icon
التغطية الحية

بورصة مشتعلة.. كهرباء الأمبيرات تخنق أهالي حلب

2022.08.31 | 19:29 دمشق

الأمبيرات في حلب
طمع أصحاب المولدات وغياب الرقابة دفع كثيرا من الأهالي للاستغناء عن الأمبيرات دون رجعة
إسطنبول - هاني العبد الله
+A
حجم الخط
-A

"إذا مو عاجبك شيل القاطع"، أول رد يسمعه أهالي حلب من أصحاب الأمبيرات، حين يعترضون على رفعهم أسعار الاشتراك بمولدات الأمبير، التي باتت الحل البديل في ظل الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي عن مدينة حلب.

تعاني مناطق النظام في حلب من سوء الواقع الكهربائي، حيث تصل الكهرباء لـ 4-6 ساعات فقط طوال الـ 24 ساعة، ما يضطرهم إلى الاشتراك بالأمبيرات، ولاسيما في الأحياء الشرقية التي لم تصلها الكهرباء.

يعتمد نظام الأمبيرات على نشر مولدات كبيرة في الأحياء تعمل على المازوت، ومن يود الاشتراك بالأمبير يتفق مع صاحب المولدة على السعر وساعات التشغيل، ليقوم الأخير بتمديد كابلات كهربائية إلى البيت، تكون متصلة بقاطع كهربائي.

راتب شهرين كلفة شهر أمبيرات

"تلفزيون سوريا" اطلع من بعض الأهالي، على أسعار الأمبيرات في العديد من أحياء حلب، ليتبيّن أن كلفة الاشتراك ليست واحدة وتختلف من منطقةٍ لأخرى.

يبلغ سعر الأمبير الواحد أسبوعياً في أحياء الفرقان، العزيزية، الأشرفية، الزبدية، الفيض 30 ألف ليرة سورية، الموكامبو، الحمدانية، صلاح الدين ٢٥ ألفا، الميدان، الجميلية 23 ألفا، الميرديان، سليمان الحلبي، السبيل، السكري، طريق الباب 20 ألفا، الميسر، السريان الجديدة، حلب الجديدة، 18 ألفا، الشعار، بستان القصر، باب الفرج 15 ألفا.

ويوجد في كل حيّ عدة مولدات، ويختلف سعر الأمبير حتى ضمن الحي نفسه، كما أن الاختلاف يكون في ساعات التشغيل أيضاً.

وتقدّر ساعات تشغيل الأمبير في معظم أحياء حلب ما بين 5-8 ساعات يومياً، لكنها قد تصل في بعض الأحياء إلى 12 ساعة.

الأمبيرات في حلب
أسعار الأمبيرات في حلب

أبو فارس من أهالي حي الأشرفية بمدينة حلب، عبّر عن استيائه من الغلاء الكبير في أسعار الأمبيرات قائلاً: "أدفع شهرياً 240 ألفا تكاليف الاشتراك بـ 2 أمبير، أي ما يعادل راتب موظف لشهرين".

يضيف أبو فارس لموقع "تلفزيون سوريا"، أن "معظم الأهالي في فصل الصيف مضطرون للاشتراك بـ 2 أمبير من أجل تشغيل الثلاجة، والقليل من يشترك بـ 3 أمبير، والتي تصل كلفتها من 250-350 ألف شهرياً حسب سعر الأمبير".

ويكفي الأمبير الواحد لتشغيل الإنارة والشواحن والتلفاز فقط، ومن يريد تشغيل الثلاجة وبعض الأدوات الكهربائية ذات الاستطاعة المنخفضة، فإنه يحتاج للاشتراك بـ 2 أمبير.

جشع واستغلال

بعد دخول المجموعة الخامسة بمحطة حلب الحرارية للخدمة باستطاعة 200 ميغا، في تموز الماضي، تحسّن واقع الكهرباء في مدينة حلب، ما دفع كثيرا من الناس إلى الإسراع في إلغاء اشتراكهم بالأمبيرات التي أرهقت جيوبهم، حيث يبلغ سعر ساعة الأمبير ما بين 350-450 ليرة.

لكن فرحتهم لم تطُل، ففي منتصف الشهر الحالي انخفضت ساعات التغذية الكهربائية بشكلٍ كبير، وزعم المدير العام للشركة العامة لكهرباء حلب، محمد الحاج عمر، أن نقص توريدات النفط أثر سلباً على موضوع التقنين في حلب.

أبو تيم من سكان حي السبيل، كان أحد الأشخاص الذين قرروا الاستغناء عن الأمبيرات مؤخراً، عقب تحسّن التيار الكهربائي، حيث أصبح نظام التقنين ساعتين تشغيل مقابل 3-4 ساعات قطع.

يقول أبو تيم "كنت أدفع 160 ألفا من أجل الأمبيرات، ورغم تحسّن الكهرباء إلا أن أصحاب الأمبيرات رفضوا تخفيض سعر الاشتراك أو زيادة ساعات التشغيل، بحجة غلاء المحروقات في السوق السوداء، ما دفعني للاستغناء عنها، لكن تفاجأنا بعد أسبوعين أن التقنين زاد تدريجياً، ووصل إلى 18 ساعة قطع يومياً".

خوف أبو تيم من تلف المونة واللحم في الثلاجة مع ارتفاع درجات الحرارة وسوء واقع الكهرباء، اضطره للعودة إلى صاحب الأمبيرات للاشتراك مجدداً، إلا أن الأخير رفض تجديد الاشتراك قائلاً له: "وقت حسيتو بالنعمة تركتونا، ولما ما عاد تجي الكهربا ارجعتو لعنا!"، لهذا اضطر أبو تيم للاتفاق مع صاحب مولدة أخرى.

"ما في يا أمي ارحميني"

طمع أصحاب المولدات وغياب الرقابة، دفع كثيرا من الأهالي للاستغناء عن الأمبيرات دون رجعة، رغم سوء وضع الكهرباء، وأصبحوا يستخدمون البطارية من أجل الإنارة فقط، وهناك من تلقوا حوالات مالية من ذويهم في الخارج، وقاموا بتركيب ألواح طاقة شمسية.

ميساء أرملة لديها ثلاثة أطفال، تقيم في حي صلاح الدين، اشتكت من جشع أصحاب المولدات، وعدم مراعاتهم لأوضاع الناس.

تقول ميساء: "معظم أصحاب المولدات (ما عندن يا أمي ارحميني)، فعندما تحسّنت الكهرباء رفضوا تخفيض سعر الأمبير، كما أنهم لا يعطون مهلة لتسديد اشتراك الأمبير، فمجرد أن يتخلّف الشخص يوماً واحداً عن دفع قيمة الاشتراك، يقومون بإزالة القاطع فوراً".

وأوضحت ميساء أن أصحاب المولدات لا يأخذون بعين الاعتبار الفترات التي يعمل فيها التيار الكهربائي، بل يحسبونها ضمن ساعات تشغيل المولدة.

تلوث بيئي خطير

مشكلة الأمبيرات لا تقف عند ارتفاع أسعارها فحسب، بل هناك سلبيات كثيرة بات يعاني منها أهالي حلب.

يشتكي السكان من التلوث الكبير الذي تحدثه المولدات، حيث تُصدر دخاناً أسود كثيفاً، تقول ميساء: "دخان المولدات جعل الأبنية من الخارج مغطاة باللون الأسود، كما أننا لا نستطيع نشر الغسيل على شرفة المنزل، خشية أن تتسخ الملابس بدخان المولدات الأسود".

ومع ارتفاع درجات الحرارة، يستخدم أصحاب المولدات مياه الشرب لتبريد المولدات على مدار الساعة، ما يؤدي إلى امتلاء الشوارع والأرصفة بالمياه الملوثة بالزيوت والمحروقات، التي تعيق وقوف وحركة الركاب والطلاب، عدا عن الهدر الكبير في المياه.

ميساء كغيرها من سكان حلب، عبّرت عن استيائها من وضع المولدات بالقرب من المناطق السكنية، والتي تصدر أصواتاً مرتفعة تزعج السكان، كما أن رائحة الدخان تتسبّب بمشكلات تنفسية خاصةً للأطفال وكبار السن، إضافةً إلى الضرر الذي تلحقه بالأشجار والنباتات، مطالبةً بإبعادها إلى أطراف الأحياء، أو إلغائها نهائياً وإيجاد حل لمشكلة الكهرباء.

"حاميها حراميها"

تقدّم السكان بشكاوى للجهات المعنية ضد أصحاب الأمبيرات، بسبب التلوث البيئي الكبير الذي تحدثه مولداتهم، إلا أن "محافظة حلب" اكتفت بإرسال لجنة لتشخيص المشكلة فقط، دون إيجاد حلول جذرية لها أو معاقبة المخالفين.

أحد أهالي حي السكري فضّل عدم ذكر اسمه، أفاد بأن النظام متواطئ مع أصحاب المولدات، ويتغاضى عن تجاوزاتهم، لافتاً إلى أنه حين يعترض الأهالي على غلاء سعر الأمبير، يقول لهم مالكو الأمبيرات "روحوا اشتكوا لمين ما بدكن"، ما يؤكد أنهم مرتبطون بشخصيات أمنية.

وأوضح المصدر ذاته لموقع "تلفزيون سوريا" أن أصحاب المولدات يتعمدون عرقلة إصلاح الكهرباء في أحياء حلب الشرقية، كي يجبروا الأهالي على الاستمرار في الاشتراك بالأمبيرات.

وذكر المصدر نفسه حادثة شاهدها بنفسه قائلاً: "في إحدى المرات جاءت سيارات الكهرباء إلى حي السكري، لتمديد الكابلات والمحولات، تمهيداً لإيصال الكهرباء إلى الحي، فدفع أحد أصحاب المولدات، مبلغاً قدره ١٣ مليون ليرة لتلك الورشة، لمنعها من إصلاح الكهرباء، وبالفعل ذهبت الورشة ولم تعد".

وكان النظام حدد سعر تشغيل الأمبير للساعة الواحدة بـ 125 ليرة سورية نهاية العام الماضي، لكن أصحاب المولدات لم يلتزموا بالسعر، وسطٍ عجز من حكومة الأسد عن معاقبة المخالفين، أو إيجاد حل لأزمة الكهرباء التي تعيشها حلب، منذ سيطرته عليها في نهاية 2016.