انفجاركم وانفجارنا واحد

2020.08.12 | 00:02 دمشق

byrwt_1111111111111.jpg
+A
حجم الخط
-A

وضع أكثر من مأساوي في لبنان. حتى أن الرئيس اللبناني ميشيل عون أقر بأنه يصعب التعبير عنه بالكلام، رغم الإجماع المحلي والخارجي على أن عون هو أحد أسباب التدهور.

بيروت عاصمة لبنان والعرب ونقطة لقاء الشرق بالغرب حتى وقت غير بعيد، باتت مكانا غير صالح للحياة، بعد أن ضربها انفجار الثلاثاء الأسود في الرابع من آب/اغسطس من قلب الميناء الذي طالما أخذها إلى العالم، وجاء بالعالم إليها. ربما كان الانفجار عرضيا وغير مخطط له، إلا أن سياق الأحداث وتراكم الوقائع التراجيدية، يفتح الباب لقراءة ما حصل منسوبا إلى أطراف بعينها، هي ذاتها التي دمرت في العقدين الأخيرين عدة حواضر عربية في سوريا والعراق.

انفجار بيروت جاء ليربط بين الملفات، ويعيد طرح قضايا المنطقة التي يجمع بينها التدخل الإيراني في شؤون البلدان العربية.

استغرق انفجار بيروت دقيقة واحدة. ربما أقل بقليل أو أكثر بقليل. هذه الدقيقة هي بمقياس سنة في حلب الشرقية التي دمرها الطيران الحربي الروسي وبراميل بشار الأسد المتفجرة، وهجر أهلها في نهاية العام 2016، وكانت زيارة قائد فيلق القدس قاسم سليماني للمدينة فعلا يتجاوز في معانيه الجرائم ضد الانسانية، إلى العار الأخلاقي الأبدي الذي سيظل يلاحق إيران وروسيا والأسد.

سنة في حلب أو أكثر من أجل تدمير جزء من المدينة من دون أي إحساس بالذنب تجاه السكان أو العمران. هذا أمر لا علاقة له بالمساءلة عن الجريمة من عدمها. وقد لا يأتي الوقت والظرف وموازين القوى التي تسمح بمحاسبة إيران وروسيا والأسد على هذه الجرائم في المدى المنظور، ولكن المنطق يقول إن معادلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن تمر، هو الذي عامل حلب كما تصرف تجاه غروزني الشيشانية التي هدمها جيشه تحت إشراف رئيس الأركان فاليري غراسيموف قائد معركة تدمير غروزني. وكان في حسابات بوتين أن العالم سوف يخضع له، ويمنحه المال من أجل إعادة إعمار حلب وغيرها من المدن التي دمرها في سوريا، ولكن هذا لم يحصل، بل واجهته الولايات المتحدة بقانون قيصر الذي من بين بنوده حرمان روسيا من ترجمة النصر العسكري إلى رصيد سياسي لإعادة إنتاج الأسد.

انفجار بيروت جاء ليربط بين الملفات، ويعيد طرح قضايا المنطقة التي يجمع بينها التدخل الإيراني في شؤون البلدان العربية، لبنان، سوريا، العراق، اليمن. ولذلك لا يفيد أي حل في لبنان من دون معالجة الوضع في سوريا والعراق، لأن دور حزب الله في سوريا أحد أسباب تعطيل الدولة اللبنانية، ووجود ميليشيات الحشد الشعبي في العراق هو الذي يمنع الدولة العراقية من النهوض بدورها، وهذا أمر صار ثابتا ومتعارفا عليه منذ عدة سنوات، ويتجلى في صورة صريحة اليوم من خلال عرقلة عمل حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو هل تلوح فرصة لكف يد إيران وأذرعها في سوريا والعراق؟

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو هل تلوح فرصة لكف يد إيران وأذرعها في سوريا والعراق؟ يتوقف هذا على أمرين: الأول هو مدى الضغوط التي سوف تمارس على إيران في لبنان. والثاني نوعية الصفقة التي ستعرض عليها من أجل سوريا والعراق. ويبدو من خلال كواليس زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى بيروت الأسبوع الماضي أن المسألتين على الطاولة. وهناك قرار أوروبي أميركي بممارسة أقصى الضغوط على إيران من أجل تحجيم دور حزب الله في الداخل اللبناني. إلا أن التقدم منوط بحل عقدتين: الأولى هي، سيطرة الحزب على المنافذ البحرية والبرية والمطار، والثانية هي، وجود قواته التي تنتشر في عدة محافظات في سوريا، وخصوصا في دمشق ومحيطها. ومن دون حل هاتين العقدتين لن يتغير شيء في واقع الحال بلبنان، وستتفاقم الأزمة أكثر مما هي عليه اليوم. ولا شك أن إيران لن تقدم أي تنازل مالم تكن هناك ضغوط تجبرها، ومغريات تجعلها تتساهل.

الرئيس ماكرون قال إن أمام لبنان مهلة شهر كي يباشر ورشة الإصلاحات، والتي تعطي الأولوية لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، وتشكيل حكومة للنهوض بمهمة الإصلاح. ومن هنا حتى أول الشهر المقبل يظل التوتر سيد الموقف، والمنطقة مفتوحة على شتى الاحتمالات.