icon
التغطية الحية

النظام والأردن في لعبة عض للأصابع على معبر نصيب

2018.08.20 | 12:08 دمشق

معبر نصيب (الحدودي مع الأردن) في ريف درعا (أرشيفية - إنترنت)
درعا - قطيفان الأحمد - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

عاد معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن، ليتصدر مشهد المنطقة الجنوبية مرة أخرى، بعدما أعلن النظام عن إعادة افتتاح المعبر بينما نفى الأردن ذلك مؤكدا أنه مازال مغلقًا، ليكشف هذا التضارب عن فجوة كبيرة في العلاقات بين الجانبين، وعن خلاف يبدو عميقًا حول آلية عمل المعبر والفائدة التي يبحث كل جانب عن جنيها من أهم المعابر البرية في الشرق الأوسط.

الجدل حول معبر نصيب لم يبدأ مع استعادة قوات النظام سيطرتها عليه، بل كانت قضية المعبر وإعادة تشغيله هي الأكثر تفاعلًا على مدار عام كامل تقريبًا، قبيل بدء الحملة العسكرية على جنوب سوريا، عندما سعى الأردن لإقناع فصائل المعارضة بإعادة تشغيل المعبر تحت سلطة النظام، على أن تتكفل الفصائل بحماية المعبر والطرق المؤدية إليه، إلا أن رفض الفصائل لهذه الشروط وتمسكها بإدارة المعبر بالكامل، أفشل المساعي الأردنية، هذا ما دفع كثيرا من المتابعين لاعتبار هذا الفشل، هو الدافع خلف دعم الأردن لاستعادة النظام سيطرته على محافظة درعا وترحيبها بعودته إلى حدوها الشمالية.

أسابيع قليلة تلت سيطرة قوات النظام على المعبر، حتى أظهرت المديريات الخدمية التابعة له جهودًا كبيرة على طريق إعادة افتتاحه، عبر تعبيد الطرقات وترميم شبكات الكهرباء والمياه، وهو ما أعطى انطباعًا إيجابيًا لدى الأردن أن عودة العمل إلى المعبر ستكون قريبة، قبل أن يفاجئ النظام جميع المتابعين بافتتاح "غير حقيقي"، واقتصار العمل على استقبال اللاجئين السوريين في الأردن، واستمرار إغلاق المعبر في وجه حركة النقل البري وحركة النقل التجاري، معلنًا عبر إعلامه الرسمي وعلى لسان محمد الهنوس، محافظ درعا، أن مهام المعبر هي استقبال "المهجرين السوريين" العائدين إلى سوريا بعد استعادة النظام سيطرته على المنطقة الجنوبية.

الحدود التي رسمها النظام لعمل المعبر و"الدراما" التي صنعها أثناء الافتتاح، والتي كانت أقرب لـ"الاحتفالات الحزبية" منها لمعبر حدودي بين دولتين، ضرب بالآمال الأردنية في إعادة الحياة للنشاط الاقتصادي عبر بوابة المملكة الشمالية، عرض الحائط، ما دفع الأردن إلى الإعلان رسميًا عن عدم تلقيه أي طلب من النظام لإعادة افتتاح المعبر، ما أدى إلى استمرار إغلاق معبر جابر المقابل لمعبر نصيب من الجانب الأردني، بشكل كامل، ليصبح افتتاح النظام لمعبر نصيب بلا معنى.

هذه القضية تُخفي العديد من الأهداف التي يسعى النظام إلى تمريرها عبر البوابة الأردنية

من المؤكد أن كلًا من الأردن والنظام يسعيان نحو إعادة تشغيل معبر نصيب، الذي ينعش كليهما اقتصاديًا ويُدرّ عوائد مالية كبيرة جدًا، لكن يبدو أن هذه القضية تُخفي العديد من الأهداف التي يسعى النظام إلى تمريرها عبر البوابة الأردنية، وبشكل أدق، يبدو أن النظام يعمل على ابتزاز الأردن ليلعب أدوارًا في خدمة النظام وتلميع صورته الدولية، مقابل افتتاح المعبر وفك الأزمة الاقتصادية الأردنية.

الضغوط التي يمارسها النظام على الأردن، تستهدف بشكل رئيسي إعادة العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء، وهو ما قد يضع الأردن في مواجهة مباشرة مع المملكة العربية السعودية، أهم حلفاء الأردن الإقليميين، وأبرز خصوم النظام إقليميًا ودوليًا، كما يبحث النظام بدعم من حليفه الروسي، إنهاء ملف اللاجئين السوريين في الأردن وإعادتهم إلى سوريا، الجهود التي يدعمها الأردن كذلك، لكنه يرفض أن تكون إعادة اللاجئين قسرًا، كما أنه يرفض استخدام سياسة الضغط والتضييق على المخيمات لدفع اللاجئين للعودة إلى سوريا، حيث يعي النظام أن غياب هذه الضغوط، ستجعل من أعداد اللاجئين العائدين إلى سوريا قليلة جدًا، وهم الذين غادروها بفعل قمع النظام العسكري والأمني لهم قبل عدة سنوات.

في المقابل، لا يمكن التقليل أبدًا من حجم المأزق الذي تمر به الأردن حاليًا، فالمملكة تعاني حاليًا من ضغوط اقتصادية وأمنية كبيرة، فهي تترقب بشدة إعادة حركة التجارة الدولية عبر حدودها الشمالية مع سوريا، وتبحث عن التخلص من الثقل الاقتصادي والأمني الكبير الذي سببه لجوء مئات آلاف السوريين إليها، وما خلفه من تداعيات على المجتمع الأردني المحلي، كما أنها تطمح إلى تعزيز التعاون العسكري مع النظام لضبط الحدود بين سوريا والأردن ومنع عمليات التسلل والتهريب.

لم يعد معبر نصيب مجرد معبر حدودي يربط بين سوريا والأردن ويجمع بين مصالحهما، بل بات اليوم ساحة لتمرير الأجندات الإقليمية والدولية، فالنظام يريد من الأردن لعب دور "العراب" لإعادة الشرعية الإقليمية والعربية له، بينما ترفض الأردن الانجرار إلى ملعب النظام والاكتفاء بعلاقات اقتصادية عادية، في الوقت الذي تعتبر فيه مصالح كل طرف منهما ضربة للطرف الآخر، لتبدأ "لعبة عض للأصابع" بين الطرفين، ساحتها معبر نصيب المغلق، الخاسر فيها من يقدم التنازلات قبل الآخر.