الثنائية القطبية مقابل التعددية القطبية والحروب الكبرى

2023.07.14 | 18:31 دمشق

الثنائية القطبية مقابل التعددية القطبية والحروب الكبرى
+A
حجم الخط
-A

تكون الحروب الكبرى أكثر احتمالا في النظم المتعددة الأقطاب عنها في النظم ثنائية القطبية، فبين عامي 1945 و1990 وعندما كان العالم مقسوما بين الاتحاد السوفييتي والأميركان، لم يشهد حينها احتمالات قيام حروب كبرى متعددة أو كثيرة، بل كانت هناك حروب تحصل في دولة معينة تكون بين أجندة على شكل حكومات، أو أحزاب تتبع لقطبي السياسة العالمية آنذاك الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأميركية.

ولكن يتوجه العالم اليوم لأن يكون متعدد الأقطاب وخصوصاً بعد الصعود الآسيوي العسكري الهائل لجمهورية الصين الشعبية والذي يدفع الولايات المتحدة الأميركية لاستيعاب هذه القوة الصينية الصاعدة بدعم قوى أخرى مناوئة للصين لجعل ميزان القوى متقارباً نسبياً بين دول القارة الآسيوية والصين.

بفرضية أن سيطرة قوة كامنة واحدة في منطقة ما سيجعل منها قوة عظمى وسيهدد المصالح الأميركية في تلك المنطقة، وهذا ما يدفع الولايات المتحدة لتبني نظرية توازن القوى، تلك النظرية الآسيوية التي تدعو لتقوية الأطراف بحيث أن لا يكون هناك تفوق هائل لدولة على الدول الأخرى المجاورة لها مما يدفع هذا الدول للمنافسة فيما بينها فيضمن ذلك للولايات المتحدة الأميركية أن تدير دفة الصراع بما تقتضيه مصالحها وتضمن بذلك استمرار حاجة جميع الأطراف إليها.

ولكن هذا ما سيدفع لأن يكون في الساحة العالمية قوى كبرى عديدة تؤدي بالعالم للمنافسة المستمرة على التسلح، هذا التسلح الذي يتطور تدريجياً ومع مرور الوقت، مما سيفقد الثقة والأمان بين الدول المتنافسة، ووفقاً لمنظّر المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية جون ميرشايمر سيؤدي هذا إلى زيادة في احتمالية حدوث حروب كبرى لثلاثة أسباب:

أولاً، توجد فرص أكثر للحرب بسبب وجود عدد من القوى الكبرى، النزاعات الثنائية في النظم المتعددة الأقطاب أكبر منه في النظم الثنائية القطبية.

ثانيا، يكون مبدأ التوازن في القوة أكثر شيوعا في العالم المتعدد الأقطاب، ولذلك يزداد احتمال أن تمتلك الدول الكبرى أسلحة نووية، تثق القوى العظمى في القدرة على الانتصار في الحرب، ما يجعل الردع أكثر صعوبة والحرب أكثر احتمالاً.

ثالثا، تكون إمكانية الخطأ في الحساب أكبر في النظم المتعددة الأقطاب، إذ قد تعتقد الدول أنها تمتلك القدرة على إجبار دولة أخرى أو قهرها، في حين أنها الدول الأخرى لديها الاعتقاد نفسه والتفكير أيضاً.

ووفقاً لميرشايمر يتضمن النظام المتعدد الأقطاب على عدد من مواقف النزاع المحتملة أكبر منه في النظام ثنائي القطبية، ففي النظم ثنائية القطبية لا يكون هناك إلا قوتان عظيمتان وحيدتان، ولذلك لا يكون هناك إلا زوج واحد محتمل من النزاع يشملهما مباشرة. مثال ذلك أن الاتحاد السوفييتي كان القوة العظمى الوحيدة التي كان يمكن للولايات المتحدة أن تحاربها في أثناء الحرب الباردة، لكن في المقابل، يشتمل النظام المتعدد الأقطاب المكون من ثلاث قوى عظمى على ثلاثة أزواج يمكن أن تندلع الحرب عبرها بين القوى العظمى، والنظام المكون من خمس قوى عظمى يشتمل على عشرة أزواج من حروب القوى العظمى يمكن أيضاً أن تندلع الحرب بينها، وهكذا كلما كثرت الأقطاب تزايدت فرص واحتمالات الحروب الكبرى.

ينشأ النزاع أيضا عبر أزواج تضم قوى عظمى وقوى صغرى. وعند وضع سيناريو افتراضي يكون من المعقول أن نفترض عدد القوى الصغرى في النظم المتعددة الأقطاب أكبر منها في النظم الثنائية القطبية، لأن عدد القوى العظمى يؤثر كثيراّ في عدد القوى الصغرى. ولذلك فإن وجود عدد أكبر من القوى العظمى في النظم المتعددة الأقطاب ينتج أزواجاً أكثر من القوى الصغرى التابعة لها.

فالنظم الثنائية القطبية يحتمل أن تكون أبنية صارمة، حيث تسيطر عليها قوتان عظيمتان ويكون منطق التنافس الأمني واضحاً بينهما، وتجد معظم القوى الصغرى صعوبة في البقاء بعيداً عن إحدى هاتين القوتين، لأنهما تطلبان الولاء من الدول الأصغر، وانجذاب القوى الصغرى إلى فلك إحدى القوتين العظيمتين يقلل احتمال أن تبدأ إحدى تلك القوتين حرباً على قوى صغرى متحالفة مع القوة العظمى المنافسة ولذلك تكون أعداد مواقف النزاع المحتملة قليلة جداً. من ذلك أنه في أثناء الحرب الباردة، على سبيل المثال، لم يكن واردا أن تستخدم الولايات المتحدة القوة العسكرية ضد المجر أو بولندا المتحالفتين مع الاتحاد السوفييتي.

وعلى النقيض من ذلك تكون النظم المتعددة الأقطاب أقل صرامة، حتى الشكل المحدد الذي تتخذه التعددية القطبية يمكن أن يختلف كثيراً بناء على عدد القوى العظمى والصغرى في النظام والترتيب الجغرافي لتلك الدول، وتجد كل من القوى العظمى والصغرى عادة مرونة كبيرة في تحديد الحلفاء، غير أن هذه الاستقلالية تجعل القوى الصغرى عرضة للهجوم من القوى العظمى وعلى ذلك فإن نسب حصول حروب كبرى قد يكون وارداً في لحظة، ومثال لها، الحرب الروسية الأوكرانية واختلاف مواقف الدول تجاه روسيا فبعض الدول وقفت إلى جانب الروس ودعمت موقفهم من الحرب كبيلاروسيا وإيران وكوريا الشمالية.

ودول أخرى دعمت الموقف الأوكراني المدعوم أميركياً وأوروبياً مثل كندا فرنسا واليونان، ودول أخرى أخذت موقفاً براغماتياً نفعياً والذي يتقصد المكاسب من كلا الطرفين كالجمهورية التركية والمملكة العربية السعودية.

في ظل هذا التوتر الذي تعيشه الساحة الدولية وفي ظل صعود جديد لقوى عالمية تطمح لتغيير طريقة سير النظام العالمي الحالي من المتوقع أن يكون هناك امتداد لساحة الحرب ولن تبقى مقتصرة على أوكرانيا أو سوريا واليمن والدول العربية، بل من الممكن أن تمتد لتشمل الأجزاء الجنوبية الشرقية من العالم أي الصين وتايوان والكوريتين وهذا بدوره سيحرك القوى الحليفة مثل الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة والتي ستقوم بتحريك أجندتها من القوى في أوروبا مما يرفع احتمالية حدوث حروب كبرى أخرى على الساحة الأوروبية أيضاً.