النظام البرلماني ومدى توافقه مع تجربة التحول الديمقراطي في سوريا

2023.08.10 | 19:11 دمشق

النظام البرلماني ومدى توافقه مع تجربة التحول الديمقراطي في سوريا
+A
حجم الخط
-A

كثر التكهن والحديث عن طبيعة نظام الحكم السياسي وشكله الذي ممكن أن تكون عليه سوريا بعد سقوط نظام حكم الديكتاتور بشار الأسد، وفي الفترات الأخيرة دار الكثير من الندوات والحوارات السياسية التي ناقشت الأنظمة التي ممكن أن تتوافق مع تطلعات الشعب السوري وتناسب ظروفه الاجتماعية، وإمكاناته الاقتصادية، وتنوعه العرقي والطائفي.

وانطلاقا من هذا كان لا بد من الوقوف على مفاصل كل نظام سياسي وماهيته وإسقاطها على الحالة السورية، وتوقع مدى نجاحها أو فشلها بالنظر للحالة السورية الراهنة والمتوقعة مستقبلاً، وسنتناول اليوم في هذه المدونة النظام البرلماني وخصائصه ومدى توافقه مع الحالة السورية.

النظم البرلمانية

أشهر النظم البرلمانية هو ذلك المعمول به في بريطانيا، يستند هذا النظام إلى أسس عديدة، أولها وجود السلطة التنفيذية ثنائية القرار وعادة ما تكون منقسمة بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة، وهو إما أن يكون الملك في الملكيات الدستورية، أو أن يكون رئيس الدولة.

وثانيها وهو الأهم المسؤولية السياسية للحكومة التي تجعلها تحت مراقبة البرلمان الذي يتابع سياساتها وبرامجها ومشاريعها، وفي هذا النظام يحق للبرلمان حجب الثقة عن وزير ما أو عن الحكومة بشكل كامل مما قد يعرض دول هذا النظام لعدم الاستقرار نتيجة لاحتمالية عدم قدرة حزب واحد أو تكتل حزبي من السيطرة على الحكومة، فقد شهدت العديد من الدول التي تتبع النظام البرلماني مراحل فوضى وعدم استقرار نتيجة لتعدد مكوناتها العرقية أو الطائفية أو تياراتها الفكرية السياسية.

في النظام البرلماني منصب رأس الدولة يقع نظريا فوق رأس الحكومة، ولكن السلطة الحقيقية تقع بيد رأس الحكومة، وأما رأس الدولة فهو منصب شرفي فقط، وتكون السلطة فعليا بيد رئيس الوزراء، وهناك دول كثيرة تتبع هذا النظام، على الرغم من وجود منصب الملك أو الملكة أو الأمير فيها، ولكنه ليس أكثر من منصب شرفي.

يتم في النظام البرلماني دمج السلطتين التنفيذية والتشريعية معا، وهو النظام الأكثر انتشارا في العالم، مثل: كندا، أستراليا، نيوزلندا، والهند، إضافة إلى دول أخرى تنتهج هذا النظام مثل اليابان والدانمارك وهولندا.

سوريا والنظام البرلماني

عاشت سوريا فترات متقطعة مع النظام البرلماني ما بين عامي 1930 و 1963 كان بعضها ناجحا نسبياً وبعضها الآخر فاشلاً نتيجة لتدخلات عسكرية أو انقلابات سياسية أو فشل برلماني في تشكيل حكومة بسبب تدخل أجندة خارجية، أو لسيطرة الاحتلال الفرنسي على مفاصل ومؤسسات الدولة آنذاك، كانت تلك الفترات خصوصاً بعد عام 1950 ممتلئة بالصراعات السياسية الدولية والإقليمية، مما حد من عمل الديمقراطية وحرية البرلمان، قد تتشابه الحقبة القادمة في سوريا مع حقبة التجربة السياسية السورية بين أعوام 1930 و 1963 وبالتالي من المحتمل أن يفشل النظام البرلماني إذا تم تطبيقه في المرحلة الأولى القادمة، نتيجة لكثرة الأجندة الدولية الفاعلة في سوريا، والتي من المتوقع أن تكون فاعلة بشدة في المرحلة الأولى من بعد سقوط منظومة بشار الأسد من خلال أحزاب أو غيرها، مما سيؤدي إلى حالة فوضى متجددة وخلّاقة لمراحل فشل جديدة.

الشهور الأولى أو السنين الأولى من عملية التحول الديمقراطي ذات تأثير حاسم على مسارها لذلك ينبغي أن يكون هناك نظام مستقر سياسياً يمكّن من عملية التحول الديمقراطي بالشكل الصحيح، وقد لا يكون النظام البرلماني هو الخيار الأنسب لتلك المرحلة، حيث إنه في  تلك المرحلة تحتاج البلاد إلى دفة سياسية واحدة تأخذ ثقة الشعب وتعمل لأجله، وتحديداً ينبغي أن يكون التمثيل من قبل الشعب بشكل مباشر، أي أن كل عملية انتخابية لرئيس أو لتفعيل دستور يجب أن تمر من الشعب بشكل مباشر دون الحاجة لدخولها بين تيارات البرلمان وكل هذه الشروط قد لا توفرها الأنظمة البرلمانية المتعارف عليها.

مزايا النظام البرلماني

تساعد الأنظمة البرلمانية في الحفاظ على تماسك الدول التي يتصف تركيبها السكاني بالتعددية، لأنها تمثل مختلف الفئات الاجتماعية، وهذه من النقاط التي ممكن أن تكون إيجابية لكافة مكونات المجتمع السوري فمن شأنها أن تضمن حقوق الجميع، ولكن يتم هذا في تلك الدول التي يكون فيها التمثيل السياسي والبرلماني حقيقياً ومن قبل الشعب، وليس في دول خرجت حديثاً من صراعات أرهقتها وأصبحت ميداناً لمنافسة قوى دولية والذي سينعكس بشكل كبير على طريقة سير العملية السياسية فيها.

النظام البرلماني يساهم في وجود نوع من الانضباط الحزبي، لأن الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية هو الذي يشكل الحكومة، ومن هنا، فإن الحكومة سوف تتمتع بغالبية برلمانية مساندة لها، مبدئيا ليس من المتوقع أن تكون هناك أحزاب مسيطرة في الفترة الأولى بعد سقوط النظام السوري الحالي، ومن الممكن أن يبقى البرلمان في حالة عدم استقرار مستمرة إلى أن تقوم الأحزاب الفاعلة بالحياة السياسية بتطوير قاعدتها الشعبية بشكل حقيقي، كي تستطيع تشكيل حكومات بمفردها وهذا قد يتطلب عقودا من الزمن.

عيوب النظام البرلماني

يجمع السلطات في يد رئيس الوزراء، والرقابة قد تضعف في حال وجود انضباط حزبي قوي وقد يؤدي إلى صعوبة في اتخاذ القرار، وإلى إضعاف الحكومة في حالة التحالفات المعقدة وإلى عدم الاستقرار السياسي، في حالة عدم حصول أي حزب على الأغلبية مما يؤدي إلى عدم الاستقرار للحكومة.

رئيس الحكومة قد لا يتمتع بشعبية كبيرة، ويضعف تلك الهيبة والرمزية للدولة ومن المحتمل أنه ستكون الولاءات الضيقة حزبيا ذات تأثير وتطفو على السطح، ولكن بشكل عام النظام البرلماني نظام غير فعال في الدول السياسية الصاعدة حديثا في تجربتها الديمقراطية، فهو يحتاج إلى وعي وإدراك سياسي عالي المستوى، إضافة إلى تعمق التجربة الحزبية والخبرة السياسية، مما يدفعنا إلى أن نقول النظام البرلماني قد لا يحقق لسوريا وشعبها المقاصد المطلوبة في المرحلة الأولى من عملية التحول الديمقراطي، ومن الممكن أن يتم العمل في النظام البرلماني بعد عقد أو عقدين من المرحلة الأولى لعملية التحول الديمقراطي، أي حتى يتم إرساء دعائم الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد.