icon
التغطية الحية

بين المكاشفة والتقزيم.. الفصل الأخير من قضية عملاء "تحرير الشام" اختبار للجولاني

2024.01.28 | 15:17 دمشق

آخر تحديث: 28.01.2024 | 16:08 دمشق

بين المكاشفة والتقزيم.. الفصل الأخير من قضية عملاء "تحرير الشام" اختبار للجولاني
بين المكاشفة والتقزيم.. الفصل الأخير من قضية عملاء "تحرير الشام" اختبار للجولاني
إدلب - فائز الدغيم
+A
حجم الخط
-A

أعلنت هيئة تحرير الشام في بيان رسمي انتهاء التحقيقات فيما سمّتها "دعوى الخلية الأمنية" أي "قضية العملاء" الشهيرة، وذلك بعد ستة أشهر من ظهورها للعلن، وبدء حملات اعتقالات طالت مئات العناصر وعددا من القيادات داخل صفوف الهيئة قسم منهم بتهم العمالة للاستخبارات الأميركية المركزية CIA والقسم الآخر بالعمالة لروسيا والنظام السوري، ليدخل الفصيل في مرحلة أكثر خطورة، حيث يقف الجولاني الآن بين خياري المكاشفة أو التقزيم.

وجاء في البيان: "بعد اكتمال التحقيقات المتعلقة بدعوى 'الخلية الأمنية'، أبدت القيادة العامة رغبتها في زيادة التدقيق والتحقيق المتعلق بالقضية، تحريا للعدل والحق الواجب؛ ليصل الحق لأهله ويمنع الظلم ويقام العدل، فشكلت لجنة عليا برئاسة القيادة العامة للوقوف بنفسها على الأقوال والاعترافات وتقييم الأدلة والوقائع.

وبحسب البيان فإن اللجنة العليا التي تشكلت برئاسة الجولاني شخصياً عملت على:

- عقد جلسات مع فريق التحقيق المكلف بالقضية من أجل التدقيق في الإجراءات المتبعة وسلامتها أصولا.

 - مقابلة عشرات الموقوفين والاستماع إلى أقوالهم ودفوعاتهم وتقييمها ضمن ظروف موضوعية.

- النظر في الأدلة المقدمة من قبل الجهة المدعية وتمحيصها ومقابلتها مع الاعترافات والوقائع.

- التأكد من سلامة الاعترافات، والاطلاع على بيئة التوقيف وظروفها.

ءؤئر

وخلصت اللجنة إلى بعض التوصيات والتوجيهات المباشرة:

- الإفراج الفوري عن الموقوفين الذين لم ترتق الأدلة لإدانتهم أو ثبوت التهمة الموجهة إليهم مع أداء حقهم الشخصي.

- حفظ الدعوى بحق بعض الموقوفين مع عدم كفاية الأدلة المقدمة ضدهم.

- إدانة عدد من الموقوفين وإحالتهم إلى القضاء لمتابعة الإجراءات القانونية أصولا.

- إيقاف من ثبت بحقه تجاوز الإجراءات المسلكية ضد الموقوفين.

إفراج عن شخصيات متهمة وردود فعل متباينة

في اليوم التالي للبيان خرج العشرات من الموقوفين من عناصر الهيئة وقادات جناحها العسكري، وكان أبرزهم القيادي في الجناح العسكري أبو مسلم آفس، بالإضافة إلى كل من القائدين العسكريين أبو أسامة منير، وفواز الأصفر، وكل من أبو عبدو وأبو القعقاع طعوم، وآخرين، وذلك وسط إطلاق نار واحتفالات جابت الشوارع من قبل عناصرهم وذويهم بخروجهم.

من جانب آخر لاقت عملية الإفراج ردود فعل متباينة، ففي حين فرح أنصار المفرج عنهم بخروجهم، كان هناك طرف آخر داخل التيار الموالي للجولاني في حالة صدمة كبيرة من جراء خروج من قيل بأن تهمة العمالة مثبتة عليهم.

ءئؤر
الجولاني وعلى يساره القيادي المفرج عنه "أبو مسلم آفس"

أيضاً علقت شخصيات في إدلب على الحادثة المثيرة للجدل، حيث كتب بسام صهيوني، رئيس مجلس الشورى السابق ووزير التربية والتعليم السابق على تلغرام: "كنا ننتظر بيانا في خطة إصلاح ما أفسده العملاء في الساحة الثورية، وإعلان محاسبتهم، وإعادة الحقوق إلى أصحابها، وتشكيل لجان من أجل ذلك!! لكن ما حدث كان مخيبا حقيقة، وغير مُرضٍ.

وكتب الشيخ عبد الرزاق المهدي أحد أبرز الوجوه الدينية في إدلب على تلغرام: "بما أن قيادة الهيئة قررت إخراج معظم المتهمين بالعمالة رغم ثبوت ذلك على الكثير منهم.. وقد بدأت بالفعل بإخراج البعض!! فالواجب على قيادة الهيئة شرعا ومن باب أولى إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي كمن خالفهم أو انتقدهم.. أو نشر ضدهم عبر الفيس وغيرها من وسائل التواصل".

وأطلق المهدي وعدد من الشخصيات الجهادية، بينهم أبو الفتح الفرغلي، مبادرة طالبوا فيها بأن يكون الحكم في قضية العملاء الكبرى ضمن لجنة قضائية مستقلة، ويكون لهذه اللجنة كامل الصلاحيات بلا أي مراجعة أو توجيه أو ضغط، ويكون حكمها باتًا قاطعًا غير قابل للاستئناف بحال، وينفَّذُ فورَ صدوره؛ فما حكمت به اللجنة يكون محل ثقة وقبول من الجميع سواء حكمت بإدانة أو تبرئة. لكن هذه المبادرة لم تقابل بأي رد.

ملف العملاء داخل هيئة تحرير الشام

وفي 27 حزيران الفائت تفرد موقع تلفزيون سوريا بالكشف عن أزمة العملاء داخل الهيئة، بعد أسبوع من التحقق ومقاطعة المصادر الموثوقة. إذ كشف تقرير نُشر في الموقع عن قيام هيئة تحرير الشام بحملة دهم واعتقال سرية طالت عدداً من القياديين البارزين في "جهاز الأمن العام" التابع لها في عدة مناطق في إدلب، بتهمة العمالة لروسيا والنظام السوري والولايات المتحدة.

وبعد 10 أيام، نشر موقع تلفزيون سوريا تقريراً خاصاً بالأزمة عندما توسعت حملة الاعتقالات وطالت أكثر من 300 عنصر وقيادي، وأوضح التقرير وجود خلايا تتبع لوكالة المخابرات المركزية الأميركية CIA وأخرى عميلة للنظام السوري وروسيا، كما كشف الموقع أن الجولاني شكّل خلية أزمة تضم إلى جانبه كلاً من القياديين أبي أحمد حدود وأبي أحمد زكور والشرعي عبد الرحيم عطون.

وفي شهر تموز الماضي، أعلنت "هيئة تحرير الشام" رسمياً، ضبط خلية تعمل لـ صالح جهات معادية، وهو تأكيد لِما كشفه تلفزيون سوريا في تقرير خاص.

وجاء الإعلان عبر المتحدث الرسمي باسم "جهاز الأمن العام" ضياء العمر، قال فيه إنّهم "ضبطوا خلية جاسوسيّة تعمل لصالح جهات معادية - لم يسمّها - بعد ملاحقة استمرت 6 أشهر".

وبحسب "العمر" فإنّ "أجهزة الاستخبارات لجأت إلى استدراج وتوريط ضعاف النفوس والتغرير بهم لجمع البيانات والمعلومات منهم خدمةً لأجنداتهم الخاصة، في ظل التطور التكنولوجي السريع وانتشار الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة".

ومنتصف آب تفرد موقع تلفزيون سوريا بالكشف عن خبر اعتقال "أبو ماريا القحطاني" بتهمة العمالة للمخابرات الأميركية، لكن في أثناء عملية التحقق توصل موقع تلفزيون سوريا إلى أن السبب الحقيقي للاعتقال كان محاولة القحطاني تدبير انقلاب على الجولاني، ولكن تزامُن الحدثين منح الجولاني فرصة اعتقاله وإلصاق تهمة العمالة بالرجل العراقي. وبعد يوم من الخبر نشرت هيئة تحرير الشام بياناً بالقحطاني واتهمته بأنه "أخطأ في إدارة تواصلاته من دون اعتبار لحساسية موقعه أو ضرورة الاستئذان وإيضاح المقصود من هذا التواصل".

ما أسباب الإفراج عن المتهمين؟

يبدو أن قرار الإفراج عن بعض المعتقلين بتهمة العمالة فاجأ جميع الأطراف، وسبب حالة من الارتباك والبلبلة في جميع مفاصل الهيئة، وحتى لدى التيار التابع للجولاني مباشرة.

تتنوع الروايات حول أسباب إخراج المتهمين بالعمالة. جمع موقع تلفزيون سوريا هذه الروايات وعرضها على بعض المتابعين لقضية العملاء عن قرب في إدلب لمناقشتها.

تقول بعض المصادر داخل هيئة تحرير الشام بأن ضغوطاً لتنفيذ محاكمة علنية مستقلة وتهديدات من بعض المجموعات العسكرية دفعت الجولاني للإفراج عن بعض القادة العسكريين، وهو ما استبعده المتابعون للقضية في إدلب، واعتبروا أن الجولاني لم يستجب لمطالب محاكمة القحطاني بشكل علني، على الرغم من أن القحطاني كان خلفه تيار كبير، واعتبر المتابعون أن قضية التهديد العسكري مستبعدة في قاموس الهيئة خاصة مع وجود حالة الطوارئ داخل الهيئة، فأي معارض تلصق به تهمة العمالة يحوّل إلى تحقيقات قد تستمر لأشهر.

أيضاً يرى بعض المتابعين لقضية العملاء داخل هيئة تحرير الشام بأن ضغوطاً خارجية مورست على الجولاني لإخراج شخصيات ضالعة في العمالة، وهو أيضاً ما نفاه المتابعون للقضية عن قرب، واعتبروا أن الأطراف الخارجية التي من مصلحتها ولها القدرة على ممارسة الضغط، كانت ستمارسه لإخراج القحطاني وليس لإخراج شخصيات لا تأثير لها.

وأكد متابعون للقضية أنها انتهت فعلياً وأن الهيئة أمسكت بكل جوانبها، وحتى إنها أطالت مدتها أكثر من اللازم لإبقاء حالة الطوارئ قائمة واعتقال كل مخالف بذريعة العمالة، حتى انتهى النفوذ داخل الهيئة إلى لون واحد وتيار واحد، بعد أن تمكن تيار بنش من القضاء على تيار القحطاني ومشروعه الانقلابي غير المكتمل.

دخلت هيئة تحرير الشام في مرحلة لا تقل خطورة عن سابقاتها، وهي مرحلة إعلان انتهاء القضية وتقديم نتائجها لسكان إدلب، وهو ما أوقع الجولاني في حيرة ودفعه للهروب من المكاشفة.

تقول مصادر أمنية مطلعة لموقع تلفزيون سوريا ومنهم شخصيات داخل الهيئة وشخصيات سابقة فيها، إن الجولاني وقع في مأزق كبير، فإن قال بأن كل هذا العدد من العملاء يخترق صفوف الهيئة، فهو أمر مخجل بالنسبة لجماعة جهادية، ولم يسبق حصوله من قبل، وسيسبب ذلك الأمر عدم ثقة العامة في الهيئة نتيجة اختراقها الكبير على جميع المستويات.

ذلك الخوف دفع الجولاني لتقزيم القضية، حيث أفرج عن عشرات العملاء المدانين بالأدلة والاعترافات، وذلك لحصر القضية في القحطاني وزمرة صغيرة معه، معتبراً أن عملية القضاء على العملاء سهلة عبر مراقبتهم وتجريدهم من صلاحياتهم وإمكانية اعتقالهم بتهم مختلفة منفصلة عن العمالة بعد أشهر عدة، وذلك بحسب المتابعين للقضية.

القضاء طوق النجاة

يبدو أن الجولاني لم يجد طريقاً لختام ولملمة قضية العملاء غير القضاء، فهو كان مدير خلية الأزمة التي شكلت عقب انكشاف أمر الخلية، وأشرف على كثير من التحقيقات بنفسه، ونقل كثير من العسكريين وقادة المجموعات في الهيئة أخباراً عن اعتراف شخصيات بعمالتها من دون ضغوط، ومن بينهم القائد العسكري أبو مسلم آفس، أبرز المفرج عنهم أمس، لكنه عاود تشكيل لجنة عليا للتحقيق تدقق الأقوال والاعترافات وتقيم الأدلة والوقائع، في ما وصفه بالظروف الموضوعية "أي دون تعذيب".

وخلص الجولاني إلى وجود اعترافات منتزعة تحت التعذيب في سجونه، وهو ما دأب على نفيه أمام مختلف الجهات، عندما كان الحديث عن تعذيب معتقلين معارضين للهيئة، فرمى الجولاني الكرة في ملعب الأمنيين وحمّلهم مسؤولية تجاوز ما سمّاها "الإجراءات المسلكية" ضد الموقوفين.

وبذلك استطاع تقزيم القضية وحصرها في مجموعة لا تتجاوز 150 إلى 200 شخص على رأسهم القحطاني، بحسب أقصى التقديرات.

ميزان الربح والخسارة في قضية العملاء

يرى المتابعون للقضية في إدلب بأن الجولاني خاسر في جميع المقاييس، ولكنه خسر الرهان الأكبر في مصارحة الشعب، وخسر ثقة أتباعه حتى المقربين منه، حيث كان يستطيع تحميل كل أخطاء وانتهاكات وجرائم الماضي على جميع الأصعدة وخاصة العسكرية منها والأمنية لخلية العملاء فيما لو أقر بحجمها الفعلي الكبير، ووصولها لمواقع كبيرة وحساسة وذات قرار داخل الهيئة.

وقال أحد المتابعين للقضية أنه توقع أن يرمي الجولاني أخطاء وجرائم الماضي برقبة العملاء ويبرئ نفسه منها، وأن "يقدم نفسه كبطل منتصر أنقذ المنطقة من مشروع استخباري كبير، مستغلاً هذه الفرصة الذهبية"، لكن قائد الجماعة فعل عكس هذا التوقع.

وأضاف المصدر: "مخاوف الهيئة من مصارحة الشعب بحجم وحقيقة الخلية كانت ستزول وتتحول إلى إشادة بجهودها.. خسر الجولاني ثقة أبناء الهيئة، وحتى المقربين منه، فإفراجه عن مَن تحدث قادة مجموعاته وإعلامه الرديف عن عمالتهم وحتى ردتهم، يزعزع الثقة فيه ويخلق الشك في تصرفاته وقراراته".

يرى العديد من المتابعين بأن الجولاني استطاع الحفاظ على تماسك التنظيم طوال الأشهر الستة منذ أن تفرد موقع تلفزيون سوريا في الكشف عنها إلى العلن، على الرغم من مروره بمراحل كانت كافية لتقسيم الهيئة وفرط عقدها ونشوب صراعات داخلية بين التيارات، لكن ذلك النجاح يتعرض الآن لاختبار حقيقي عندما وصلت قضية العملاء إلى المرحلة الأخيرة، فالإفراج عن قيادات وعناصر أذيع من إعلام الهيئة أنهم "عملاء مدانون اعترفوا بما فعلوه"، يثير الشكوك في قرارات زعيم الجماعة.