icon
التغطية الحية

"باور 373" في سوريا.. بين تهويل قدرات إيران وتضخيم مخاوف إسرائيل

2023.01.14 | 16:13 دمشق

مناورات عسكرية إيرانية قرب مضيق هرمز ـ رويترز
مناورات عسكرية إيرانية في المنطقة الساحلية لخليج عمان قرب مضيق هرمز ـ رويترز
تلفزيون سوريا ـ ضياء قدور
+A
حجم الخط
-A

ما تزال "التقارير والمعلومات الحصرية" حول انتشار منظومات دفاعية إيرانية بعيدة المدى من طراز باور 373 خارج الحدود الإيرانية تتوارد منذ العام الفائت، بدءا من شائعات نشرتها روسيا في الحرب الأوكرانية، وانتهاءً بمعلومات كشف عنها جهاز استخباري "صديق" لمجلة نيوزويك الأميركية، تتحدث عن نشر هذه المنظومات المزودة بصواريخ أرض - جو صياد 4 "المطورة" إيرانياً على الأراضي السورية.

تأتي هذه التقارير في وقت استمر الجيش الإيراني باستعراض عينات من عتاده العسكري "المصنوع محلياً"، أو "المعدل" أو الذي خضع لعمليات ترقية بدءً من نماذج روسية أساسية، في العرض العسكري للقوات الإيرانية في 18 نيسان من العام الفائت، وهي معدات وتجهيزات دفاعية جوية لا يتوافر منها حالياً سوى نموذج واحد أو اثنين على أكثر تقدير، ويتم استخدامها لأغراض الاختبار واستعراض العضلات، ولم تدخل عملية إنتاجها في سلسلة الصناعات الضخمة بعد.

اقرأ أيضا: مرشح رئاسة الأركان الإسرائيلية: إيران أنشأت بنية تحتية عسكرية شاملة داخل سوريا    

وكانت عملية استعراض منظومة باور 373 كنموذج أولي وحيد تم إنتاجه من هذا الطراز واضحة ضمن العرض العسكري الفائت، لكن ما يثير الشكوك حول الموضع بشكل عام هو أن هذا النموذج الأولي لهذه المنظومات لم يجتز اختباراته بعد، رغم أن عملية تطويره بدأت بعدما قررت روسيا تعليق تسليم منظومة نظام S-300 PMU-1 إلى إيران في عام 2010 بسبب العقوبات.

لكن بغض النظر عن التهويل الإيراني للمنتجات العسكرية المحلية، لا توجد مؤشرات تدل حتى الآن على أن قوات الدفاع الجوي الروسية قدمت أي طلبات إلى وزارة الدفاع الإيرانية لشراء هذه المنظومات منها، وبالتالي دخول هذه المنظومة في عمليات الإنتاج التسلسلية والضخمة، ناهيك عن إمكانية نقل كتيبة أو أكثر من هذه المنظومات الضخمة لإنشاء شبكة "شاملة ومتكاملة" من الدفاعات الجوية في روسيا أو سوريا، ودون تدريب طواقم مختصة، الأمر الذي يمكن أن يستغرق أشهراً.

خلافاً لنظام الدفاع الصاروخي متوسط ​​المدى 15 خرداد المزوّد بصواريخ صياد 2 و 3،  لم تجذب منظومة باور 373 المجهزة بصواريخ صياد 4 أرض - جو بمدى أقصاه 200 كم، انتباه واهتمام قوات الدفاع الجوي. ولا تزال قوات الدفاع الجوي التابعة للجيش الإيراني غير راغبة في استخدام هذا النظام كمكمل لأنظمة الدفاع الجوي الروسية طويلة المدى S-300.

ماذا نعرف عن منظومات باور 373 وصواريخ صياد 4؟

تم استخدام المعرفة التي تم الحصول عليها من دراسة المكونات المختلفة لأنظمة الدفاع الروسية S300PT و S300PMU-2، في تصميم وبناء مختلف مكونات وأنظمة منظومة باور-373، ويحتوي المنتج النهائي أيضاً على التكنولوجيا والمعدات المستخدمة في مكونات أنظمة الدفاع الصاروخي القديمة مثل مرصاد و 15 خرداد.

وجاءت عملية تطوير وبناء هذه المنظومة بعد رفض طلب إيران شراء صواريخ s400 من قبل روسيا في عام 2019، وهو ما دفع الشركات شبه الخاصة والحكومية التابعة لوزارة الدفاع، خاصة الشركة الإيرانية للصناعات الإلكترونية وشهيد بابائي للصناعات الصاروخية، والتي شاركت سابقاً في بناء وتطوير أنظمة خرداد 3 و 15 وصواريخ صياد 2 و 3، إلى العمل على تطوير وبناء صاروخ أرض - جو بعيد المدى بنفس قدرات الصواريخ المستخدمة في نظام S-300. 

تجدر الإشارة إلى أن إيران في الوقت الحالي لا تمتلك سوى أربع كتائب من نظام S-300 PMU-2، كل منها مجهز برادار اشتباك 30N6E2، ورادار مساعد 96M6E، وأربع قاذفات رباعية من صواريخ أرض جو، ومركز توجيه وقيادة. وتتركز مهمة هذه المنظومات الروسية على حماية المنشآت الحساسة والاستراتيجية في طهران وأصفهان وبوشهر، والتي تشمل منشآت نطنز النووية، ومحطة بوشهر للطاقة النووية، ومنشآت النفط في عسلوية، ومدينتي طهران وأصفهان.

هذا في حين تم الكشف عن باور 373 وصاروخه صياد 4 القادر على الاشتباك مع أهداف تطير على ارتفاع يصل إلى 27 كم ومدى يصل إلى 200 كم خلال حفل رسمي حضره الرئيس السابق حسن روحاني ووزير دفاعه في احتفالات مماثلة في ولاية روحاني الأولى والثانية في 21 أغسطس 2016 بدايةً، وفي 22 أغسطس 2019 ثانياً.

لكن عملية إزاحة الستار عن هذه المنظومة أتت في وقت مبكر، حيث لم يتم الانتهاء بعد من اختبار العديد من مكوناته. وزُعم حينذاك (2019) أن الإنتاج الضخم لهذه المنظومة لصالح قوات الدفاع الجوي للجيش الإيراني سيبدأ قريباً، في الوقت الذي كانت شركات التصنيع والتصميم مشغولة في استكمال الطلبات السابقة الخاصة بقوات الدفاع الجوي التابعة للجيش والقوة الجوية للحرس الثوري الإيراني من منظومات 3 خرداد و 15خرداد متوسطة المدى.

قد يكون تخفيض الميزانية الدفاعية للجيش الإيراني وكذلك قانون حظر الأسلحة المفروض في الأمم المتحدة، الذي فرض قيوداً على تعاون الشركات الروسية والصينية في المشاركة في بناء مكونات هذه الأنظمة، أحد أهم الأسباب العائقة.

لكن في الوقت الذي يمكن لهذه المنظومة أن تملأ الفراغ الناجم عن عدم وجود أنظمة دفاع بعيدة المدى من طراز S-400 في إيران وتكون مكملاً مناسباً لـ S-300، خاصة في المناطق الواقعة خارج نطاقها بعد بدء الإنتاج الضخم، تذهب المواقع الإيرانية لتقديم مواصفات "خيالية" لهذه المنظومة التي لم تدخل بشكل فعلي ضمن شبكة الدفاعات الجوية الإيرانية. وفي تقارير منفصلة، يقدم كل من موقعي مشرق وتابناك، المقربين من الحرس الثوري، مواصفات لمنظومة باور 737 تفوق بعدد الأهداف الجوية التي يمكن التعامل معها ومدى الاشتباك الناري والكشف والسطع الراداري،  ليس فقط مواصفات النسخة الروسية الأصلية من s300، بل المنظومات الأحدث الأخرى s400.

هذا في الوقت الذي يشبه صاروخ صياد -4 إلى حد بعيد صاروخ 48N6E2 للمنظومة الروسية S-300 PMU-2، لكن الفارق بين صاروخ صياد -4 وسلفه الروسي هو أنه مجهز بزعانف للاستقرار والتوجيه في النهاية، مع نظام تغيير ناقلات الدفع الذي يمكن أن يزيد بشكل كبير من قدرته على المناورة.

حتى بعد رفع حظر الأسلحة المفروض على إيران بيعاً وشراءً في عام 2020، كان العامل الاقتصادي وانخفاض الميزانية العسكرية عائقاً أمام المحادثات الإيرانية - الروسية لشراء منظومات أحدث من طراز s400، وبقي النموذج الأولي المصنع لباور 373 يستعرض في المسيرات والعروض العسكرية بالإضافة للمشاركة في بعض التمارين حتى اليوم.

تضخيم المخاوف الإسرائيلية

في ظل المراقبة الأمنية الإسرائيلية المستمرة للتحركات الإيرانية في سوريا، من المستبعد أن تستطيع إيران نقل إحدى كتائب دفاعاتها الجوية بعيد المدى مثل باور 373.
إن نقل مثل هذه المنظومات مع حواشيها المكونة من رادارات السطع والاشتباك وقواذف رباعية لصواريخ أرض - جو بالإضافة لمراكز القيادة والتوجيه، ورادرات الإنذار المبكر ربما، إلى سوريا ليست عملية يمكن إخفاؤها عملياً ضمن شاحنات الخضراوات أو صهاريج الديزل عبر الحدود السورية العراقية، أو نقلها في طرود مشبوهة ضمن أكبر طائرات الشحن الإيرانية الثقيلة التي تتوارد بشكل دوري نحو المطارات السورية.

لكن على فرض أن العملية السابقة كانت واقعية، سيكون الشحن البحري السبيل العملي الوحيد والمتاح أمام إيران، لكن مخاطر أعالي البحار وبعد عمليات الشحن والتفريغ ستزيد من مستويات الإنذار الأمنية، خاصة أن إسرائيل أظهرت أنها مستعدة لقصف أي حمولات إيرانية مشبوهة تحط رحالها في الموانئ السورية.

بالإضافة لذلك، لا يمكن لعملية نقل مثل هذه المنظومات أن تجري في الظلام بعيداً عن أعين المصادر المفتوحة أو الأقمار الصناعية الإسرائيلية، التي رصدت مؤخراً العملية الكاملة لتفكيك روسيا لإحدى منظوماتها الدفاعية من طراز s300 من مصياف إلى البحر الأسود.

روسيا تعيد منظومة الدفاع الجوي "S-300" من سوريا.

في ظل هذه الوقائع، قد تعمد إيران إلى تزويد النظام السوري بمنظومات دفاعية أقل إثارة للريبة أثناء عمليات الشحن، كالمنظومات قصيرة ومتوسطة المدى خرداد 3 و 15، وتعمل على تقديم إضافات وتحديثات إلى أنظمة الإنذار المبكر ونظم الرصد السلبية، والتي تؤمن الوقت الثمين للإخلاء والمناورة قبل تنفيذ الغارات الإسرائيلية.

في دراسة نشرها مركز حرمون للدراسات المعاصرة في نهاية العام الفائت حول "الاستهداف الإسرائيلي للدفاعات الجوية السورية – السلوك والنتائج (2013 – 2022)"، كشف المركز عن استهداف إسرائيل لأكثر من 38 منظومة دفاعية للنظام السوري خلال العقد الماضي، مبيناً أن منظومات الدفاع الروسية قصيرة ومتوسطة المدى ( بانتسير، أوسا OSA (SA-8)، كوادرات SA-6، منظومة Buk SA-17، نيفا/بيتشورا S-125)، تصدرت قائمة الدفاعات الجوية المدمرة بواقع 17 منظومة مدمرة، ونسبة  53% من مجموع "الدفاعات السورية" المدمرة خلال العقد الماضي.
وخلصت الدراسة إلى الاستهداف الإسرائيلي لدفاعات النظام الجوية كان يهدف للحفاظ على حرية العمل الإسرائيلي مستقبلاً بالدرجة الأولى، أكثر منه إحساس إسرائيلي عميق بالخطر المحدق من هذه المنظومات المتقادمة، التي شكلت الهجمات الإسرائيلية التي نُفذت لاستهدافها قرابة 12% من مجموع الهجمات الكلية التي نفذتها إسرائيل على امتداد الجغرافيا السورية، خلال عقد من الزمن.