بوتين.. كل هذه المناورات!

2022.02.20 | 05:55 دمشق

thumbs_b_c_daf14f1ed1305b09c8516f854de5a15a.jpg
+A
حجم الخط
-A

مناورات روسية، تجري على قدم وساق منذ بداية هذا العام على عدة جبهات. في داخل روسيا وخارجها. على حدود أوكرانيا، في البحر الأبيض المتوسط، في بحر عمان، في أوزبكستان، في بيلاروسيا، في المحيطين الأطلسي والهادئ، والمحيط المتجمد الشمالي. وفي كل مناورة شارك عشرات آلاف الجنود ومختلف أنواع الأسلحة الحربية من طيران وبحرية ومشاة وحتى الأسلحة النووية.

أم المناورات هي التي بدأت نهاية العام الماضي بحشد أكثر من 100 ألف جندي على حدود الجارة أوكرانيا من عدة جهات. ومنذ بداية العام الحالي صار التهديد باجتياح هذا البلد جديا، خاصة وأن روسيا اقتطعت جزءا من أراضيه، شبه جزيرة القرم، وضمتها في عام 2014. وفي خطوة لاحقة حركت تمردا في إقليم دونباس جنوب شرق أوكرانيا، الواقع على مساحة تفوق مساحة لبنان خمس مرات، وتقدر بنحو 52.3 ألف كلم مربع، ويضم منطقتي دونيتسك ولوهانسك المتاخمتين للحدود مع روسيا. وحتى 2014، كان دونباس يوصف بـ "سلة الصناعة والغذاء" في أوكرانيا، لما فيه من ثروات طبيعية وصناعات ثقيلة ومساحات زراعية، إضافة إلى غناه بمناجم الحديد والفحم المستخدم في المصانع ومحطات توليد الطاقة والتدفئة، وفي نيسان 2014 سيطر عليه الانفصاليون الموالون لروسيا، والمناوئون لسلطات كييف، وأعلنوا عن قيام "جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين"، وباتتا تتبعان لروسيا كليا.

لم يتحرك حلف الأطلسي والولايات المتحدة وأوروبا، وهذا ما سمح له أن يمارس عمليات التدخل بلا حدود من أجل البحث عن مصالح خارجية، على غرار ما جرى في سوريا وليبيا

وسبق لبوتين أن قام بما يشبه ذلك في عام 2008، عندما حرك الوضع في أوسيتيا الجنوبية، وكان هدفه إقامة جيب يتبع لروسيا، وتقويض سلطة الرئيس الجورجي الاستقلالي ميخائيل ساكاشفيلي ونجح في ذلك، ولم يتحرك حلف الأطلسي والولايات المتحدة وأوروبا، وهذا ما سمح له أن يمارس عمليات التدخل بلا حدود من أجل البحث عن مصالح خارجية، على غرار ما جرى في سوريا وليبيا، واستخدم في ذلك كل الأساليب، بما في ذلك إرسال المرتزقة من "فرقة فاغنر"، الذين ارتكبوا مجازر في سوريا.

المناورات التي جرت في سوريا بدءا من يوم الثلاثاء الماضي، بحضور وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو، لا تنفصل عن الاستراتيجية الروسية لبسط النفوذ على مناطق حيوية سواء في المحيط الجغرافي المباشر، أو في مدى المصالح كما هو في البحر المتوسط، وتبرز أهميتها من خلال حجم القوات والأسلحة التي شاركت فيها في ميناء طرطوس، وهي أكثر من 15 سفينة حربية من أساطيل المحيط الهادئ والشمال والبحر الأسود، ومقاتلات وقاذفات روسية من طراز "ميغ 31 كا" الحاملة لصواريخ "كينجال" و"تو -22 إم3"، وصلت إلى قاعدة حميميم الجوية الروسية في سوريا. وقال بيان وزارة الدفاع الروسية إنه تم نقل هذه الطائرات الحربية على خلفية وجود مجموعات جوية تابعة لحلف شمال الاطلسي (الناتو) في منطقة البحر الأبيض المتوسط".

من غير المفهوم إجراء مناورات في بحري عمان والصين وأوزبكستان وسوريا، إلا في نطاق إحياء الثنائية القطبية وعودة إلى منطق الحرب الباردة

المسألة المركزية في هذه المناورات هي أمن روسيا، ويفهم من الاستنفار على حدود أوكرانيا الخوف من تمدد حلف الأطلسي، لتصبح موسكو في مدى صواريخه، إلا أنه من غير المفهوم إجراء مناورات في بحري عمان والصين وأوزبكستان وسوريا، إلا في نطاق إحياء الثنائية القطبية وعودة إلى منطق الحرب الباردة، وفق استراتيجية طموحة تهدف إلى إنشاء نظام دولي جديد، يستفيد من انكفاء الولايات المتحدة وانسحابها من الشرق الأوسط، ومناطق حيوية أخرى للأمن الدولي مثل أفغانستان. وهناك شكوك في أن تستطيع روسيا تحمل عبء ذلك وإلى جانبها حلفاء مثل إيران والصين وبيلاروسيا، تتفاوت درجات قربهم منها إلى حد كبير، عدا مصاعب تحمل الكلفة الاقتصادية الكبيرة، التي كانت العامل الحاسم في خسارتها حرب النجوم، التي أطلقها الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، وجر الاتحاد السوفياتي إليها وكانت بداية النهاية.