icon
التغطية الحية

تايمز: موجة هجرة سورية جديدة ستغرق أوروبا

2023.05.25 | 14:01 دمشق

آخر تحديث: 25.05.2023 | 14:01 دمشق

قارب يقل مهاجرين في البحر وبقربه قارب إنقاذ يوزع ستر نجاة
قارب يقل مهاجرين في البحر وبقربه قارب إنقاذ يوزع ستر نجاة
The Times- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

قبل ثماني سنوات، تسببت موجة اللجوء الذي ظهرت بسبب الحرب السورية بشلل في أوروبا، وذلك عندما توجه الملايين من الناس غرباً، بعدما تعرضوا لصدمات وصدمات بسبب الفظائع التي رأوها في بلدهم، بتشجيع من أنجيلا ميركل التي كانت وقتها مستشارة لألمانيا، واعتقدوا وقتها بأنهم سيجدون ملاذاً آمناً في قارة خلت من الاستعباد، إلا أن نظام الهجرة في الاتحاد الأوروبي انهار تحت وطأة هذا الضغط الكبير.

فقدان ذاكرة جماعي

والآن، وبعد أن كسرت الدول العربية حالة العزلة عن الديكتاتور بشار الأسد وأعادته للجامعة العربية، تشارف موجة هجرة سورية جديدة على إغراق العالم الغربي من جديد، بيد أن أحداً لم يستعد لذلك، لا في مجال السياسة ولا ضبط الحدود ولا تأمين السكن للاجئين ولا إجراءات الترحيل. إذ أتت إعادة تأهيل الأسد خلال الأسبوع الماضي ضمن إطار حالة فقدان ذاكرة جماعية عاشتها الدول العربية، إذ لم يعد أحد يتحدث عن مقتل أكثر من خمسمئة ألف سوري تحت سمع الأسد وبصره، كما لم يذكر أحد الآلاف الذين عذبوا والملايين الذين هجروا، وذلك لأن الجميع يريدون للأسد أن يعود للحظيرة العربية حتى يتمكنوا من إعادة اللاجئين السوريين الذين تحولوا إلى عبء على دول الجوار.

ديكتاتورية جوفاء

وبفضل بقاء الأسد في السلطة بشكل خالف كل التوقعات، صار أقرانه ينظرون إليه كمن انتصر في الحرب السورية، صحيح أن سوريا تمزقت وتدمرت، وامتلأت سجونها بالمعتقلين، إلا أن آل الآسد لم يعد بوسعهم أن يحكموا البلد إلا بمساعدة الاستخبارات الروسية، وذلك لأن روسيا تتحكم بالمجال الجوي السوري، فضلاً عن السفن الإيرانية المشبوهة التي تمد سوريا بالنفط، ما يعني أن الحكم أصبح عبارة عن ديكتاتورية جوفاء، غير أن اعتماد الأسد على إيران لم يعد شيئاً بغيضاً بنظر حلفائه السنة، وذلك التحول لم يأت بعد التقارب الودي الحذر بين السعودية والنظام في طهران، كما لم يعد أحد يعتبر سيطرة الروس على دمشق بمثابة اعتداء، بعدما أجمع الكل على أن الوجود الضمني لموسكو خير من كل المواعظ الأميركية.

أصبح كل ما يهمهم اليوم هو إعادة الأسد لشعبه المشرد، للملايين الذين ما يزالون يعيشون في مخيمات انتشرت في عموم الشرق الأوسط، إذ هنالك 1.5 مليون سوري يعيشون في لبنان، حيث يمثل عدد اللاجئين السوريين هناك أعلى عدد للاجئين بالنسبة لعدد السكان على مستوى العالم، في وقت بدأ فيه الاقتصاد اللبناني بالتدهور السريع. في حين يعاني الأردن بوجود 1.3 مليون لاجئ سوري لديه، أما العراق ففيه 260 ألف لاجئ سوري، وهنالك 140 ألف لاجئ سوري في مصر.

تتكرر القصة ذاتها في كل الدول المضيفة، بعدما نهش التضخم المساعدات المخصصة للاجئين، فلم يعد بوسع السوريين تحمل تكاليف إيجارات البيوت، أما من يعيشون في المخيمات مع أسرهم، فلا يستطيعون دخول سوق العمل المحلية، وهكذا تراكمت عليهم الديون فقط لأنهم يسعون لسد تكاليف العيش في بلد فقير شغلته مشكلاته فنسي أمرهم، وصاروا يقتاتون فيه على فتات الطعام. كما أن الأطفال الذين أتوا من حمص وهم بعمر السابعة في عام 2011 أصبح عمرهم اليوم 19 عاماً، ولم يحصل أي منهم سوى على قدر ضئيل من التعليم، ناهيك عن احترافهم لمهن غريبة.

الانتخابات التركية والهجرة إلى أوروبا 

على الرغم من أن الشعب التركي أغنى من شعوب الدول المجاورة لسوريا، إلا أنه شعر بأنه وصل لمرحلة الانفجار بسبب اللاجئين، إذ آوت تركيا نحو 3.6 ملايين لاجئ سوري والآلاف من الأفغان الهاربين من طالبان. ومع تراجع الاقتصاد التركي، أصبح البحث جارياً عن كبش فداء، والسوريون هم الضحية الحقيقية والمتطفلون برأي كثيرين.

لابد وأن تؤثر الجولة الأخيرة من الانتخابات الرئاسية التركية التي ستجري في عطلة نهاية هذا الأسبوع ليس فقط على الاستقرار في المنطقة، بل أيضاً على مستقبل الهجرة إلى أوروبا، فقد نال الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان دعم المرشح القومي المتعصب المعادي للمهاجرين والذي حقق نسبة 5% في الجولة الأولى من التصويت.

أما منافس أردوغان، أي كمال كليتشدار أوغلو، والذي كان معارضاً ليبرالياً في السابق، فقد تعهد اليوم بإعادة كل اللاجئين إلى بلادهم، ليأتي بعده أردوغان ويعد ببناء مجمعات سكنية في سوريا لتستوعب مليون لاجئ وافد من تركيا، وفي ذلك ما قد يبدو مشروعاً معتدلاً إلى حد ما، على الرغم من صعوبة تحقيقه، لكن كل ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على استعداد أردوغان للتعاون الوثيق مع الأسد، ذلك الرجل الذي أبدى له كرهاً شديداً في الماضي.

ولكن ماذا إن لم يرغب السوريون بالعودة؟ خاصة أن غالبيتهم قد دمرت بيوتهم، وتحطمت آمالهم بسبب مخابرات الأسد وأفرعه الأمنية. كما أن العسكر سيكونون بانتظار الشبان على الحدود حتى يقوموا بتجنيدهم في الخدمة العسكرية، ثم إن سوريا تعاني من مشكلة مخدرات كبيرة بفضل الكبتاغون، ولهذا سيرفض أهالي اللاجئين عودة أبنائهم خوفاً من ذلك. فضلاً عن بقاء من مارسوا التعذيب في مناصبهم، بل إن بعضهم حصل على ترقيات، وما تزال البيروقراطية الفاسدة التي تعطل الحياة تمارس ساديتها على الناس ولو بنسبة قليلة. لذا، حتى وإن قدم الأسد ضمانات لعودة اللاجئين بشكل آمن، لا أحد يدري إن كان سيفي بوعوده أم لا، إلا أن الصيغة بحد ذاتها غير مطمئنة.

ما بين خيار العيش في المخيمات الفقيرة المنتشرة في المنطقة، والتهديد الخفي للأسد، لابد وأن يفضل السوريون حزم حقائبهم والتوجه إلى ألمانيا، حيث حصل الآلاف من اللاجئين الذين سبقوهم على الحق بالإقامة والاستقرار، كما حقق كثيرون منهم نجاحات هناك، بيد أن قرار ميركل القاضي بالسماح لأعداد هائلة من اللاجئين بالقدوم إلى ألمانيا مايزال يُذكي خطاب اليمين المتطرف. وفي هذه الأثناء، تظهر الخطة البديلة التي وضعتها ميركل، ألا وهي أن يدفع الاتحاد الأوروبي لتركيا أموالاً مقابل إبقائها على المخيمات، ولذلك من المرجح العودة للتفاوض على هذه الخطة مع من سيفوز بالانتخابات التركية. ولكن، بعدما دخل ألمانيا نحو مليون لاجئ، وصل إليها خلال هذه الفترة نحو 800 ألف، فهل ستستقبل المزيد؟ ما يعني بأنه من المرجح لموجة اللجوء السورية الجديدة أن تخنق أوروبا برمتها.

بالطبع لم يعد بوسع الدول الأوروبية أن تمتدح أي دولة مجاورة وتصفها بأنها الملاذ الأفضل للاجئين الهاربين من الحرب والاضطهاد، إذ عندما يصل اللاجئون أفواجاً هاربين من منطقة تسودها أزمة معينة، فإنهم يحملون معهم توقعات لا تدور حول الحصول على فسحة من الراحة في البلد الجديد فحسب، بل يمنون النفس أيضاً بتحول هذا البلد إلى بديل دائم عن بلدهم. وإن كانت حرب لم تبق ولم تذر هي السبب وراء هروبهم، كما هي حال السوريين والأوكرانيين، عندها سيدرك هؤلاء بأن فكرة العودة ما هي إلا قرار أرعن. وإن هرب هؤلاء من ديكتاتورية متجذرة، كما هي حال الهاربين من هونغ كونغ ومن أفغانستان، فسيدركون بأن عملية تغيير هؤلاء الرؤساء ستحتاج لجيل أو أكثر. ولهذا، فإن موجة اللجوء السورية القادمة ستختبرنا جميعاً، أي أنها لن تختبر تعاطفنا فحسب، بل ستختبر مدى تقبل المجتمع وصموده داخلياً أمام أزمة كهذه.

 المصدر: The Times