icon
التغطية الحية

بعد 12 عاماً.. حي التضامن "دولة للشبيحة" وسط دمشق تحكمها شريعة الغاب

2024.01.28 | 06:21 دمشق

آخر تحديث: 28.01.2024 | 11:16 دمشق

بعد 12 عاماً.. حي التضامن "دولة للشبيحة" وسط دمشق تحكمها شريعة الغاب
صور لعناصر الشبيحة في ميليشيا "الدفاع الوطني" التابعة لنظام الأسد والتي تسيطر على حي التضامن جنوبي دمشق (تعديل: تلفزيون سوريا)
دمشق - حنين عمران
+A
حجم الخط
-A

لم تكن منطقة التضامن على صغرها منطقةً عادية في جنوب دمشق، بل كانت حاجزاً أمنياً حرص النظام على الحفاظ عليه مهما كان الثمن؛ إذ إنّ السيطرة على التضامن القريبة من مركز دمشق من قبل فصائل المعارضة السورية، يعني الوصول إلى معاقل النظام وبالتالي سقوط دمشق بين ليلة وضحاها.

وصلت الثورة السورية إلى التضامن والمناطق المحيطة بها في شهر تموز/يوليو من عام 2012 بعد أن كان شرارتها قد انطلقت في مناطق قريبة من دمشق وريفها مثل: يلدا وببيلا والقدم وعسالي والحجر الأسود في عملية نفذتها فصائل المعارضة السورية والجيش السوري الحر تحت مسمى "بركان دمشق". وقد وصل الجيش الحر إلى التضامن ببسط سيطرته على شارع دعبول ومنطقة "زليخة" و"الطبب" وسوق الثلاثاء داخل التضامن.

شكّلت منطقة التضامن آنذاك صلة الوصل بين المناطق التي كانت تحت سيطرة الجيش الحر في جنوب دمشق والمناطق القريبة من وسط دمشق مثل الميدان وباب مصلى وشارع خالد بن الوليد والزاهرة؛ وبالتالي سيطرة الجيش الحر على منطقة التضامن بالكامل وصولاً إلى قلب العاصمة، لا سيما مع امتداد الثورة إلى منطقتي الميدان والزاهرة، حيث انطلقت المظاهرات وسيطرت فصائل المعارضة على شوارع كاملة فيهما.

شارع نسرين في حي التضامن وسط دمشق
خريطة تظهر شارع نسرين في حي التضامن وسط دمشق (خرائط غوغل)

كيف استغل النظام السوري الأقليات في التضامن؟

على الرغم من كون منطقة التضامن صغيرة نسبياً وذات طابع شعبي، إلا أنها شكلت في سنوات ما قبل الحرب السورية خليطاً من معظم الأطياف السورية من الأقليات والطوائف على اختلافها، إذ كان يسكنها الدروز والعلويون والسُّنة والإسماعيليون والمرشديون، إلى جانب وجود النازحين من الجولان السوري والقنيطرة، واللاجئين الفلسطينيين. الجدير بالذكر أن هذا الخليط لم يكن وفق تقسيمات واضحة، بل عفوياً بصورة كاملة.

ومع بدء القصف على المنطقة واشتداد الاشتباكات، بدأ أبناء الأقليات بالمغادرة إلى قراهم الأصلية أو النزوح داخلياً إلى مناطق أخرى ضمن دمشق ولا سيما بعد أن أعلن جيش النظام عملية ما يسمى بـ"تطهير التضامن" وراح ضحيتها مئات المدنيين الذين تمت تصفيتهم "على الهوية".

وقد خُيَّر أبناء السويداء الذين حافظوا على حيادهم في بداية الحرب السورية، بين البقاء في بيوتهم في مناطق سيطرة الجيش الحر أو الرحيل إلى قراهم مع الحفاظ على بيوتهم لكونهم كانوا "محايدين" ولم يعلنوا تأييداً واضحاً للنظام.

على الجانب الآخر، بدأ النظام السوري بإشراف مباشر من ميليشيا حزب الله بتشكيل نواة "اللجان الشعبية" من بقية الأقليات الموالية للنظام السوري ولا سيما من العلويين الذين كانوا في معظمهم من سكان "شارع نسرين" الذي يتبع للتضامن وهو الأقرب إلى وسط دمشق (حي الزهور، باب مصلى، المجتهد)، وقد كان سكان شارع نسرين في معظمهم من العلويين النازحين من منطقة "عين فيت" التابعة للقنيطرة.

وكما عادة النظام السوري في تأجيج الأقليات واللعب على وتر الاقتتال الطائفي واختلاق القصص لنشر الرعب وإثارة النزعات، بدأت تغذية عقول الشباب بكون الجيش الحر سيقتلهم وفق طائفتهم وأن هذه الثورة ستتحول إلى مجزرة بحق العلويين وستتم أَسلمَتها ولا سيما بعد سيطرة فصائل إسلامية على بعض المناطق في جنوب دمشق.

وقد تطوع في هذه اللجان الشعبية أطفال لم يتجاوزوا الثامنة عشرة من عمرهم، وشبان مدنيون وعناصر متقاعدون من جيش النظام، إلى جانب كل من لديه انتماء لحزب البعث أو موالٍ للنظام.

والجدير بالذكر أن بعض الشباب تمّ ضمّهم بصورة مباشرة إلى ميليشيا "حزب الله"، لتدريبهم عسكرياً أو إعلامياً وقد أشرف "الحُجاج" على العمليات العسكرية التي نفذتها ميليشيا الدفاع الوطني وجيش النظام في دمشق وريفها خوفاً من سقوط النظام السوري بسقوط دمشق بيد الثوار.

ثكنة شارع نسرين العسكرية

في الوقت الذي تم فيه تدمير كامل أحياء التضامن والأحياء المحيطة مثل حجيرة والحجر الأسود وشارع فلسطين وببيلا والقدم، بقي شارع نسرين سليماً من دون آثار للدمار، وأصبح الخط الفاصل بين "دمشق النظام" و "دمشق الثورة"، ونظراً للتأجيج الطائفي والاشتباكات التي استمرت فعلياً من عام 2012 وحتى نهاية 2018، فقد أصبح "شارع النسرين" ذائع الصيت وسيئ السمعة بالنسبة إلى كل سكان دمشق؛ ولم يكن الدخول إلى شارع نسرين عبر "حاجز بركة" أمراً عادياً بالنسبة إلى السوريين وأهل المنطقة الذين لم يغادروا بيوتهم، بل كان كابوساً حقيقياً قد ينتهي بالتصفية على الهوية أو الاعتقال؛ الأمر الذي شكل رعباً ارتبط في أذهان الدمشقيين بما سموه "ثكنة نسرين".

سيطرت ميليشيا الدفاع الوطني على منطقة التضامن حتى بداية عام 2021؛ إذ بقيت مكاتب الدفاع الوطني موجودة في التضامن وبقي عناصر هذه الميليشيا يتجولون بلباسهم العسكري في المنطقة، إلى جانب محال "التعفيش" التابعة لهم والتي تنتشر في شارع نسرين من أوله حتى آخره؛ إذ أصبح النازحون الذين خسروا بيوتهم في المنطقة الشرقية والجنوبية من دمشق يقصدون هذه المحال لشراء الأثاث المستعمل لكونه أرخص "بتراب المصاري" ولا سيما أنهم تركوا بيوتهم وخرجوا بأرواحهم وثيابهم فقط. وفي حوادث طريفة على مبدأ "شر البلية ما يُضحك" كان بعض الأهالي يشترون غرف نومهم نفسها من مرتزقة الدفاع الوطني.

ويقول أبو علاء الحلبي لموقع "تلفزيون سوريا": "كنت قد تركت بيتي بالقرب من فرن أبو ترابي في شهر أيلول/سبتمبر من عام 2012 وانتقلنا إلى منطقة الزاهرة الجديدة، وفي منتصف عام 2015 اضطررت إلى شراء غرفة نوم لابني وزوجته، وعندما بحثت في محال المستعمل "التعفيش" في منطقة التضامن لكونها أرخص ثمناً، تفاجأت برؤية غرفة نومي نفسها في أحد المحال... لكن المضحك هو أنني اشتريتها بأقل من نصف سعر غرف النوم الجديدة آنذاك!".

تشكيل نواة الدفاع الوطني انطلاقاً من التضامن

ليس غريباً أن يكون فادي صقر (فادي أحمد) قائد الدفاع الوطني سابقاً في دمشق، مشرفاً على المجازر التي وجه عناصره بالتعاون مع صابر سليمان (رئيس مكتب الأمن) لارتكابها في منطقة التضامن؛ فهو ابن منطقة التضامن وعلى دراية بكل شوارعها وتركيبتها السكانية، ولا يزال بيته شبه المدمر بالقرب من جامع الزبير في منطقة التضامن شاهداً على كون أمير الحرب الذي افتتح استثمارات ضخمة في قلب دمشق لم يكن إلا "نكرة" في منطقة شعبية دمرها بقواته وقتل المئات من أهلها.

بدأ تشكيل ميليشيا الدفاع الوطني بإشراف مباشر من "الخال" (بسام حسن)، وهو عميد في الحرس الجمهوري، وبمباركة وتوجيهات ميليشيا حزب الله، ثم عُين فادي صقر قائداً للميليشيا.

والجدير الذكر أن قوات الدفاع الوطني قبل تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2012 كان يطلق عليها اسم "اللجان الشعبية" ثم تحولت إلى مؤسسة رديفة لميليشيا النظام السوري بدأ تشكيلها من منطقة شارع، وكان الحجاج اللبنانيون على تواصل مباشر مع قادة الدفاع الوطني في منطقة دمشق وريفها وحمص وريفها. إذ كانت هذه الميليشيا هي "الواجهة السورية" وأداة الحرب التي تديرها في الخفاء إيران وحزب الله؛ وهذا ما أثبتته معارك المنطقة الجنوبية من دمشق ومعارك القصير في حمص.

انتهاكات بحق المدنيين و "قتل على الهوية"

مع بدء "علمية التطهير" الأولى كما وصفها النظام السوري لمنطقة التضامن والمناطق المحيطة بها، كانت التوجيهات "احرقوها إن لزم الأمر" وهو ما فعلته قوات النظام حقاً بدخولها المنطقة، إذ تم قصف المنطقة فوق رؤوس ساكنيها، وتم قتل الأهالي وفق انتمائهم الطائفي والمذهبي، فكل من يُشك بأمره بأنّه قد يكون معارضاً أو مشاركاً في الثورة، كان يُقتل ويوصم بـ "الإرهابي".

وعلى الرغم من الضجة العالمية التي أحدثتها مجزرة التضامن، إلا أنّ عشرات المجازر في المنطقة الجنوبية والشرقية من دمشق، لم تُكشف أوراقها وبقيت في ذاكرة الأهالي فقط، وفي بعض هذه المجازر بقيت الجثث المتفسخة مرمية في الشوارع لأيام (كما حصل في محيط كازية شموط وامتداد شارع سلمان الفارسي) قبل استحداث حفر في مكبات النفايات أو في الحدائق العامة أو بين الأنقاض ضمن هذه المنطقة (مثل حديقة الزبير، ومنطقة زليخة ودعبول وشارع الجورة) لدفن الجثث فيها.

يقول "سامر.ص"، وهو من سكان شارع الجلاء الملاصق لشارع نسرين لموقع "تلفزيون سوريا": "بقينا في بيوتنا إلى حين رؤيتنا المجازر بحق المدنيين، ففي شهر كانون الأول/ديسمبر من عام 2012، بقيت الجثث المتفسخة بالقرب من كازية شموط لعدة أيام قبل دفنها، وحينئذٍ قررت الخروج من منزلي مع إخوتي الاثنين والانتقال إلى منطقة دف الشوك القريبة".

الجدير بالذكر أنّ العميد عصام زهر الدين الذي قتل في عام 2017 والذي كان مسؤولاً عن العديد من المجازر بحق السوريين من شمال البلاد إلى جنوبها، قد أشرف بشكل مباشر على قصف وتدمير أحياء التضامن وما يحيط بها خلال الفترة الممتدة بين تموز/يوليو وكانون الأول/ديسمبر من عام 2012.

اغتصاب "بالجملة" وحالات إيدز

لم يكتفِ عناصر ميليشيا الدفاع الوطني بارتكاب المجازر الجماعية والنهب والتعفيش، وقد سُجلت حالات اغتصاب للنساء بصورة فردية أو جماعية بحجة أنهن نساء وبنات "الإرهابيين" وبالتالي يمكن التمتّع بهن وقتلهن من دون أدنى تردد.

وأشارت العديد من التقارير الحقوقية والصحفية إلى أن الاغتصاب تحوّل إلى نهج يتبعوه عناصر النظام أينما حلّوا بغية الإذلال والتعذيب النفسي والجسدي.

استطاع موقع "تلفزيون سوريا" تقصي إحدى الحالات لناجية من القتل لكنها لم تنجُ من الاغتصاب. تقول (مريم – اسم مستعار): "في الشهر الرابع من عام 2013 اقتحمت ميليشيا الدفاع الوطني منزلنا الكائن في نهاية شارع سلمان الفارسي، وقد أخذوا زوجي ورموه بالرصاص أمام باب المنزل، وكان ابني نائماً في الغرفة الثانية، فاعتدى عليّ أحدهم وكان يناديه صديقه باسم "خضر" ثم دخل صديقه، فالتفت إليه المدعو خضر وقال: إذا بدك كمّل! بس شكلها خالصة. وبعد أن سرقوا بعض المقتنيات من المنزل رحلوا". استطاعت مريم النجاة بمساعدة أحد الجيران فهربت مع عائلته من التضامن.

ولم يكن اغتصاب النساء في كثير من الحالات يتم بصورة انتقائية، بل يتم وفق تهمة أساسية "نساء وبنات الإرهابيين"، وفي معظم الحالات كان يتم قتلهن والتخلص منهن بعد اغتصابهن بصورة جماعية أو بالتناوب بين عناصر الميليشيات على الواحدة منهن.

الجدير بالذكر، أن إحدى المعلومات التي تسربت في عام 2018 في منطقة التضامن، تقول بأن أحد بيوت الدعارة التي أقامها عناصر ميليشيا الدفاع الوطني في المنطقة، تم إغلاقها بعد اكتشاف 4 إصابات بالإيدز نتيجة نقلها إليهم من إحدى الفتيات العاملات معهن. وقد ضجت التضامن آنذاك بالخبر وتمّ التحفظ على أسماء العناصر من أجل ذويهم.

الاستيلاء على العقارات بحجة أنها "بيوت إرهابيين"

رسخ القرار الذي أصدره رأس النظام السوري في نهاية عام 2023، ما ارتكبته الميليشيات خلال سنوات الحرب بحق السوريين وأملاكهم، إذ يأتي قرار الاستيلاء على الأموال المصادرة بحكم قضائي كتتويج للانتهاكات وعمليات النهب لكن هذه المرة بوقاحة مُعلنة وبالتحايل على القانون عبر التشريع القضائي.

في التضامن وكما بقية المناطق السورية التي شهدت حرباً، قامت ميليشيات النظام باستباحة بيوت السوريين لا بسرقتها و"تعفيشها" فقط بل العيش فيها أيضاً؛ ولا تزال أبنية كاملة حتى الآن تحت سيطرة عناصر سابقين من ميليشيا الدفاع الوطني أو كتائب البعث، إذ أحضروا عائلاتهم وأقاربهم واستباحوها لأكثر من 10 سنوات تحت مسمى أنها "بيوت إرهابيين".

أبو علي حكمت وأبو منتجب

لا يبدو هذان الاسمان غريبين على أهالي التضامن ومخيم اليرموك ودف الشوك؛ فكلاهما مسؤولان عن عمليات التسلط والتعفيش والترهيب للأهالي منذ بدء الاشتباكات والحرب في المنطقة الجنوبية من دمشق.

ولكل منهما حاجز (نقطة عسكرية) ومجموعة من العناصر، وصلاحيات ضمن المنطقة؛ إذ كان أبو علي حكمت قائداً لميليشيا الدفاع الوطني في قطّاع التضامن، ولا يزال حيّاً حتى الآن على الرغم من الشائعات حول موته والتي كانت بهدف حمايته من الملاحقة، ولا يستطيع أبو علي حكمت وأمثاله الخروج من التضامن لخوفهم من الاحتجاز على ذمة الدعاوى القضائية المرفوعة بحقهم من الأهالي المتضررين.

على باب النيابة العامة في دمشق، تحدّث (أبو محمد – اسم مستعار) عن الدعوى التي رفعها في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 ضد أبو علي حكمت الذي استباح بيته خلال سنوات الحرب وحتى تاريخ تقديمه المعروض.

ويقول أبو محمد في حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "أخذ أبو علي حكمت بيتي خلال السنوات التي نزحنا فيها إلى خارج التضامن، وقد رفض الخروج منه عندما قررت وعائلتي العودة إلى منزلنا رغم محاولاتي المتكررة خلال السنوات الفائتة لمطالبته بالخروج من منزلي، وقد أخبرني أحد الجيران بألا أقدم شكوى حتى لا أثير ضغينته ويتعرض لي ولعائلتي بالأذى، لكنني لن أتنازل عن منزلي لمجرم!".

ولم تقتصر أعماله الإجرامية على التعفيش واستباحة البيوت، بل قام مع عناصره بإجبار الضحايا على التوقيع على بيع بيوتهم في التضامن مقابل عدم قتلهم، لكنهم كانوا يحتجزون الضحايا لفترة مؤقتة ثم يقتلونهم، وهو ما أكدّه أبو محمد لموقع "تلفزيون سوريا".

ولا يزال أبو علي حكمت وأبو منتجب يتجولان بلباسهما العسكري داخل التضامن حتى الآن ويجلسان أمام مقراتهما التي كانت فيما سبق مقرات لميليشيا الدفاع الوطني.

إتاوات للحصول على الموافقة الأمنية

على الجانب الآخر، فرض عناصر من مكتب الأمن التابع للدفاع الوطني، إتاوات لقاء أخذ الموافقة الأمنية للعودة إلى المنازل؛ إذ فرضوا على كل من أراد العودة إلى منزله دفع الإتاوة وأخذ موافقة أمنية خطية من مكتب الأمن.

ولم يقتصر الأمر على فرض مبلغ لمرة واحدة، بل تعداه إلى إنشاء عقود غير قانونية (فروغ) يتم من خلالها تحديد رقم معين يدفعه صاحب المنزل للعودة "الآمنة" إلى منزله بعد أن استباحه الدفاع الوطني، أو سيكون الخيار الثاني هو اللاعودة، وطبعاً لا سلطة تعلو سلطة مجرمي الحرب في هذه البلاد.

وفي لقاء لموقع "تلفزيون سوريا" مع (أبو سامر- اسم مستعار)، الذي يسكن في أحد أبنية مسبق الصنع مقابل جامع الزبير، يروي لنا تفاصيل القصة كاملة: "عدت إلى منزلي في منتصف عام 2016، وكانت ميليشيا الدفاع الوطني لا تزال تتمتع بسطوة في المنطقة ولا سيما بعد ترويع الأهالي خلال الحرب وخطف الشبان بحجج واهية وتعذيبهم في أقبية الأبنية المهجورة. حينما عدت إلى منزلي كان البناء مهجوراً فيما عدا بيت جارنا، أما بيتي وبقية البيوت فكانت خالية، خاصةً بعد أن حولوا قبو البناء الذي أسكنه إلى معتقل يعذب فيه المخطوفين بين عامي 2013 و2014. وحينما قررت السكن في منزلي وترميم ما يحتاج إلى ترميم فيه، أخبرني أحد عناصر الدفاع الوطني التابعين لـ (أبو منتجب) أن عليّ دفع مبلغ وقيمته 800 ألف ليرة سورية آنذاك، وكانت الحجج عديدة ومنها أن الدفاع الوطني حافظ على بيوتنا من انتهاك الإرهابيين وأنهم يؤمنون الحماية للمنطقة أو أنهم منعوا الإرهابيين من سرقة بيوتنا!، هذا إلى جانب الموافقة الأمنية التي توجب علي تحصيلها من مكتب الأمن في التضامن والمسؤول عنه ياسر سليمان".

مع العلم أنّ البيوت في المناطق المذكورة مدمرة بصورة كاملة (مهدمة تماماً) أو بصورة جزئية، وجميعها تعرض للسرقة والنهب حتى للبنى التحتية وتوصيلات الكهرباء والصرف الصحي! كما أنّ هذا الأمر استمر لفترة طويلة قبل أن تنتهي مهزلة دفع الإتاوات لميليشيا الدفاع الوطني مقابل العودة إلى المنزل.

أما الآن، فتلزم العودة إلى المنازل الحصول على موافقة أمنية من فرع المنطقة الذي يتواجد بحواجزه عند نقاط داخل "التضامن المتحرر" مثل نقطة جامع سلمان الفارسي.

هل يعاقب النظام الأهالي العائدين إلى بيوتهم؟

لا يزال العناصر السابقون من ميليشيا الدفاع الوطني وعناصر كتائب البعث يسيطرون على الأحياء على الرغم انتهاء الاشتباكات العسكرية وتسليم جنوب دمشق لمخابرات النظام وتحديداً فرع المنطقة؛ إذ يتجول عناصر الدفاع الوطني بزيّهم العسكري في الأحياء وهم يحملون بطاقات أمنية تعطيهم صلاحيات لا يأخذها غيرهم، يتفوقون بها على الأهالي ويفرضون سطوتهم على اعتبار أنهم كانوا "حُماة التضامن". وتشمل صلاحياتهم تجاوز طابور الفرن، وتسهيل الحصول على الموافقات الأمنية والمرور بسهولة على الحواجز الأمنية التي لا زالت منتشرة في التضامن كما في مناطق عديدة من دمشق، وسرقة خطوط الكهرباء من دون رقيب أو حسيب، إلى جانب مخالفات البناء التي يديرونها بالتنسيق مع لجان البلدية (محافظة دمشق).

وقد تم إقرار صرف "تعويضات مادية" من محافظة دمشق منذ عام 2013 لأصحاب البيوت المدمرة كلياً أو جزئياً بسبب قصف النظام أو كما يدعي النظام نفسه: من "الجماعات الإرهابية".

وكانت مناطق التضامن وشارع دعبول وما يحيط بهما من المناطق المشمولة بالتعويضات، إذ خصصت "لجان كشف" من البلدية ومحافظة دمشق تقوم بجولات استطلاعية على مناطق التضامن "المحرر" وتسجل حجم الضرر لكل بيت قدّم صاحبه ضبط أو بيان من خلال قسم شرطة التضامن. وقد صرفت بعض التعويضات في بين أعوام 2014 – 2016 قبل أن تتوقف تماماً بعد ظهور ملفات الفساد والسرقة بالمليارات من قبل القائمين على الأمر في المحافظة والبلدية.

أما الآن، فتعاني المنطقة بأكملها من غياب الكهرباء ولا سيما مع حلول الشتاء، إلى جانب أعطال الصرف الصحي وانتشار مكبات النفايات ومئات الكلاب والجرذان؛ إذ لا تبدو المنطقة ضمن اهتمامات حكومة النظام بعد أن دمرها بصورة شبه كاملة.

وفي شهادة لأحد الأهالي لموقع "تلفزيون سوريا"، يقول (رسلان.ك): "لا يوجد تمديدات كهرباء في الحارات التي نعيش فيها، بل نقوم بتعليق الأسلاك على خطوط الكهرباء الممتدة من شارع نسرين، وكلما جاء كشف من اللجان المتخصصة يقطعون لنا تمديدات الكهرباء الواصلة إلى بيوتنا ونعود إلى الظلام!". ويقوم جميع الأهالي في منطقة التضامن "محرر" بتمديد خطوط كهربائية خارجية (سرقة خطوط الكهرباء) لتأمين الإضاءة لبيوتهم على أقل تقدير في ظل إهمال الجانب الخدمي للمنطقة.

سلط موقع تلفزيون سوريا معاناة الأهالي في التضامن "محرر" في مقال سابق، ويبقى السؤال على لسان (رسلان) وغيره من الأهالي: "هل يعاقبون الشعب؟".