icon
التغطية الحية

انهيار متسارع.. هل قرر النظام تعويم الليرة السورية؟

2023.07.20 | 06:45 دمشق

انهيار متسارع.. هل قرر النظام تعويم الليرة السورية؟
لم يتبع النظام السوري سياسة "التعويم الخالص لليرة" بعد إنما يعمل على سياسة التعويم المُدار، أو الجزئي - AFP
إدلب - ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

تشهد قيمة الليرة السورية تراجعاً ساعياً أمام الدولار الأميركي، ليصل سعر صرفها إلى 11500 ليرة مقابل الدولار الواحد، في حين رفع "مصرف سوريا المركزي" سعر صرف الدولار في نشرة الحوالات والصرافة بتاريخ 18 من تموز الجاري إلى 9900 ليرة.

ومنذ أشهر يتّبع المصرف المركزي سياسة لمواكبة أسعار الصرف في السوق السوداء، ورأى خبراء اقتصاديون الخطوات الأخيرة للنظام برفع سعر الدولار، أنّها تسّرع من عملية تعويم الليرة، وتمهد للدولرة في البلاد.

هل قرر النظام تعويم الليرة؟

بدأ الحديث في أوساط الاقتصاديين في مناطق سيطرة النظام عن إمكانية تعويم الليرة منذ نحو عامين، وسبق أن ذكرت وزيرة الاقتصاد السابقة في حكومة النظام لمياء عاصي أنه من الممكن أن تلجأ "سوريا" إلى تعويم العملة، وهو ما يعني اقترابها من الإفلاس.

وبحسب عاصي، فإن الدول تلجأ إلى تعويم العملة عند اقترابها من الإفلاس، مؤكدة أن السياسات الاقتصادية التي يتبعها النظام تؤدي إلى "الخراب".

ويُقصد بـ "تعويم العملة"، التخلي عن سعر صرف عملة ما من خلال معادلتها مع عملات أخرى ليصير محرراً تماماً، دون تدخل الحكومة أو البنك المركزي في تحديده مباشرة، لينشأ تلقائياً بناء على آلية العرض والطلب في سوق العملات النقدية، والذي يتم من خلاله تحديد سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية.

أستاذ المالية في جامعة باشاك شهير بإسطنبول، فراس شعبو، ذكر في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا"، أن النظام السوري لم يتّبع بعد سياسة "التعويم الخالص لليرة"، إنما يعمل على سياسة التعويم المُدار، أو الجزئي.

والتعويم المُدار، هو "حرية تحديد سعر الصرف وفق آلية العرض والطلب وقوى السوق، وتتدخل الدولة في هذا النوع من أنواع التعويم عبر مصرفها المركزي عند الحاجة إلى توجيه سعر الصرف في اتجاهات محددة مقابل باقي العملات بحيث يتم هذا الأمر كاستجابة لبعض المؤشرات التي تشمل معدل الفجوة بين العرض والطلب في سوق صرف العملات".

بينما يرى خبراء اقتصاد استحالة تنفيذ هذه السياسة في سوريا، لأنها تشترط أولاً السماح بتداول العملات الأجنبية، يضاف لذلك، عدم تمتع النظام السوري بأية أدوات مالية للتأثير في أسعار الصرف.

توجه للتمويل بالعجز

قال خبير الاقتصاد، الدكتور كرم شعار، إن النظام السوري لم يبدأ حتى الآن بتعويم الليرة السورية، كما أن التوجه نحو "الدولرة" في البلاد مستبعد، وفي الوقت نفسه، يبدو أن النظام غير قادر على التدخل في السوق السوداء كما يجب.

وذكر شعار في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا"، أن حكومة النظام ما زالت متوجهة للتمويل بالعجز، وطباعة المزيد من الليرة السورية، دون أن يكون هناك حاجة لتداول هذه الأموال، بمعنى أن المعروض من النقد يفوق حاجة السوق.

والتمويل بالعجز، يعني توليد الأموال لتمويل العجز في ميزانية الدولة بغية تحقيق أهداف اقتصادية، ويكون هذا العجز ناجماً عن تجاوز النفقات الحكومية للإيرادات المجنية.

كذلك يرى المستشار الاقتصادي، أسامة قاضي، أن المصرف المركزي لم يعوّم الليرة السورية إلى الآن، ولم يتركها للعرض والطلب بشكل نهائي، إذ ما زال يريد التدخل، إلا أن شح القطع الأجنبي لديه مع ضعف الحلفاء، حال دون القدرة على دعم الليرة بحد معين.

وأضاف قاضي في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا" "لو سحب المصرف المركزي يده وترك الليرة للتعويم، وألغى نشرة أسعار الصرف التي ينشرها عادة وجعل السعر موازياً للسوق السوداء، لشهدت الليرة انهياراً أكبر".

ومن الواضح بحسب قاضي، أن "الأمور بدأت تتفلت من يد النظام بشكل متسارع، ولم يعد هناك قدرة لدى المصرف المركزي على اللحاق بركب السوق السوداء"، متوقعاً إلغاء النظام للمرسوم الذي يجرّم التعامل بغير الليرة السورية، مع ترك العملة للتعويم.

تضخم جامح

بدأ المصرف المركزي منذ بداية العام الحالي، سياسة تتبع أسعار الصرف في السوق السوداء، وخلال الأسبوع الأخير تم تغيير سعر الصرف 5 مرات، وهو أمر غير منطقي وفق أستاذ المالية فراس شعبو.

ويضيف: "لو حُرر سعر الصرف وتُرك للعرض الطلب، لكان أفضل من السياسة الحالية، لأن التغير الساعي في سعر الصرف، أحدث شللاً في عمليات البيع والشراء في الأسواق، وأثر على المشتري والتاجر".

ويبيع التاجر مواده بسعر مرتفع عن السوق السوداء بمبلغ يقدّر بنحو 1500 ليرة، ليترك لنفسه هامشاً في حال تغير سعر الصرف، ويؤكد شعبو، أن هذا الأمر أدخل الاقتصاد في حلقة مفرغة من التضخم الجامح الذي لا يمكن السيطرة عليه بسهولة.

المصرف المركزي كـ "مضارب" في السوق

يعمل المصرف المركزي السوري منذ سنوات كمضارب في سوق العملات، دون أن يحمي الليرة أو حقوق المواطنين، ولذا من غير المتوقع أن تشهد العملة المحلية تحسناً في ظل الإدارة النقدية الحالية وضمن السياسات النقدية والمالية المتبعة، وفق الباحث الاقتصادي عبد الرحمن أنيس.

ويؤكد أنيس في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا"، أن البنك المركزي لم يعد يمتلك احتياطي العملات الأجنبية التي كانت لديه، إذ بلغت 18 مليار دولار في عام 2011، وعلى العكس، فقد البنك أصوله التي كانت تموّل الموازنة العامة للدولة.

ويضيف "كان على المصرف المركزي اللجوء إلى تحرير سعر الصرف منذ سنوات الثورة الأولى، وتثبيت الأجور والرواتب وأسعار الخدمات الأساسية بالدولار أو بأي عملة ثابتة يمكن الاعتماد عليها لاحقاً، لكن سياسات النظام النقدية كانت تستغل انهيار قيمة الليرة السورية، فهي تمنحه ملايين الدولارات الإضافية لتمويل آلة الحرب على شعبه، وهو بذلك خفّض قيمة مصاريفه التشغيلية لأنها تُحتسب بالليرة السورية المنهارة، بينما يحوّل وارداته في السوق السورية إلى دولارات من خلال التحكم بالأموال المتداولة في سوقه الداخلية، وفي أسواق المناطق الخارجة عن سيطرته".

ويمكن القول إن سياسة تعويم الليرة السورية لم تُطبّق حتى الآن، بينما تقتصر إجراءات المصرف المركزي على رفع سعر شراء الدولار بغرض جذب الحوالات الشخصية الواردة من الخارج، حتى لا يُحرم من القطع الأجنبي الذي يتوق إليه.

وفي تصريح لوسائل إعلام موالية، ذكر الاقتصادي جورج خزام أنه يجب ترك القواعد الأزلية للأسواق تعمل بحرية وفق قانون العرض والطلب، لأن السوق وحده قادر على تصحيح الأخطاء الموجودة فيه من تلقاء نفسه، شريطة عدم التدخل السلبي من قبل أصحاب القرار الاقتصادي وترك الأسواق تعمل بمبدأ "دعه يعمل في المعمل، دعه يمر على الطريق، دعه يزرع في الأرض، دعه يبيع في السوق".

ويلخّص "مركز جسور للدراسات" الواقع الاقتصادي السوري، بالقول: "لا رغبة للنظام بضبط سعر صرف الليرة، بل يرغب بجمع المزيد من العملات الأجنبية، ولا توجد قدرات نقدية أو مالية حقيقية لضبط السعر، كما أن تدهور الأوضاع قد يصبّ في صالح دعوة صُنّاع القرار العرب والدوليين للتدخل في سوريا بالتعاون مع النظام، وعليه يُرجَّح أن يستمر سعر صرف الليرة بالتدهور حتى نهاية عام 2023، مع احتمالية استقراره خلال موسم الصيف الجاري وحتى مطلع الشتاء".