icon
التغطية الحية

النزوح الأكبر.. بوتين يخلق موجة لجوء أوكرانية لزعزعة استقرار أوروبا

2022.06.16 | 17:01 دمشق

أسرة أوكرانية
أسرة أوكرانية
ميلواوكي إندبندنت - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

رحب الاتحاد الأوروبي باللاجئين الأوكرانيين حيث سمح لهم بدخول جميع الدول الأعضاء فيه من دون تأشيرة، والإقامة والعمل فيها لمدة ثلاث سنوات. فمع كل يوم يفتح الأوروبيون أبوابهم وجيوبهم أيضاً لاستقبال الشعب الأوكراني ومساعدته في العثور على دور الرعاية النهارية وغير ذلك من الخدمات.

ومع ذلك، ما تزال هنالك حقيقة تقض مضاجع الجميع، وهي أن اللاجئين الأوكرانيين ليسوا إلا بيادق بيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتلاعب بها سياسياً كيف يشاء، والهدف من ذلك زعزعة استقرار الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي على المستوى السياسي. ففي بداية الأمر عرض غالبية البولنديين المساعدة على الأوكرانيين، ولكن الآن، بعد مرور أكثر من شهرين على بدء الحرب، ثمة دلائل واضحة على تراجع التعاطف الشعبي في بولندا مع الأوكرانيين.

فقد تضاعف عدد سكان مدينة وارسو بنسبة 15% منذ بدء الحرب في أوكرانيا، وهذا ما دفع رئيس بلديتها، رافال تريزاسكوفيسكي، للتقدم باستراتيجية لمعالجة النفقات المتزايدة، وعلق على ذلك بقوله: "إن أغلب العبء يقع على عاتقنا"، وذلك لأن استضافة اللاجئين الأوكرانيين قد تكلف الدول أكثر من 30 مليار دولار خلال السنة الأولى فقط، وذلك بحسب تحليل قدمه مركز التنمية الدولية وهو مركز أبحاث غير ربحي. وهذا بدوره قد يخلق مصاعب جديدة أمام الاقتصاد الأوروبي الذي يعاني بالأصل من ضغوط بسبب ارتفاع معدلات التضخم.

يرى الباحثون في مجال النزوح والهجرة الجماعية بأنه من الضروري فهم الفكرة القائلة بأن هنالك علاقة في معظم الأحوال بين النزوح القسري، أي هجرة الأشخاص هرباً من نزاع أو كارثة بيئية، وبين المخاوف التي تتصل بالأمن القومي أو الإقليمي.

الرابط بين النزوح والأمن

خلال السنوات الماضية، أصبح الخبراء في مجال الأمن القومي يرون بأن نزوح البشر وهجرتهم يعدّ عاملاً أساسياً يمكن أن يؤثر على الاستقرار السياسي، وقد خلصوا إلى ذلك عندما تضاعف أعداد البشر الذين أجبروا على النزوح بسبب العنف أولاً أو بسبب التغير المناخي، فهاجروا إلى دول العالم الأخرى، وذلك خلال الفترة الواقعة ما بين عامي 2010-2020، إذ ارتفع عدد النازحين من 41 مليوناً إلى 78.5 مليوناً خلال تلك الفترة بحسب إحصائيات الأمم المتحدة.

وفي بعض الحالات، مثلما حدث خلال الحرب الأهلية برواندا في تسعينيات القرن الماضي، قام القادة السياسيون والعسكريون بإجبار الناس أو تشجيعهم على الهجرة إلى بلدان أخرى، ولهذا يمكن للهجرة الجماعية أن تعمل عمل أي أداة سياسية بطريقتين أساسيتين، أولهما: الوصول المفاجئ لعدد كبير من الناس والذي يمكن أن يتسبب بحالة تزاحم على السكن والرعاية الصحية وغيرها من الموارد، وفي ذلك اختبار لمدى صبر المجتمع المضيف.

وهذا بدوره قد يزيد من الضغوط على التحالفات السياسية مثل الاتحاد الأوروبي الذي يعتمد على الدول الأعضاء فيه والتي يرفض بعضهم فيها تقاسم نفقات المهاجرين الذين تم استقبالهم على أراضي تلك الدول.

ليست المرة الأولى

إنها ليست المرة الأولى التي يحاول فيها بوتين استخدام حالة النزوح الجماعي لتحقيق مآربه السياسية في أوروبا، وذلك لأن هذا الأسلوب قديم ويعود للحقبة السوفييتية التي اعتمدت على "الهندسة العرقية" والتي تعني السعي لتشديد الضغوط السياسية بناء على أصول الناس الدينية أو العرقية أو اللغوية المتفاوتة.

وبحسب ما أورده خبراء ومسؤولون غربيون، فقد ساعد بوتين في خلق أزمة هجرة عبر أشخاص أتوا من الشرق الأوسط إلى أوروبا خلال الفترة الواقعة ما بين عامي 2015-2016 ، إذ يقدر أن هنالك نحو 1.3 مليون شخص تقدموا بطلبات لجوء، أو أي شكل من أشكال الحماية القانونية في ظل ظروف تفتقر إلى الأمان، كما وصل مهاجرون آخرون إلى أوروبا خلال الفترة ذاتها، ومعظم هؤلاء المهاجرين أتوا من سوريا بسبب الحرب الدموية الدائرة فيها، وذلك لأن بوتين وبشار الأسد استخدموا القصف وغيره من الأسلحة لترويع المدنيين وإرغامهم على النزوح من بيوتهم وترك بلدهم والسفر إلى تركيا وإلى دول الاتحاد الأوروبي.

في عام 2016، حذر الجنرال فيليب بريدلوف من سلاح الجو الأميركي، والذي شغل منصب قائد عسكري لدى حلف شمال الأطلسي في ذلك الحين، حذر من استخدام بوتين والأسد "بشكل متعمد للهجرة كسلاح في محاولة لإرباك النظم الأوروبية وإثقال كاهلها وثني الدول الأوروبية عن عزمها".

ورداً على موجة الهجرة، وافق الاتحاد الأوروبي على استقبال اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا، إلا أن هنغاريا وبولندا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك رفضت استقبال اللاجئين وقتئذ.

ونجم عن ذلك توتر سياسي بين دول الاتحاد الأوروبي، بسبب صعود الأحزاب السياسية القومية المعادية للهجرة في دول مثل إيطاليا وألمانيا التي استقبلت أكبر عدد من السوريين حينذاك. كما دفع القلق الشعبي إزاء الهجرة الشعب البريطاني للتصويت لصالح خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في عام 2016.

موجات هجرة قسرية جديدة

قبل بضعة أشهر من بدء الحرب في أوكرانيا، استلهم الرئيس البيلاروسي ألكساندر لوكاشينكو، وهو حليف سياسي لروسيا، أفكاره من دليل عمل بوتين الذي حول فيه الهجرة والنزوح إلى سلاح، وذلك عندما وعد أمام الملأ بمساعدة كل من يأتي إلى بيلاروسيا من العراق وغيرها من الدول على العبور إلى الاتحاد الأوروبي، بل وقدم للمهاجرين تنقلات مجانية من بيلاروسيا إلى الحدود البولندية.

إلا أن حرس الحدود البولندي منع هؤلاء المهاجرين من دخول بلدهم، وفي كانون الأول 2021، وصفت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دين لين، أسلوب لوكاشينكو بأنه: "هجوم هجين"، وذلك عندما قالت: "إنها ليست أزمة هجرة، بل محاولة من قبل نظام مستبد لزعزعة استقرار جيرانه من الدول الديمقراطية، إلا أنه لن ينجح في ذلك بكل تأكيد".

أصبحت اليوم بولندا وهنغاريا وسلوفاكيا من بين أكثر الدول استقبالاً لأعداد غفيرة من اللاجئين الأوكرانيين، حيث استقبلت بولندا 3.1 ملايين أوكراني، وهنغاريا 550 ألفاً، في حين سمحت سلوفاكيا بدخول 391 ألف أوكراني.

تماشياً مع الأساليب التي اتبعتها روسيا سابقاً في الحرب السورية، يعاود الجيش الروسي مرة أخرى استهداف المدنيين وقصفهم في أوكرانيا، وهذا ما دفع بالملايين للنزوح من بيوتهم والهرب من بلدهم.

استقبال شارفت صلاحيته على الانتهاء

في الوقت الذي وصفت فيه بعض المجتمعات الأوروبية الأوكرانيين بأنهم ضيوف وليسوا بلاجئين، عبرت مجتمعات محلية أخرى عن ارتباكها وتعبها، إذ في وارسو مثلاً أصبح لا بد من بناء 75 مدرسة جديدة لتعليم الأطفال اللاجئين الأوكرانيين، وعن ذلك تقول آغنييسكا كوزوفيتش، وهي رئيسة منتدى الهجرة البولندي وهو عبارة عن منظمة غير ربحية مقرها وارسو: "أصبح الأمر أشبه بالجلوس فوق قنبلة موقوتة، وذلك لأنه لا تتوفر لدى البولنديين الموارد للحفاظ على مستوى سخائهم وكرمهم الذي أبدوه في البداية".

حتى الآن، لم يصف أي سياسي أوروبي موجة اللجوء الأوكرانية بالأزمة، وقد عزا بعض الخبراء ذلك لكون غالبية الأوكرانيين من أصحاب البشرة البيضاء ولأنهم يدينون بالمسيحية.

ولكن ثمة حالات هجرة أخرى تثبت بأن التشابه الثقافي والعرقي لا يمنع دوماً من ظهور حالة عدم استقرار على المستوى السياسي، إذ في تركيا، غالبية المواطنين الأتراك واللاجئين السوريين يدينون بالإسلام، إلا أن استطلاعات الرأي أظهرت تراجعاً مستمراً في مستويات ونسب تقبل السوريين على مدار السنوات العشر الماضية.

يدرك بوتين تماماً أن الخطاب المعادي للهجرة في كل من هنغاريا وفرنسا وغيرها من الدول يتغذى على أي قلق على المستوى الاقتصادي، وهذا بدوره قد يخلق تهديدات جديدة أمام حالة التضامن داخل الاتحاد الأوروبي، ولا بد أن تنعكس آثاره على أمن أوروبا بكل تأكيد.

 المصدر: ميلواوكي إندبندنت