icon
التغطية الحية

بالأسماء.. تقرير يكشف تورط أشخاص وقيادات وعشائر في شبكة "كبتاغون الأسد"

2022.11.04 | 03:42 دمشق

حبوب كبتاغون
مخدرات مضبوطة في ريف حلب الشمالي/ 24 أيار 2022 (AFP)
إسطنبول - وكالات
+A
حجم الخط
-A

كشف تقرير أعدته وكالة "فرانس برس" تورط شخصيات وقيادات وعشائر، من مختلف المناطق السورية، في شبكات تصنيع حبوب الكبتاغون المخدرة وترويجها وتهريبها، إلى جانب مؤسسة نظام الأسد العسكرية وميليشيا "حزب الله" اللبناني.

وبحسب التقرير الذي نُشر أمس الخميس، فإن "القوى المسيطرة على سوريا، من شمالها إلى جنوبها مروراً بباديتها وسواحلها، وبصرف النظر إن كانت موالية للنظام أم معارضة له"، جميعها تخطّت الانقسامات بسبب حبوب الكبتاغون، محوّلة سوريا إلى دولة مخدرات تفوق أرباح تجارتها الـ 10 مليارات دولار سنوياً.

وتمثّل حبوب الكبتاغون اليوم أبرز الصادرات السورية، وتفوق قيمتها كل قيمة صادرات البلاد القانونية، وفق تقديرات مبنية على إحصاءات جمعتها "فرانس برس"، وتوثّق الحبوب المصادرة خلال العامين الماضيين.

ووفق التقرير، فإن سوريا باتت مركزا أساسياً لشبكة تمتد إلى لبنان والعراق وتركيا وصولاً إلى دول الخليج مروراً بدول أفريقية وأوروبية، وتُعتبر السعودية السوق الأول للكبتاغون.

واستند التقرير إلى مقابلات مع أكثر من 30 شخصاً من مهربين ومسؤولين أمنيين حاليين وسابقين في سوريا ودول أخرى، فضلاً عن ناشطين ومسؤولين محليين على دراية بصناعة الكبتاغون، وطلب معظمهم عدم الكشف عن أسمائهم. وتتداخل علاقات تجارية وعشائرية وقبلية ومصالح بين خطوط تهريب وتجارة الكبتاغون.

مرابح تفوق الوصف

 في إحدى مناطق سهل البقاع اللبناني، يفيد شخص لديه علاقات مع عدد من التجار مكنته من الاطلاع والتوسّط في صفقات كبيرة، بأن تجارة الكبتاغون "رأسمالها خفيف وأرباحها كبيرة".

وبحسب الوسيط، يتقاسم أربعة أو خمسة تجار كبار شحنة واحدة رأسمالها نحو 10 ملايين دولار (قيمة المواد الأولية وطرق التهريب التي تُعرف بـ"السكة"، و"الرشاوى") وتعود بربح قدره 180 مليون دولار!

ويقول: "إذا خسروا أول 10 ملايين، وثاني 10 ملايين، والثالثة أيضاً، فبمجرّد أن تنجح شحنة واحدة في المرور، يكون التاجر قد ربح". ويضيف الوسيط: "إنها شبكة واحدة، سورية سعودية لبنانية عراقية أردنية"، لافتاً إلى وجود رابط عشائري في أغلب الأحيان يجمع بين تلك المناطق.

وبحسب التقرير، فإن الوسيط ومصادر أمنية في المنطقة، يؤكدون أن العشيرة الأكبر والأكثر نفوذاً هي بني خالد التي تمتد قبائلها بين سوريا ولبنان والأردن والعراق والسعودية. ومن مصدرها في سوريا إلى وجهتها في السعودية، قد تبقى شحنة الكبتاغون في يد العشيرة نفسها ما يمنحها ضمانات أكثر ويُسهّل عملية الدفع ويجعل ملاحقتها أكثر صعوبة.

الكبتاغون كأبرز صادرات النظام السوري

وخلال العام 2021، تشير بيانات رسمية إلى مصادرة القوى الأمنية في عدة دول أكثر من 400 مليون حبة كبتاغون. وبحسب ما أظهرت مضبوطات من العام 2022، يبدو أن شحنات الكبتاغون ستفوق تلك التي تمّت في العام السابق.

"كل هذا ليس سوى رقم بسيط جداً مقارنة مع ما لم يُضبط"، يصف المسؤولون الأمنيون الذين قالوا إنه "مقابل كل شحنة يتمّ ضبطها، تصل 9 شحنات أخرى إلى وجهتها".

ويشير التقرير إلى أن سعر حبة الكبتاغون يتراوح بين دولار و25 دولاراً. واذا احتُسب سعر الحبة بـ5 دولارات، ووصلت 4 من أصل 5 شحنات الى وجهتها، تتخطّى قيمة تجارة الكبتاغون السنوية 10 مليارات دولار. ويّعد ذلك أقل تقدير لتلك التجارة الضخمة.

ويقدر المسؤولون الأمنيون بأن 80 في المئة من تلك التجارة مركزها سوريا، وبذلك يكون الكبتاغون أبرز "صادرات" النظام السوري، ويعود عليه بأرباح تفوق حجم ميزانية سوريا بـ3 أضعاف. ويستفيد نظام الأسد ودائرته الضيقة وشبكة تجار الحرب بشكل كبير جداً من هذه التجارة.

وينقل التقرير عن مستشار سابق في الحكومة السورية (مقيم خارج سوريا) قوله: "لا توجد محرّمات في الحروب، والبلاد كانت ولا تزال في حاجة ماسة للنقد الأجنبي من أجل رفد اقتصاد الدولة". ويضيف: "استطاعت صناعة الكبتاغون أن ترفد الخزينة ولو بجزء من العملة الأجنبية من خلال اقتصاد ظل متكاملاً يبدأ من استيراد المواد الأولية، وصولاً للتصنيع وأخيراً التصدير".

دور الفرقة الرابعة و"حزب الله"

أجهزة أمنية وعسكرية عدة تابعة للنظام تتورط في تلك التجارة، وأبرزها الفرقة الرابعة التي تتبع ماهر الأسد شقيق رئيس النظام السوري، وفق مصادر عدة بينها أمنيون سابقون في سوريا ومهربون وخبراء.

وينقل التقرير عن كارولين روز من معهد نيولاينز الذي نشر تحقيقاً حول صناعة الكبتاغون قبل أشهر: "لعبت الفرقة دوراً أساسياً في حماية وتسهيل وتهريب الكبتاغون في حمص واللاذقية، وفي نقل الشحنات إلى مرفأي طرطوس واللاذقية".

بينما يقول ناشط معارض متابع لعمليات التهريب: "يحصل مصنعو الكبتاغون أحياناً على المواد الأولية من الفرقة الرابعة، وتكون موضوعة أحيانا في أكياس عسكرية".

كما يشير باحثون في الموضوع إلى أن "حزب الله" اللبناني يلعب دوراً مهما في حماية صناعة الكبتاغون، وخصوصا في المنطقة الحدودية. ويتهمه سكان في جنوب سوريا بالوقوف خلف انتشارها في مناطقهم.

الكبتاغون والجنوب السوري

تراجعت أعداد المختبرات في منطقة البقاع نظراً للتشديد الذي حصل خلال السنة الأخيرة في لبنان على صعيد ضبط عمليات صناعة وتجارة الكبتاغون، وانتقل تجار إلى المنطقة الحدودية داخل الأراضي السورية، وساعدتهم في ذلك إعادة فتح معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن فتوسّعت اليه طرق التهريب، عدا عن المعابر غير الشرعية.

وبحسب التقرير، فإن الجنوب السوري وتحديداً محافظتا السويداء ودرعا، يعدّ المعقل الأساسي لطرق تهريب حبوب الكبتاغون نحو الأردن. ففي السويداء، دفع التردي الاقتصادي بشبان كثر إلى الانضمام إلى عصابات محلية تعمل في تخزين وتهريب البضائع، وعلى رأسها الكبتاغون.

ويفيد المتحدث باسم "حركة رجال الكرامة" (المعارضة) أبو تيمور، بأنه "هناك استغلال للوضع المعيشي للسكان"، فضلاً عن فوضى انتشار السلاح في المحافظة.

ويضيف بأن "السويداء منطقة تهريب وتخزين للحبوب"، مشيراً إلى أن أفراد عشائر في البادية المجاورة ينقلون البضائع إلى السويداء حيث يجري تخزينها ثم تهريبها غالباً عبر الحدود الأردنية بالتعاون مع "أكثر من 100 عصابة مسلحة".

الكبتاغون والشمال السوري

يقول المستشار السابق لحكومة النظام السوري: "جمع الكبتاغون كلّ أطراف الصراع، النظام والمعارضة والأكراد وداعش". كما دخلت صناعة الكبتاغون وتهريبه مناطق سيطرة فصائل المعارضة في شمالي سوريا.

وينقل التقرير عن مهرّب في تلك المناطق قوله: "أعمل مع أشخاص في حمص ودمشق يأتون بالحبوب من مستودعات الفرقة الرابعة. نوزّع الحبوب هنا أو نرسلها إلى تركيا بالتنسيق مع الفصائل. السوق التركي يعتمد علينا كثيراً، نحن بوابة لهم".

ووفق قوله، يبيع المهرب أيضا الحبوب لمسؤولين في "هيئة تحرير الشام" التي تسيطر على نحو نصف محافظة إدلب. ويعتمد في تجارته على حبوب يأتي بها من مناطق سيطرة النظام أو مصنعة محلياً. كما يشير إلى أن الفصائل تحتكر تصنيع الكبتاغون في مناطق سيطرتها "ولا يتجرأ أحد آخر" على الأمر، بحسب المصدر.

ويستطرد المهرب: "تعجّ المنطقة بالفصائل، هي أشبه بغابة الكلّ جائع فيها". وبحسب قوله، فإن الاسم الأول في تجارة الكبتاغون في المنطقة هو قيادي في فصيل السلطان مراد "أبو وليد العزة، لأن لديه علاقات قوية مع الفرقة الرابعة منذ أن كان في حمص".

مسرحيات

ويدخل في المواد الأولية لتصنيع الكبتاغون أنواع من الأسيد تستخدم في مواد التنظيف أو نشاء الذرة أو الكافيين وغيرها. وأبرز استثمارات صناعة الكبتاغون يكمن في آلة كبس الحبوب التي تستعمل أيضاً في صناعة الحلوى. ولم يتردّد موقع إلكتروني صيني بالترويج علنا لـ"آلة كبس أقراص الكبتاغون" مقابل 2500 دولار، وفق التقرير.

كما لا يتطلّب تصنيع الكبتاغون مساحات واسعة. فمن الممكن إنشاء مختبر مجهز بالآلات الأساسية، وأبرزها آلة الكبس وجهاز الخلط وفي بعض الأحيان فرن لتنشيف المواد، خلال 48 ساعة فقط، ما يعني أن تجار الكبتاغون قادرون على استئناف عملهم بعد وقت قصير من أي مداهمة يتعرضون لها.

وينقل المصدر عن موظّف في معمل أدوية سوري (خارج سوريا)، بأن بعض مصانع الأدوية متورطة كونها قادرة على استيراد المواد الأولية لتلك الصناعة "غير المعقدة التي يمكن أن تتم في أي معمل أدوية خاص". وبرغم أن السلطات السورية تعلن بين الحين والآخر عن مصادرة شحنات أو مداهمة مستودعات، يقول الموظف إن ذلك ليس سوى "مسرحيات".

كبار تجار الكبتاغون

في لبنان، أطلقت وسائل إعلام محلية لقب "ملك الكبتاغون" على رجل الأعمال حسن دقو المتهم بإدارة إمبراطورية ضخمة من منطقة البقاع في شرق لبنان، مستفيداً من علاقات جيدة مع مسؤولين لبنانيين وسوريين.

واعتقلت القوى الأمنية اللبنانية دقو في نيسان من العام الماضي بتهمة تهريب حبوب الكبتاغون، الأمر الذي نفاه تماماً، مؤكداً أنه يعمل لصالح الأمن العسكري السوري والفرقة الرابعة، وفق مستندات قضائية اطلعت عليها فرانس برس. وتُعد بعض الأعمال التجارية التي يملكها دقو، وفق مسؤولين أمنيين، غطاء لتجار المخدرات، وبينها معمل مبيدات زراعية في الأردن وشركة سيارات في سوريا وأسطول صهاريج.

أما في سوريا، فتشير مصادر عدة إلى أن النائب عامر خيتي الذي تفرض عليه واشنطن عقوبات اقتصادية، شخصية رئيسية في مجال تهريب الكبتاغون. وينقل التقرير عن موظف يعمل لديه (خارج سوريا)، أنه شاهد على شحنات كبتاغون نُقلت إلى أحد مستودعات خيتي قرب دمشق. ويضيف: "عائلة خيتي من العوائل المشرفة على الموضوع منذ ما قبل الحرب. كانت تتم الاستفادة من تجارة المواشي لتهريب المخدرات من خلال وضعها بأكياس بلاستيكية داخل أحشاء الماشية".