبارها أنقذت النظام السوري، بتوافق أو تواطؤ مع إسرائيل ذاتها.

على صعيد الأمن القومي الإسرائيلي، لا تخفي الدوائر ذات العلاقة في تل أبيب أن عواقب الحرب الدائرة ستكون مباشرة عليها، وعلى مكانتها العالمية والإقليمية، بعضها طويل الأمد، لا سيما في الزيادة المتنامية لنطاق الهجرات اليهودية من روسيا وأوكرانيا، حيث ارتفعت أعدادهم الكبيرة منذ نهاية فبراير 2022، في ظل التدهور السريع لأوضاعهما السياسية والاقتصادية والأمنية.

في الأشهر الخمسة الأولى من الحرب، تم تسجيل وصول أكثر من 12 ألف مهاجر يهودي من أوكرانيا، و19 ألفاً من روسيا، بزيادة تزيد عن أربع مرات مقارنة بالفترة المماثلة في 2021، يضاف لذلك مساهمة اللاجئين منهما ممن لا ينطبق عليهم قانون العودة العنصري، لكن إسرائيل استقبلتهم كبادرة إنسانية، رغم وجود قناعة إسرائيلية متزايدة مفادها أن أي زيادة ديموغرافية إضافية لليهود في إسرائيل له أهمية استراتيجية أيضًا على اقتصادها على المدى البعيد.

على الصعيد الدبلوماسي، أوجدت هذه الحرب فرصة استثنائية أمام إسرائيل، ولعل ذلك تمثل في الوساطة التي أظهرها رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت بين موسكو وكييف، وإن كانت وساطة شكلية لم تسفر عن نتيجة حقيقية، مما يجعل دافعها الأساسي الرغبة الإسرائيلية بتجاوز المعضلة الناشئة عن تلك الحرب بضرورة الحفاظ على قناة حوار مع روسيا، بسبب حساسية الوضع في سوريا، وتكثيف العدوان الإسرائيلي ضمن "المعركة بين الحروب".

يبدي الإسرائيليون حذرا تجاه عدم المسارعة لـ"قطع الحبل" مع روسيا، من خلال الاستمرار في توخي الحذر فيما يتعلق بتزويد أوكرانيا بالذخيرة

مع العلم أنه لم تكن قنوات الاتصال الإسرائيلية الشخصية والدبلوماسية الودية مع موسكو هي التي مكّنت فقط من ترتيبات تفادي التضارب مع الوجود الروسي في الأجواء السورية، ولكن لمعرفة الروس لسنوات عديدة بقدرات سلاح الجو الإسرائيلي، وفهمهم للنتائج المحتملة للصراع واسع النطاق فيما يتعلق بمستقبل نظام الأسد، رغم أن الترتيبات وقناة الاتصال بين مقر قيادة القوات الجوية الإسرائيلية والقاعدة الروسية في "حميميم" تعطلت حتى عندما اشتد التوتر السياسي، وانضمت إسرائيل إلى الانتقادات الغربية تجاه المسلك الروسي في الحرب.

يبدي الإسرائيليون حذرا تجاه عدم المسارعة لـ"قطع الحبل" مع روسيا، من خلال الاستمرار في توخي الحذر فيما يتعلق بتزويد أوكرانيا بالذخيرة، خاصة وأن الولايات المتحدة وحلفاءها في الناتو يتحملون العبء العسكري بما يتجاوز 15 مليار دولار منذ اندلاع الحرب، مع العلم أن إسرائيل حظيت بكثير من الانتقادات الأوكرانية بزعم أنها قصّرت في دعمها عسكرياً ولوجستياً.

على صعيد الطاقة، ودور إسرائيل فيها، فإن قدوم الشتاء في أوروبا له تأثير شبه فوري على مكانتها كمصدر للطاقة، وظهر النقاش فيها من جديد فيما يتعلق بالجدوى الاقتصادية طويلة الأجل لخط أنابيب شرق البحر المتوسط، وطرق أخرى لتزويد أوروبا بالغاز، مع التركيز على الحلول الحالية مثل منشآت الإسالة في مصر، من خلال الاتفاق الإسرائيلي الأوروبي المصري، كما أن التوقعات بعائدات كبيرة من صادرات الغاز والنفط خلقت ديناميكية جديدة يخدم المصلحة الإسرائيلية حول تطوير موارد الطاقة في المياه الاقتصادية لشرق المتوسط​​.