النظام السوري يتصرّف كـ"منتصر" والبقية يبحثون عن مخرج

2024.06.05 | 05:12 دمشق

بشار الأسد
+A
حجم الخط
-A

تتسم الأنظمة الشمولية بوجود حزب واحد يحتكر النشاط السياسي ولا يقبل أي شكل من أشكال المعارضة، وتكون فيه للدولة سلطة كاملة على المجتمع وتسعى للسيطرة على جميع جوانب الحياة العامة والخاصة إن دعت الضرورة إلى ذلك، فهي تمتلك آلة ترهيبية تعمل من خلالها على تجريم كل ما ترغب في تجريمه.

كذلك يتميز هذا النوع من الأنظمة بتحكمه في المعلومات والسيطرة على جميع وسائل الإعلام، وهي تُعرف بالعموم بسياسة التعتيم الإعلامي والتكتم على المعلومات والحقائق واستبدالها برواية السلطة.

"غمر وإغراق عوضاً عن التكتم"

مع التطور الهائل الذي شهدته وسائل الاتصال في عصر العولمة، تحوّل أسلوب هذه الأنظمة من التكتم الشديد إلى إغراق الساحة الإعلامية بالأخبار والشائعات التي تهدف إلى التضليل المتعمد، وتلجأ هذه الأنظمة من أجل ترويج روايتها إلى ما يسمى بلغة الإعلام بالغمر الإعلامي، بمعنى أنها تجنّد عدداً كبيراً من الإعلاميين عبر شتى وسائل الإعلام، بحيث تجعل المتابع يبدو وكأنه محاصر أو عالق في دوامة تكاد تتحكم بأفكاره وتصوراته.

ولعل أي متتبع للتحليلات والتنبؤات السياسية التي أطلقت حول السياسة والإجراءات المتبعة من قبل النظام السوري يستطيع أن يلاحظ الكم الهائل من التضليل الذي ترك مفعوله فيما قيل ويقال في الشأن السوري، كما يستطيع أن يلاحظ كم من الجهد بذل للرد على رواياته في موقف يطغى عليه الأسلوب الدفاعي عوضا عن الهجوم.

"غياب المعلومة الدقيقة سيد الموقف"

من ناحية ثانية، بعد أن ارتكب النظام السوري ما ارتكبه من جرائم بحق الشعب السوري على مرأى العالم وفي وضح النهار أصبحت الغالبية العظمى من حكومات العالم تشعر بالعار إن هي اضطرت للتعامل مع هذا النظام كسلطة أمر واقع، وهذا ما جعل هذه الحكومات والأنظمة تحاول التكتم قدر الإمكان على الأخبار المتعلقة بهذه الاتصالات التي تأخذ الطابع السري في معظم الأحيان.

ونتيجة للحرج الشديد الذي تواجهه الشخصيات الرسمية عندما تكون اللقاءات علنية، أو عندما تكشف، تحاول هذه الجهات تقديم تبريرات لا تتسم بالدقة والمصداقية الكافية لكي يُبنى عليها تحليل متزن.

أما المصدر الداخلي (الداخل السوري) فهو الأقل قيمة، كونه أكثر ضحايا التضليل تضرراًـ، لذلك، فما يصدر عنه لا يعدو عن كونه تجسيداً لما يريده النظام أن يقال، وهكذا يصبح غياب المعلومات الدقيقة سيد الموقف.

"لعبة صفرية"

إذن والحال كذلك، تبقى التنبؤات التي تطلق استناداً إلى معرفة السوريين بطبيعة النظام الذي حكمهم لما يربو عن نصف قرن هي الأكثر دقة فيما يخص استحالة قبوله بما قد يشكّل خطراً على بقائه واستمراره، فهو لن يتنازل عن أدوات القوة والترهيب التي ضمنت بقاءه مهما كلف الثمن، خصوصا وأن النظام السوري لم يستح يوما برفعه شعار "إلى الأبد"، بمعنى أنه لن يتخلى عن السلطة المطلقة غير المقيدة، لا الآن ولا في المستقبل إلا بالقوة.

وبعد أن اطمأن النظام السوري لغياب احتمال سقوطه بالقوة، وأصبح يطمح لإسقاط خصومه بالقوة، حيث بات يمارس مع الخصوم لعبة صفرية، أي هو يرغب بأن تكون مكاسبه مساوية لخسائر الطرف الآخر، أو لنقل بشكل أدق إنه يرغب بالحصول على كل شيء في مقابل تجريد خصومه من كل شيء.

"موارد القوة"

يستند النظام السوري في موقفه المتصلّب إلى عدة موارد تعضد موقفه، فاللاجئون يسببون الأرق للدول المضيفة في مقابل تخففه من عبء وجودهم تحت سلطته، وتجارة الكبتاغون التي تشكّل مورداً مهماً، يخفّف من ضائقته الاقتصادية، وتشكّل في المقابل تهديداً للأمن القومي لدول المنطقة.

من هنا، فهو يسعى عبر عملائه وأجهزته الأمنية لجعل ملف اللاجئين أكثر تعقيداً من خلال خلق بيئة متوترة تجعل اللاجئ والمستضيف يشعر بالضائقة ويضغط من أجل الحل، أما فيما يخص تجارة الكبتاغون فهو يحاول أن يجعلها مصدر قلق متزايد لدول الجوار من خلال إضافة تهريب الأسلحة والإتجار بها.

إنه عبر هذه الوسائل وغيرها يحشر الآخرين في الزاوية، فإمّا تحمل الضغوط المتزايدة، وإمّا التوجه نحو القوى الدولية الوازنة من أجل رفع العقوبات وتقديم المساعدات، أما لمن يعولون على تمرد الشعب القابع تحت سلطته، فإنه يقدّم البرهان تلو البرهان بأن هذا التعويل ليس في محله.

"لعبة ذات حافز مختلط"

تحت وطأة الشعور بالعار وتهربا من الشعور بالإذلال، ترغب القوى الإقليمية ومن خلفها القوى الدولية ألا تكون اللعبة صفرية، وتدفع لأن تكون لعبة ذات حافز مختلط فيها مزيج من المصالح التنافسية والتعاونية، الخسائر فيها تكون أقل من الأرباح، وباختصار شديد: هي تريد مقابلا تحفظ به ماء وجهها.

ولأنّ النظام السوري غير مرتاح تماماً، يبدو أنه منهمك بصياغة بعض الإجراءات التي تبدو وكأنها انصياع للمطالب التي تلقاها مقابل فك عزلته وإعادة تعويمه، صياغة لإجراءات مظهرها إصلاحات وانزياحات، وفحواها لا شيء من الناحية العملية، وخصوصا فيما يتعلق بسياسته الداخلية.

وهو يعتقد أن هذا هو المطلب الحقيقي للدول الإقليمية، وما الشروط التي يشترطونها عليه سوى شروط القوى الكبرى، التي يمكن لها أن تتنازل فيما لو زادت القوى الإقليمية من الشكوى والإلحاح.

بالعموم تبدو التحليلات والتنبؤات المتفائلة منافية للواقع، فالعالم يشعر أن دماء السوريين قد بردت وحان وقت التنازلات، لذلك ما على السوريين سوى إعادة تذكير العالم بجرائم النظام بشتى الوسائل، وبمبادرة استباقية، عساهم أن يجعلوا العار يبدو أكثر عاراً، فالنظام يتصرّف كمنتصر والبقية ينتظرون أن يقدم لهم ما يحفظ ماء الوجه.

ملاحظة لا بد منها: قد تكون أفكار هذا المقال متأثرة بالتضليل الإعلامي والحرب النفسية، لأنهم مصممون على أن يبقى السوريون آخر مَن يعلم بما يدور حولهم، سواء قبل الثورة أو بعدها.