لماذا لا يكتسب السوري في تركيا صفة اللاجئ؟

2021.08.13 | 05:22 دمشق

syrians-in-turky.jpg
+A
حجم الخط
-A

بالرغم من أنه يطلق على السوريين الموجودين على الأراضي التركية مصطلح "لاجئين" في الأماكن العامة ووسائل الإعلام وأحياناً من قبل الحكومة ذاتها، فإنهم في حقيقة الأمر ليسوا كذلك، بل إنهم تحت نظام خاص يسمى "الحماية المؤقتة"، والمكانة القانونية التي يمنحها هذا النظام تختلف بشكل كبير عن المكانة الممنوحة للاجئ بموجب اتفاقية جنيف لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، أي أنهم لا يستفيدون من المزايا والحماية التي تقدمها هذه الاتفاقية.

فمنذ بداية وصول السوريين إلى تركيا في العام 2011، اعترفت الحكومة التركية بهم كـ"تدفق جماعي" لأشخاص هاربين من الإجراءات الأمنية والعمليات العسكرية ولم يتم اعتبارهم ساعين للحصول على اللجوء، ووضعت لهم نظاماً خاصاً يعتمد على بعض التوجيهات الصادرة عن الحكومة.

وحتى صدور قانون الأجانب والحماية الدولية عام 2014 بقي السوريون في تركيا يعاملون على أنهم ضيوف وحالة مؤقتة ستنتهي في وقت ما، وكانت اللغة التي تتحدث عن الضيوف والمهاجرين والأنصار شائعة في الخطاب التركي الرسمي، الأمر الذي وضعهم ضمن مكانة قانونية غامضة تعتمد على بعض التوجيهات الإدارية التي كانت تصدر بين الحين والآخر.

هذا الوضع القانوني الملتبس لوضعهم جعلهم يبدون وكأنهم مجرد ضحايا، مسلوبي الهوية السياسية، بدلاً من النظر إليهم كشعب يكافح من أجل الحرية.

ومع ذلك اتبعت الحكومة التركية تجاه السوريين في البداية سياسة تقوم على ثلاثة أركان وهي: سياسة الحدود المفتوحة، ومنع الإبعاد القسري والترحيل، وقيام السلطات التركية بتغطية الاحتياجات الإنسانية للمقيمين في المخيمات، لكن الواقع على الأرض كان يشير إلى أن الركنين الأول والثاني لم يطبقا بشكل دائم. ومع مرور الوقت، دفع استمرار تدفق السوريين إلى الأراضي التركية بأعداد كبيرة الحكومة إلى إعادة تقييم الوضع القانوني، حيث ظهرت ثغرات في إدارة الأزمة على الأرض، وتم تخصيص القدرات الفنية والمالية لإنشاء مؤسسات جديدة - مثل الإدارة العامة للهجرة - وإصدار تشريعات جديدة تتلاءم مع الوضع الجديد.

في عام 2014 دخل قانون الأجانب والحماية الدولية حيز التنفيذ وبموجبه تم وضع السوريين تحت نظام "الحماية المؤقتة"، ونصت المادة (91) منه على أنه "يمكن تقديم الحماية المؤقتة لأجانب اضطروا لمغادرة بلدهم ولا يستطيعون العودة إليه، ووصلوا إلى الحدود التركية أو عبروها في تدفق جمعي بحثاً عن حماية مؤقتة أو فورية". وبموجب هذا القانون لا يخضع السوريون لإجراءات الطلبات الفردية للحماية الدولية طوال فترة وضعهم تحت الحماية المؤقتة، لكن بإمكانهم الحصول على بطاقة خاصة بالأجانب تشرعن وجودهم على الأراضي التركية، وتمكنهم من الحصول على بعض الخدمات الصحية إضافة إلى التعليم. وحددت المادة (93) من القانون المذكور الأشخاص الذين سيتمتعون بالحماية المؤقتة وهم "الأشخاص الذين لا يمكن إطلاق صفة اللاجئ أو اللاجئ بشروط عليهم... والذين سيواجهون في حال تمت إعادتهم إلى بلد المنشأ أو بلد الإقامة الحكم بالإعدام أو سيتعرضون للتعذيب".

وبناء على هذا القانون تم تصنيف الأجانب في تركيا في ثلاث مجموعات هي، اللاجئون، وهم الأشخاص القادمون من بلدان مجلس أوروبا ويتقدمون بطلبات لجوء في تركيا ولا توجد إحصائية دقيقة لهؤلاء لكن يتوقع ألا يتجاوز عددهم 50 شخصاً. واللاجئون بشروط وتعرف أيضاً هذه المجموعة بنظام الحرية المحددة أو المراقبة، وهم اللا أوروبيون، أو الأفراد القادمون من خارج أوروبا حيث يجري تسجيلهم لدى إدارة الهجرة ولدى المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، وينتظرون في تركيا إلى حين توطينهم في بلد ثالث، ويشمل الأشخاص القادمين من إيران، وباكستان، والعراق قبل عام 2014.

أما المجموعة الثالثة فيطلق عليها الحماية الثانوية وتضم الأفراد الذين لا يندرجون ضمن الصنفين السابقين، لكن يمكن أن يواجهوا بالموت أو التعذيب والعنف إن عادوا إلى أوطانهم، ولهؤلاء فرصة في العلاج المجاني والعمل، وعددهم غير معلوم. أما السوريون فلا يندرجون ضمن الفئات الثلاث المذكورة أعلاه.

بالرغم من وضع السوريين تحت نظام الحماية المؤقتة الذي ترافق مع التخلي عن لغة "الضيوف"، فما يزال هؤلاء يعتبرون "ضيوفاً". وهذا يعني أنه، على المستوى الاجتماعي، لا يعتبرون جماعة تبحث عن ملجأ،

وبالرغم من وضع السوريين تحت نظام الحماية المؤقتة الذي ترافق مع التخلي عن لغة "الضيوف"، فما يزال هؤلاء يعتبرون "ضيوفاً". وهذا يعني أنه، على المستوى الاجتماعي، لا يعتبرون جماعة تبحث عن ملجأ، يجب أن يكفل القانون التركي حقوقها كجماعة لاجئين. بل يعتبرون حالة خيرية، يعتمد وجودها في تركيا حصراً على مدى كرم وضيافة المجتمع التركي.

لذلك انتشرت عبارات من مثل "السوريون ضيوف غير مرغوب بهم"، "الضيف لا يطيل البقاء إلى هذا الحد"، "يا غريب كون أديب"، وهذا يعني أن على السوريين أن يتصرفوا وفقاً للقواعد التي يحددها السكان المحليون، وأن وجودهم ينبغي أن يكون محدوداً في أماكن بعينها -المخيمات تحديداً- وأنه ينبغي عليهم بالتالي أن يعيشوا في عزلة، بعيداً عن الفضاءات العامة كالحدائق، والساحات، والملاعب، والأسواق... إلخ.

لاحقاً انقلبت لغة الضيوف والضيافة التي استخدمتها الحكومة التركية في البداية بغرض التأسيس لقبول اجتماعي للسوريين، ولكن دون ضوابط قانونية تُعرِّف مكانتهم وحقوقهم، وتحولت إلى خطاب معاد للسوريين على المستوى الاجتماعي والسياسي أحياناً، يتم توظيفه لتحقيق مكاسب سياسية خاصة خلال فترات الانتخابات العامة والمحلية. وطالما أن الاضطراب القانوني مستمر، فإن الخطاب المعادي للسوريين سيصبح أقوى أكثر وأكثر.

هذه المكانة القانونية الغامضة للسوريين أدت إلى انتشار النميمة بين الجماعات المحلية التركية، وكذلك بين السوريين أنفسهم، في ظل غياب حملات توعية جدية، وسرت شائعات تتحدث عن أن السوريين يحصلون على الجنسية التركية بغرض المشاركة في الانتخابات لمصلحة الحزب الحاكم، وأن كل أسرة سورية تحصل على راتب شهري من الحكومة، وأنهم يحصلون على مساكن مجانية، ويُعالجون مجاناً حتى في المشافي الخاصة. إلى جانب ذلك يتداول السوريون شائعات مفادها أن المظاهرات المعادية للسوريين في تركيا تنظمها الأحزاب المعارضة، وهذا غير صحيح تماماً، فهناك الكثير من الأشخاص الذين ينتمون للحاضنة الشعبية للحزب الحاكم بدأت تتململ من الوجود السوري على الأقل من الناحية الاجتماعية. وترافق ذلك مع وجود مسوغات للكراهية ضدهم في عدد من الولايات مثل، ارتفاع إيجارات المنازل، وارتفاع نسبة البطالة، وتدني أجور السكان المحليين، وصعوبة متزايدة لوصول السكان المحليين إلى الخدمات الصحية.

هذا الوضع جعل السوريين أكباش فداء لمشكلات سابقة على قدومهم إلى تركيا، كما جعلهم عرضة للممارسات العنصرية اليومية. وبالنتيجة، فإن ما يدخل في التصور الاجتماعي في تركيا هو صورة السوري البائس الفار من بلده

والحقيقة المخفية هي أن هناك تدهوراً مسبقاً في نظام الرعاية الصحية الذي توفره المشافي الحكومية للمواطنين الأتراك قبل قدوم السوريين إلى تركيا في العديد من الولايات، وبخصوص مشكلات السكن، فقد كانت موجودة سلفاً في عدد من الولايات بسبب مشروع التحول الحضري الذي كان يجري في العديد من المدن التركية. أما بشأن مشكلات العمل، فإن مدينة غازي عنتاب على سبيل المثال من أكثر المدن المصنعة في تركيا، بينما معدل الانتساب لنقابات العمال فيها لا يتجاوز أربعة في المئة فقط. ما يعني أن العمال كانوا أصلاً في وضع هش، ويفتقرون إلى قنوات للدفاع عن حقوقهم في مواجهة استغلال أرباب العمل.

هذا الوضع جعل السوريين أكباش فداء لمشكلات سابقة على قدومهم إلى تركيا، كما جعلهم عرضة للممارسات العنصرية اليومية. وبالنتيجة، فإن ما يدخل في التصور الاجتماعي في تركيا هو صورة السوري البائس الفار من بلده، وليس أناساً ينتجون ثقافياً وسياسياً وفنياً واقتصادياً. لذا من الضروري بناء شبكات تضامن بين السوريين والسكان المحليين من أجل تغيير هذا التصور، لتحقيق فهم أعمق للمجتمع السوري.

إلى جانب ما تسبب به نظام الحماية المؤقتة من تعقيد لمسألة الوجود السوري على الأراضي التركية، فإنه يُؤخذ عليه الكثير من العيوب، حيث يتضمن إجراءات إدارية غالباً ما تكون معقدة وتقيد حركة الأشخاص الخاضعين له وتُصعّب انتقالهم بين المحافظات وانخراطهم في سوق العمل، ويمكن إنهاء الحماية المؤقتة وإعادة المحميين مؤقتاً إلى بلدانهم بقرار من الحكومة بناء على اقتراح وزير الداخلية دون أية ضمانات قانونية دولية كافية، وهذا يتطلب مراجعة القانون وإعادة النظر في بعض أحكامه من قبل لجان مختصة بعد الاطلاع على الثغرات التي ظهرت على أرض الواقع أثناء تنفيذه خلال السنوات الماضية، وذلك بما يتفق مع أحكام قانون اللجوء الدولي.