الهجرة إلى العالم الافتراضي كيف نقلل المسافة في التعليم عن بعد؟

2020.04.29 | 00:00 دمشق

52838075_401.jpg
+A
حجم الخط
-A

ما إن اجتاح فيروس كورونا العالم حتى سارعت الحكومات إلى اتخاذ إجراءات سريعة لقطع سلسلة انتشاره، وطالت هذه الإجراءات والتدابير معظم القطاعات الحيوية ومنعت التجمعات وأغلقت بشكل شبه تام الأماكن العامة التي اعتاد الناس على ارتيادها، ومن هذه الأماكن مؤسسات التعليم التي تضم أعدادا كبيرة تقدر بالملايين في كل دولة من طلاب وإداريين ومعلمين وأكاديميين.

ومنعاً لتوقف هذا القطاع الحيوي هرعت وزارات التربية والجامعات إلى تطبيق منهج جديد هو التعليم عن بعد من خلال الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة وشبكة الإنترنت والمنصات التعليمية التي توفرها شركات عالمية متخصصة في هذا المجال. وهنا كانت الشرارة التي أطلقت جدلاً واسعاً في أوساط المعلمين والفنيين والإداريين والطلاب وذويهم حول فعالية هذه الخطوة كآلية للحفاظ على دوران عجلة التعليم في المدارس والجامعات، فمنهم من أيدها ومنهم من ذهب بعيداً للقول إن لم نمت من كورونا سنموت من التعليم عن بعد.

ما هو التعليم عن بعد؟

يقصد بالتعليم عن بعد استخدام تكنولوجيا الاتصال وتقنيات الكمبيوتر في عملية التعليم، أي استخدام الكمبيوتر والمنصات التعليمية كوسيط لنقل المعلومات بين المعلم والطالب. وهو مفهوم يغطي أنشطة التعليم والتعلم في المجالات المعرفية و/ أو النفسية والعاطفية للمتعلم، يتميز بالاتصال غير المتواصل، ويمكن تنفيذه في أي مكان وفي أي وقت، مما يجعله جذاباً للبالغين الذين لديهم التزامات مهنية واجتماعية.

في حين يصف البعض التعليم عن بعد بأنه ليس أكثر من خليط من الأفكار والممارسات المأخوذة من إعدادات الفصول الدراسية التقليدية والمفروضة على المتعلمين الذين تصادف أنهم انفصلوا جسدياً عن المدرس الذي تحول دوره من مصدر المعرفة إلى ميسر لها بسبب الاستخدام المكثف للتكنولوجيا في هذا النموذج من التعليم. وعلى الرغم من أن التعليم عن بعد قد يشبه التعليم التقليدي السائد، فإن أسسه الفلسفية والنظرية وكذلك أساليب ممارسته متميزة، بسبب هذا التشابه، غالباً ما يُساء فهم عبارة التعليم عن بعد على أنها لا تعني أكثر من شكل من أشكال التعليم التقليدي المعزز بتقنيات المعلومات والاتصالات.

تم استخدام مصطلح التعليم عن بعد لأول مرة في تسعينيات القرن الماضي، وقد عزز تطور التقنيات الحديثة نمواً مذهلاً بعدد الطلاب الملتحقين فيه أو في عدد الجامعات التي تضيف التعليم عن بعد إلى مناهجها الدراسية، إلا أنه لا يزال يكافح من أجل الاعتراف به من قبل المجتمع الأكاديمي التقليدي. ويتبع التعليم عن بعد مساراً مستقلاً بخيارات تجعله مجالاً علمياً وبحثياً مستقلاً داخل شبكة العلوم التعليمية.

 وبغض النظر عن إيجابيات وسلبيات هذا النوع من التعليم إلا أنه يشكل تحدياً جديداً أمام المؤسسات التعليمية إلى جانب التحديات الأخرى التي تواجهها، خاصة إذا ما علمنا أن هذا النموذج من التعليم لم يكن يحض باهتمام الكثير من المؤسسات التعليمية في عالمنا العربي قبل أزمة كورونا بل كانت تنظر إليه بعين الشك والارتياب. لكن تفشي جائحة كورونا دفعها إلى إعادة التفكير في استخدام التعليم عن بعد كإحدى آليات إدارة الأزمة ومدى فعاليتها والاستعدادات اللازمة لتنفيذها على نحو يضمن كفاءتها واستمرارها وتفاعل الطلاب معها بشكل إيجابي.

 

المسافة وغياب التفاعل في التعليم عن بعد

ما إن انطلقت التجربة العملية في معظم الجامعات حتى بدأت تتكشف عيوب التعليم عن بعد لدى الطلاب والمعلمين وما رافقها من مشاكل تقنية وغياب البنية التحتية التي يحتاجها من ضرورة توافر كوادر مدربة قادرة على التعامل مع أدوات التكنولوجيا الحديثة والأدوات التي توفرها المنصات التعليمية، وهذا الأمر ذاته ينطبق على الطلاب الذين وقعوا في حيرة من أمرهم وبدؤوا يبحثون عن الحلول الناجعة للمشاكل التي تواجههم يومياً خلال الدروس، إلى جانب عدم توفر حزم إنترنت ذات سرعة عالية لدى غالبية الطلاب قادرة على نقل الصوت والصورة بدون تقطع.

من أهم المشاكل التي واجهت المعلمين والطلاب خلال الأسابيع الأولى من التعليم عن بعد هي اختلاف المناخ التعليمي بين الفصول الدراسية التقليدية والفصول الافتراضية حيث وجدوا أنفسهم منفصلين جسدياً تجمعهم بالكاد شاشة إلكترونية وبضع كلمات يعرضها المعلم عليها، الأمر الذي أفقدهم الاتصال المباشر والتفاعل المعتاد بينهم، وهو ما طرح تساؤلاً في أذهان كثير من المعلمين، كيف يمكن تقليص المسافة التي تفصلهم عن طلابهم بالتعاون مع الأدوات التكنولوجية التي توفرها لهم المنصات التعليمية؟

يعتبر التفاعل أمراً أساسياً لفعالية برامج التعليم عن بعد بالإضافة إلى البرامج التقليدية، وهناك ثلاثة أنواع لهذا التفاعل، وهي تفاعل الطالب - المعلم الذي يشكل حجز الزاوية في نظرية التعليم عن بعد، وغالباً ما  يعكسه الحوار بين المعلم وطلابه داخل الفصل الافتراضي إضافة إلى التغذية الراجعة، وتفاعل الطالب مع المحتوى التعليمي من خلال عرض محتوى معرفي يتناسب مع هذا النوع من التعليم يأخذ بعين الاعتبار البعد بين المعلم والطالب (مسافة التعامل) وعدم وجود اتصال مباشر بينهما، وتفاعل الطالب - الطالب من خلال تبادل المعلومات والأفكار والحوار الذي يحدث بين الطلاب داخل الفصل الافتراضي وخارجه، سواء كان ذلك يحدث بطريقة منتظمة أو غير منتظمة.

في أدبيات التعليم عن بعد يشير مصطلح المسافة أو مسافة التعامل إلى المساحة النفسية أو مساحة التواصل التي يجب أن يتم تجاوزها أو قطعها وهي مساحة قد تكون منشأ لسوء الفهم بين المعلم والطالب. إذاً المسافة ليست فقط هي البعد الجغرافي ولا تقاس بالأميال أو الكيلومترات، فالبعد يمكن أن يكون عاطفياً أو سياسياً أو تعليمياً ولا يقتصر فقط على مساحة المكان، وهذه المسافة تقاس بدرجة التفاعل بين المدرسين والمتعلمين، كلما ازدادت هذه المسافة زاد البعد وقلت إنتاجية الطلاب والعكس صحيح، وهذه نقطة مهمة يجب أخذها بعين الاعتبار في التعليم عن بعد.

ويمكن إدارة هذا البعد من خلال ثلاث طرق هي الحوار الذي يتم تطبيقه بين المدرس والطالب وتصميم المحتوى أو البرنامج التعليمي لأنه يؤثر على المسافة فسوء التصميم سيؤدي إلى زيادة هذه المسافة، واستقلالية الطالب وهي الحرية الممنوحة للطالب لاختيار نمط التعليم المناسب.

ما الذي يتوجب علينا تقديمه للطلاب؟

خلال هذه المرحلة الاستثنائية التي يمر بها طلابنا يجب أن يكون تركيزنا على ثلاث نقاط رئيسية وهي الاستمرارية، والتواصل، والعناية أو الرعاية. فيما يتعلق بالنقطة الأولى وهي الاستمرارية، يجب أن نوفر للطلاب شيئا من الإجراءات أو الإرشادات التعليمية التي تساعدهم في التعرف على البرنامج والإنخراط في التعليم عن بعد وفتح مجال للنقاش في أي ساحة ممكنة للحوار عبر الإنترنت. أما التواصل فلا يقل أهمية عن الاستمرارية وبدون هذا التواصل فإن المسافة سواء كانت اجتماعية أو عاطفية سوف تكون متزايدة وسيكون مدى انخراط الطلاب منخفضاً أيضاً.

وللتغلب على فقدان التواصل في التعليم عن بعد يجب أن يكون هناك تواصلات مستمرة وواضحة بنفس الوقت بمعنى يمكن أن يكون هناك إعلانات دورية توضح للطلاب ما يتوقع أن يقوموا به خلال الأسبوع المقبل على سبيل المثال، ويجب أن يكون هناك خط واضح للتواصل والتقدم المحرز يتم مشاركته مع الجميع. كما يجب أن يكون المدرس موجوداً بشكل مستمر لأن التدريس عن بعد هو ليس عبارة عن محاضرة أسبوعية فقط، وإنما هو عبارة عن برنامج تعليم متكامل يستمر طيلة الأسبوع كأن يكون هناك تواصل يومي بين المعلم والطالب.

أما العناية فهي عامل مهم جداً يقتضي أن نقدم للطلاب في هذا الوقت العصيب الذي يمرون فيه الرعاية الممكنة، فالطلاب في هذه الفترة يشعرون بالتوتر ويجب ألا نزيد من توترهم من خلال التدريس عن بعد. ويمكن أن يتم ذلك من خلال عدة أمور مثل استخدام لغة تحفيزية للطلاب خلال التواصل معهم، وأن يكون هناك مراجعة دورية لضمان انخراط جميع الطلاب في البرنامج التعليمي، كما يتوجب متابعة الطلاب للتأكد من عدم مواجهتهم صعوبات في الوصول إلى الإنترنت لأن بعضهم قد لا يكون مطلعاً بما فيه الكفاية. إلى جانب الرعاية بالطلاب يجب على المدرسين الاهتمام بأنفسهم أيضاً وأن يخصصوا وقتاً لهذا الجانب وهذا يعني أنه لا يفترض بالمدرس أن يكون موجوداً 24 ساعة على الإنترنت، يجب أن يكون هناك وقت محدد يجب على المدرس ألا يعمل بعده.

من العوامل الأخرى التي تؤثر على المسافة في التعليم عن بعد هو المحتوى التعليمي، يجب تصميم محتوى يتناسب مع البيئة الجديدة للتعليم باستخدام بعض الأدوات التي توفرها مواقع متخصصة مثل Padlet  و Trello و Googleclassroom وأن يتضمن المحتوى الأهداف التي نرغب بتدريسها أو تطبيقها عبر الإنترنت والمحاضرات والاطلاع على المصادر المفتوحة والوسائط الإعلامية من فيديو وصور ومقاطع صوت ونشاطات تزامنية يقوم بها الطلاب سوياً إضافة إلى الإعلانات الأسبوعية التي تساعد في نجاح التعليم عبر الإنترنت .

أخيراً، نحن لسنا بصدد مقارنة تجربة التعليم عن بعد بتجربة الحرم الجامعي التقليدي أو تقييم نجاح هذه التجربة أو تلك بقدر أنه يجب أن نتجاوز الأزمة التي نمر بها بأقل الخسائر الممكنة، لذا يمكن الاستعانة بالتعليم عن بعد كبديل مؤقت لنظام التعليم الاعتيادي إلى حين الانتهاء من أزمة كورونا حفاظاً على صحة الطلاب والكادر التدريسي واستمرار العملية التعليمية، لذلك يعتبر هو الحل الأمثل للتعامل مع الأزمة التي يعيشها العالم حالياً.

كلمات مفتاحية