icon
التغطية الحية

بين إسطنبول وحلب.. ازدياد نشاط الطرق الصوفية في مناطق النظام ودورها "الوظيفي"

2023.09.16 | 05:41 دمشق

الشيخ علي السبسبي شيخ الطريقة الرفاعية السبسبية (الإنترنت)
الشيخ علي السبسبي شيخ الطريقة الرفاعية السبسبية (الإنترنت)
حلب ـ خالد الخطيب
+A
حجم الخط
-A

ملخص:

  • نشاط لافت للطريقة السبسبية الرفاعية في حلب بعد عودة شيخها قبل عام من إسطنبول.
  • تتخذ الطريقة موقفاً رمادياً من الأحداث في سوريا وتحظى بدعم النظام الذي سهّل عودتها.
  • يستفيد النظام من الطرق الصوفية لأنها تدعو إلى الإسلام السكوني وليس الحركي ويستغلها في بسط نفوذه.
  • بحسب خبراء، فإن الطرق الصوفية قد تستخدم كقنوات للتطبيع بين أنقرة والأسد وتساعد في عودة اللاجئين.

تتصاعد الأنشطة الصوفية في التكية السبسبية الرفاعية الحسينية في الأحياء القديمة بمدينة حلب الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، وذلك بعد مرور عام تقريباً على افتتاحها في حارة راغب آغا القريبة من باب قنسرين، بعد عودة شيخها من إسطنبول، الأمر الذي يثير كثيراً من التساؤلات عن الدور الذي تلعبه هذه الجماعة لا سيما أن طريق عودتها كان معبداً بالتسهيلات.

ازدادت أعداد مريدي السبسبية والأتباع الذين يتجمعون بالتكية (يومين في الأسبوع على الأقل) لأداء الأذكار التي يتبعها عادة ما يعرف "بوصلات" الإنشاد وممارسة الطقوس التي اعتاد أتباع الطريقة ممارستها.

كما استقطبت التكية مئات الأطفال من الأحياء القديمة والأحياء الشرقية، ومن الجنسين، ذكور وإناث، لتحفيظهم القرآن الكريم على يد مريدي ومشايخ الطريقة.

وكان شيخ الطريقة، الشيخ علي السبسبي الرفاعي، قد وصل إلى مدينة حلب قادماً من إسطنبول التركية منتصف العام 2022، وقد أشرف بنفسه على مراحل تجهيز وإنشاء التكية، والتي أقيمت في الغالب بأحد المساجد التاريخية بعدما أعيد ترميمه على نفقة الشيخ ومن أموال المريدين المتبرعين.

شيخ الطريقة السبسبية الرفاعية الصوفية علي السبسبي أمام التكية  في حارة راغب آغا القريبة من باب قنسرين بحلب القديمة، حلب 2022
شيخ الطريقة السبسبية الرفاعية الصوفية علي السبسبي أمام التكية في حارة راغب آغا القريبة من باب قنسرين بحلب القديمة، حلب 2022

من إسطنبول إلى حلب وبالعكس

في 5 آب/أغسطس تحديداً، افتتح الشيخ السبسبي التكية بحضور أعداد كبيرة من أتباع الطريقة بحلب، وفي أثناء الاحتفالية وبينما كان يرفع المريدون والأتباع رايات الطريقة والدفوف أمام التكية كان الشيخ يهتف من وسط الجموع لسلالة آل السبسبي، مشايخ الطريقة، والذين أطلق عليهم وصف "أبطال حلب" وآل بيت رسول الله.

وبعد افتتاح التكية بحلب، أوكل الشيخ علي السبسبي أحد أقاربه، ويدعى محمد مهدي السبسبي وآخرين من أتباع الطريقة بحلب، مهمة تسيير أعمال التكية وتنظيم مجالس الذكر وطقوس الطريقة، ومن ثم غادر حلب ليعود إلى إسطنبول التي يدير فيها أيضاً مجمع أولاد الرسول الذي يستقطب الطلاب الأجانب لدراسة الفقه واللغة العربية وغيرها من العلوم الإٍسلامية، إلى جانب أنشطة الطريقة وطقوسها التي تقام في صالة ملحقة في مبنى المجمع وتستقطب المئات من أتباع الطريقة في إسطنبول وتركيا، بينهم سوريون وأتراك.

وكان الشيخ السبسبي قد غادر حلب متوجهاً إلى تركيا في العام 2013، ولا يتبنى الشيخ أي موقف إيجابي تجاه الثورة السورية التي يصفها في بعض التسجيلات المصورة بالحرب.

واللافت أنه حصل منتصف العام 2022 على تسهيلات كبيرة من مديرية أوقاف حلب لافتتاح التكية في قلب المدينة التاريخي، وكان سفره من إسطنبول ودخوله إلى سوريا سلساً جداً.

وحصل موقع تلفزيون سوريا على معلومات تفيد بأن الموقع الذي أقيمت فيه التكية جرت توسعته على حساب منازل مجاورة (منازل مهجرين) تركها أصحابها قبل سنوات مغادرين سوريا بسبب القصف الوحشي الذي كانت تتعرض له المنطقة في الفترة ما بين 2012 و2016.

وتشير العديد من المصادر المتطابقة إلى أن "أتباع الشيخ السبسبي الذين يرتادون التكية اليوم بحلب بينهم عناصر في الميليشيات المحلية الموالية للنظام، وهو ما وفر حماية وحرية الحركة لأتباع الطريقة".

جانب من أنشطة الطريقة السبسبية في حلب وإسطنبول (أرشيف الطريقة)

تصدّر الصوفية.. لماذا؟

يأتي تمدد الطريقة الرفاعية بحلب على حساب انحسار فاعلية ودور الطرق والمدارس التقليدية التي كانت تهيمن على المشهد الديني الصوفي في المدينة في الفترة ما قبل انطلاق الثورة السورية، وأهمها الطريقة النقشبندية (مقر الزاوية أو التكية في حي الفرقان بحلب)، وشيخها إسماعيل أبو النصر، ومعهد دار نهضة العلوم الشرعية بحلب (الكلتاوية) التي كانت بمنزلة طريقة صوفية علمية (مقرها في باب الحديد) وشيخها المؤسس محمد النبهان، والحالي الشيخ محمود حوت. وعلى الرغم من عودتهما إلى العمل واستئناف أنشطتهما، بعد سيطرة النظام السوري على الأحياء الشرقية بحلب نهاية العام 2016 فإن نشاطهما أقل بكثير من السابق.

هناك كثير من المكاسب التي يمكن أن يجنيها النظام في هذه المرحلة من مسألة تنشيط عمل الطرق الصوفية وتوسيع انتشارها في مناطق سيطرته، وبالمدن الكبيرة خاصة، كحلب، أهمها ضبط الشارع الغاضب من تصاعد أزمة المعيشة وغياب الخدمات والمواد الأساسية وتوجيه الناس نحو الزهد والالتزام بتعاليم مشايخهم، وكما هو معروف، فإن معظم هؤلاء المشايخ مرتبطون بأجهزة الأمن ويطبقون تعليماتها، كما يمكن أن تكون الطرق الصوفية ومشايخها واحدة من مسارات وقنوات التطبيع المحلي وتهدئة الشارع، والأهم فرضية كونها قد تلعب دوراً في مسار التطبيع المتعثر بين أنقرة والأسد.

يقول الباحث في الجماعات الإسلامية، عباس شريفة، إن "الطرق الصوفية كان مرضي عنها من النظام السوري على اعتبار أن معظمها تتبنى الإسلام السكوني، الإسلام الانعزالي وتميل إلى قضية تهذيب النفس والأذكار والأوراد، وأخذ النفس بالعبادة والابتعاد عن السياسة كموقف وخلق حالة مهادنة مع أي سلطة أمر واقع أو سلطة سياسية من أجل ممارسة طقوسها وأنشطتها في تربية المريدين وتجميعهم وممارسة طقوس الطريقة وبالتالي هم يحاولون دائما التموضع بين السلطة والشعب، بمعنى آخر، أخذ موقف الحياد السلبي، فلا ترى عندهم تشبيح علني وفي الوقت ذاته ليس لديهم موقف إيجابي من الثورة السورية".

يضيف "بالوقت نفسه مشايخ وأتباع الصوفية قريبون من السلطة، هناك استخدام مزدوج، فالسلطة تستخدمهم من أجل خلق الإسلام السكوني الذي يكون بعيدا عن الإسلام الحركي والعلمي الذي غالبا ما يكون له موقف ونشاط سياسي، وأيضا هذه الطرق تستعين بالنظام لتحقيق الانتشار والتجذر الاجتماعي وبالأخص في المناطق التي لا يصلها مد التيارات والحركات الإسلامية الأخرى، الصوفية حالة عابرة للحدود وليست قطرية، ترى الشيخ لديه مريدين في كثير من الدول، وهذا يعمل على التشبيك بين المجاميع البشرية المنتشرة في عدة دول".

قنوات للتطبيع مع تركيا

أشار شريفة إلى أنه "يمكن أن تكون الصوفية نوع من الجسور السياسية في مرحلة التطبيع، مثلا يمكن الاستفادة من نفوذهم في إعادة اللاجئين ولنقل رسائل سياسية بين تركيا والنظام مثلا، ممكن ليس على المستوى الرسمي، إنما على مستوى المفاعيل الاجتماعية على الأقل، وبالتالي هذا الدور المنوط بها".

وقال شريفة "الطرق الصوفية دائما ما كانت تشكل خاصرة رخوة في الحالة الإسلامية، الأنظمة كانت توظف الطرق الصوفية وتخترقها وتسيطر على مشايخها، الصوفية محببة لدى الأنظمة، فالنظام السوري دعم الطرق الصوفية في السبعينيات والثمانينيات كي يقضي على نموذجين من التدين حينئذ، الإخوان المسلمين والسلفية، وبالتالي هذه الطرق انتعشت انتعاشا كبيرا، يبدو أنه الآن يطبق الوصفة ذاتها التي استعملها سابقا، يعمل على إعادة هندسة المشهد الديني بطريقة يكون التصوف هو اللون السائد في سوريا، خصوصا أن هذا اللون لا يقاوم التشيع، وإيران في حلب لا تمانع من تمدد التصوف لأنه لا يشكل حالة مقاومة وتهديد لنفوذها الذي يتوسع على الصعيد الديني".

عودة النشاط إلى الطرق الصوفية لا يقتصر على حلب ومناطق سيطرة النظام السوري بالعموم، فالنقشبندية وغيرها من الطرق عادت اليوم للظهور من جديد، وهي في توسع مستمر في مناطق سيطرة المعارضة السورية شمالي شوريا، وإن كانت غير مدعومة بشكل رسمي من قبل سلطات الأمر الواقع كما يفعل النظام، إلا أنها تحظى بدعم غير مباشر من جهات وشخصيات لها علاقات واسعة مع مشايخ ومريدي الطرق، حتى أولئك الموجودين في مناطق النظام وتركيا، وفرضية أن يكون لهذه الطرق دور فاعل في حال تصاعد التطبيع مع النظام، فرضية ممكنة، أو على الأقل تحاول الجهات المختلفة الاستفادة من ثقل ودور هذه الطرق في المرحلة التي تتلو سقوط النظام.