icon
التغطية الحية

النظام يزعم عودة مهجّرين إلى الهبيط.. ما قصة آخر بلدات جنوبي إدلب؟

2023.08.08 | 17:14 دمشق

بلدة الهبيط
محطة محروقات في بلدة الهبيط بريف إدلب الجنوبي
+A
حجم الخط
-A

يواصل النظام السوري الترويج لانتعاش اقتصادي وخدمي في المناطق التي سيطر عليها في ريف إدلب، خلال العمليات العسكرية التي دعمتها روسيا عام 2019، ويتحدّث عن عودة مستمرة للمهجّرين إلى بلداتهم الواقعة ضمن مناطق سيطرته، ليس فقط بسبب التعافي المفترض، بل أيضاً بفضل التسهيلات الأمنية التي يزعم أنها تضمن عودة العائلات من دون ملاحقات أمنية.

وكانت هذه المرة بلدة الهبيط هدفاً لدعاية النظام بعد زعمه بأنّها شهدت "عودة طوعية" لأعداد كبيرة من العائلات المهجّرة، وهي مزاعم لا أساس لها من الصحة بحسب الأهالي المهجّرين، الذين التقاهم موقع تلفزيون سوريا في مخيمات الشمال السوري.

مزاعم العودة

يروج النظام السوري لعودة المهجّرين إلى بلدة الهبيط جنوبي إدلب، وأعلن مجلس محافظة إدلب (يتخذ من مدينة خان شيخون مقراً مؤقتاً له) أن المحافظ ثائر سلهب وأعضاء في قيادة فرع حزب "البعث" زاروا البلدة والتقوا عدداً من العائلات التي عادت إليها، وتفقّدوا أحوالهم.

وقال مجلس المحافظة على صفحته الرسمية في "فيس بوك"، إنّ الهدف من الزيارة هو التأكيد على دور المجتمع الأهلي في اختيار أولويات المشاريع الضرورية للنهوض بواقع بلدة الهبيط.

وظهر عدد من أبناء بلدة الهبيط في أثناء جولة المحافظ، بينهم أشخاص معروفون من قبل أبناء البلدة المهجّرين في مخيمات الشمال السوري.

جعفر حمادة (مهجر من الهبيط ويقيم في مدينة اعزاز شمالي حلب) نفى لـ موقع تلفزيون سوريا مزاعم النظام بخصوص عودة العائلات المهجّرة إلى بلدة الهبيط، مؤكّداً أنّ "آلاف المهجّرين (أكثر من 15 ألف شخص) الموزّعين على مخيمات عدة شمالي إدلب لم يفكّروا يوماً في العودة إلى الهبيط، التي دمرتها قوات النظام والميليشيات المساندة لها، خلال اجتياحها عام 2019".

من جهته قال الدكتور حسام الدين دناور، إنّ تصريحات مسؤولي النظام بشأن تعافي المناطق الواقعة تحت سيطرتهم وبينها بلدة الهبيط، هي دعاية كاذبة.

موضحاً: "العودة إلى بلدة مدمرة تنعدم فيها الخدمات الأساسية، غير منطقية، فضلاً عن المخاطر الأمنية بعدما تحوّلت البلدات المحتلة إلى معسكرات مغلقة عاثت فيها مجموعات (قوات النمر) والميليشيات الإيرانية وتشكيلات النظام، تخريباً وتدميراً ونهباً طال كل شيء يمكن قطعه وتفكيكه وحمله وبيعه في أسواق (التعفيش)".

وأضاف "دنارو" - المهجّر في مخيمات شمالي إدلب - لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّ "عدداً من أقربائه الذين نزحوا عن الهبيط إلى مدينتي حمص وحماة وغيرهما من المناطق التي يسيطر عليها النظام، بينها بلدة الزعفرانة، لم يفكّروا بالعودة إلى الهبيط".

وتابع: "معظمهم من الموظفين لدى النظام، وهم عاجزون حرفياً، فإذا فكّر أحدهم بالعودة سيحتاج إلى مبالغ ضخمة ليعيد ترميم منزله المدمّر، علماً أن راتبه لا يكفي لتغطية مصاريف المعيشة لثلاثة أيام فقط، ولولا حوالات المغتربين لمات هؤلاء جوعاً".

وعن هوية الأشخاص الذين ظهروا في الهبيط خلال زيارة "المحافظ"، أكّد "دناور" أن "معظمهم (شبيحة) ولهم تاريخ حافل في تأييد النظام ومناهضة الثورة، بينهم شحادة الصالح وهو مدرس تربية رياضية ومعروف بين أبناء البلدة بولائه للنظام، ورضوان جلول أحد الأشخاص المعروفين - حتى قبل الثورة - بكتابة التقارير الكيدية، والتخابر مع أجهزة النظام الأمنية".

ولفت إلى أنّ "عدداً من الذين ظهروا مع المحافظ على أنهم من الأهالي العائدين، ليسوا من أبناء البلدة، وهم موالون من بلدات مجاورة".

وقال رئيس المجلس المحلي السابق لبلدة الهبيط عبد السلام جلول، إنّ "أكثر من 90% من منازل البلدة مدمرة بفعل القصف الجوي والبري لقوات النظام خلال الحملة العسكرية وقبلها، بعضها مدمّر جزئياً، وبعضها الآخر بشكل كامل، ولا يمكن ترميمها، فالميليشيات فكّكت النوافذ والأبواب، وسرقت الحديد من أسقف المنازل".

وأضاف "جلول" لـ موقع تلفزيون سوريا أنّ "النظام سمح بالفعل لثماني عائلات بالعودة الى بلدة الهبيط وهم من الموالين، كانوا نازحين داخلياً"، موضحاً أنّ "حديث النظام عن إنعاش الخدمات في البلدة هي محاولة بائسة لاستدراج المهجّرين، وللترويج لنفسه بأنه يعمل على إعادة الحياة للمناطق التي احتلها".

وأشار إلى أن "الميليشيات الروسيّة وضعت يدها على البساتين والأراضي الزراعية الخصبة في الهبيط، حتى تلك التي تعود ملكيتها إلى عائلات موالية لا علاقة لها بالثورة، ويعود ريع استثمارها إلى ضباط ومسؤولين روس في قاعدة حميميم، بعكس باقي المناطق التي تستثمرها ميليشيات محلية ومحسوبون عليها من بعثيين وموظفين في المحافظة والجمعيات الفلاحية".

"الهبيط درة الجنوب"

تقع بلدة الهبيط في أقصى جنوبي إدلب، وهي واقعة على طريق الغاب-بيت ياشوط، وتبعد عن مركز مدينة إدلب شمالاً نحو 72 كيلومتراً، وعن مركز مدينة حماة جنوباً نحو 40 كيلومتراً، ويفصلها عن ريف حماة كيلومتر واحد.

ويزيد عدد سكّان بلدة الهبيط على 20 ألف نسمة، وتعود تسميتها إلى كثرة الانهيارات الأرضية (هبوط) الكهوف والمُغر فيها، وتتربع على هضبة صغيرة تحيط بها سهول خصبة من الجهات الأربع، وتعتبر زراعة البطاطا النشاط الزراعي الأكثر شهرة في البلدة التي تتميز سهولها بالتربة الحمراء، فضلاً عن غناها بالمياه الجوفية.

درغام العمر من أهالي بلدة الهبيط، قال لـ موقع تلفزيون سوريا إنّه "مع انطلاق الثورة السورية، انتفضت الهبيط بكاملها ضد النظام السوري، وشاركت في المظاهرات السلمية، ثم انخرط معظم شبانها في تشكيلات الجيش السوري الحر لمواجهة ميليشيات النظام، لذا كانت في مواجهة حملة قصف وحشية وانتقامية في الفترة ما بين عامي 2013 و2019، وتعرّضت للقصف ببراميل متفجرة، كانت تلقيها مروحيات تقلع من مطار حماة، وفي كانون الثاني 2013 اضطر معظم سكانها للنزوح بسبب تصاعد عمليات القصف".

وخلال الحملة العسكرية التي شنتها قوات النظام بدعم روسي وإيراني، منتصف العام 2019، كانت بلدة الهبيط مدخلاً إلى ريف محافظة إدلب من جهة الجنوب، وتعرّضت لقصف جوي وبري عنيف حوّل أبنيتها إلى أكوام من الأنقاض، كما شهدت البلدة ومحيطها معارك كر وفر وتبادل سيطرة بين قوات النظام والفصائل المعارضة، قبل سيطرة النظام عليها والمتابعة نحو الشمال.

ولموقع الهبيط الاستراتيجي كبوابة جنوبية لمحافظة إدلب، فقد اختارها النظام كي يرسل منها رسائل إلى المعارضة وتركيا، وفي تشرين الأول 2019 زارها رئيس النظام السوري بشار الأسد، برفقة وزير دفاعه وعدد من قادة الميليشيات، ومن هناك اتهم "الأسد" الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه "سرق المعامل والقمح والنفط، وهو اليوم يسرق الأرض".

"فريق الهبيط الخضراء"

تميز أهالي بلدة الهبيط بالتكاتف والتعاون فيما بينهم بعد تهجيرهم، عام 2019، وتجلّى ذلك في إنشائهم قرية سكنية صغيرة (الهبيط الصغرى) قرب دير حسان شمالي إدلب، والفكرة بدأت بشرائهم قطعة أرض مساحتها 100 دونم، قُسّمت إلى محاضر (كل محضر 200 متر) بُنيت على نفقة الأهالي، وتضم القرية اليوم أكثر من 3500 نسمة، أما باقي المهجّرين من البلدة فيتوزعون على المخيمات القريبة شمالي إدلب.

ويحاول مجموعة من ناشطي بلدة الهبيط الذين شكلوا فريقاً أسموه "الهبيط الخضراء"، مد يد المساعدة إلى العائلات المحتاجة والمرضى والطلاب المتعثرين من أبناء البلدة ودعم محتاجيها، بحسب صاحب فكرة الفريق جعفر حمادة، الذي أشار إلى أنّ آخر أنشطتهم كانت دعم مرضى السرطان من أبناء البلدة.