icon
التغطية الحية

الموت جوعاً بات وشيكاً.. هل من صور دامية يمكن أن تنقذ السوريين؟

2021.03.14 | 05:54 دمشق

5_19.jpg
+A
حجم الخط
-A

أصوات جائعة تسمع من سوريا، مع اشتداد وقع الأزمة المعيشية التي تضرب مناطق سيطرة النظام، في وقت أعلنت فيه الأمم المتحدة قلقها من تردي الوضع الإنساني شمال غربي البلاد المكتظ بالنازحين والمهجرين، وسط دعوات للمجتمع الدولي بتمويل الاحتياجات الإنسانية.

استجابة المجتمع الدولي المتأخرة للأزمة الإنسانية في سوريا، باتت تطرح سؤالا ملحا حول آلية عمل المجتمع الدولي، الذي عايش الموت السوري عشر سنين وكأنه جزء من صيرورة التاريخ.

الموت، الدمار، القصف، النزوح، والتهجير، أحداث تحولت إلى روتين لدى الغرب، لا بد من كسره بصدمة، مثل ذلك استجابة جاستن ترودو رئيس الوزراء الكندي لمأساة الطفل السوري الغريق إيلان كُردي عام 2015، الإحساس بالذنب لم يكن هو ما دفع ترودو، لقبول طلب لجوء عبد الله كردي المرفوض سابقا، بل جاء ذلك عقب ضغط وسائل الإعلام الذي فتح شاشاته وصفحاته لصورة طفله إيلان ميتا على أحد شواطئ إزمير، وكانت شقيقة عبد الله، المقيمة في مدينة فانكوفر، قد تقدمت بطلب لإحضار شقيقها وعائلته إلى كندا، لكن الطلب رفض من قبل مسؤولي الهجرة الكنديين.

هل ماتت صورة إيلان وغيرها من صور ومقاطع فيديو كان لها الحظ في الانتشار العالمي، واستطاعت إثارة أسئلة على الأقل لدى السوريين، حول الموقف الأخلاقي من الحدث السوري؟ بعيداً عن السردية التي سادت لاحقاً حول الإرهاب وخطر "تنظيم الدولة" وتهديد اللاجئين للمجتمعات الأوروبية، كما يرى اليمين المتطرف.

السوريون أرقام

تقول صحيفة "تايمز" البريطانية في تقرير لها عام 2017 "تظهر البيانات أن العالم كان في غفلة بينما كان عدد القتلى في الحرب السورية يرتفع باطراد إلى مئات الآلاف. والصورة الرمزية لجثة الطفل السوري ووجهه لأسفل على الشاطئ أيقظت العالم لفترة وجيزة وجلبت اهتماماً كبيراً بالحرب ومحنة الكثير من ضحاياها. لكن هذا التفاعل العاطفي لم يدم طويلاً".

وتضيف أن "آلاف الصور المؤلمة التي كانت أقرب إلى الإحصاءات يمكن أن تجعلنا بسرعة في حالة من التخدير".

ويقول هيو بيني نائب الرئيس فيGetty Images ، موزع الصور الإخبارية: "السبب في أننا نتحدث عن هذه الصورة ليس لأنه تم التقاطها أم لأنه تم تداولها، ولكن لأنه تم نشرها من قبل وسائل الإعلام الرئيسية". "والسبب الذي نتحدث عنه بعد نشره هو أنه يكسر المحرمات الاجتماعية التي كانت موجودة في الصحافة منذ عقود (صورة طفل ميت هي إحدى القواعد الذهبية لما لا تنشره أبدا)".

بيتر بوكارت، مدير قسم الطوارئ في "هيومن رايتس ووتش"، يجادل بأن إثنية الطفل لعبت دوراً في تأثير الصورة. يقول "هذا طفل يشبه إلى حد كبير طفل أوروبي". "في الأسبوع السابق، جرفت الأمواج العشرات من الأطفال الأفارقة شواطئ ليبيا وتم تصويرهم ولم يكن لها نفس التأثير. هناك بعض النزعة العرقية في رد الفعل على هذه الصورة بالتأكيد".

الفرادة في الموت

قال زعيم الاتحاد السوفييتي السابق جوزيف ستالين "موت إنسان واحد هو مأساة كبرى، وموت الملايين مجرد إحصائيات"، في حين يعتقد ديفيد ليفي شتراوس، الناقد الثقافي والشاعر، أن الصورة ستعيش في التاريخ.

موت السوريين منذ عشر سنوات وإلى اليوم مازل فريداً؛ براميل متفجرة وسلاح كيمياوي، صواريخ باليستية وقتل تحت التعذيب وإعدامات ميدانية، ما الخطأ إذاً الذي جعل الاهتمام بالمأساة السورية يتراجع.. هل صحيح أن جمهور وسائل الإعلام حساس أمام صور الموت والقتل؟ تراجع الخبر السوري منذ العام 2103  بعد أن كان الأعلى مشاهدة ليكون خبرا مليئا بالبروباغندا، من خلال التركيز على أخبار نظام الأسد وجبهة النصرة وتنظيم الدولة، أما المدنيون فأخبارهم يجب أن تكون فريدة لتنقل إلى الشاشات والصحف.

اليوم يهدد الجوع 60 في المئة من السوريين وخاصة القاطنين في المخيمات شمال غربي سوريا بحسب الأمم المتحدة، كذلك ناشدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" المجتمع الدولي بتمويل قدره 1.4 مليار لتأمين الاحتياجات الإنسانية للأطفال السوريين، فهل يجب أن نبحث بكاميراتنا عن طفل بانت عظامه من الجوع وينتظره حيوان ما ليقتات على بقاياه؟ وهو ما حدث فعلا في السودان عام 1993.

في آذار  1993التقط المصور كيفن كارتر في قرية أيود جنوبي السودان التي كانت تعاني حربا أهلية ومجاعة، صورة طفلة بان هيكلها العظمي بسبب الجوع، وهي لم تعد قادرة على الوقوف، ووراءها نسر في انتظار وفاتها حتى يأكلها.

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية هذه الصورة الفوتوغرافية في 26 من آذار 1993، لتدل على الوضع في السودان وكانت ردود الفعل فورية وقوية، وحاول الجميع لاحقا معرفة مصير الطفلة، لتقول صحيفة "لوموند" الفرنسية أخيرا إنها توفيت.

 

vulture-and-child_0.jpg

 

فاز كيفن كارتر بجائزة بوليتزر  للتصوير، ولكن في نفس الوقت اتهمه البعض بأنه غير أخلاقي لتصوير صوره كهذه وأنه لم ينقذ الطفلة بل فضّل تصويرها ليحصل على الجائزة، ما وضعه في حالة اكتئاب قبل أن ينتحر عام 1994.

يمكن تشبيه سوريا بتلك الطفلة والمجتمع الدولي بالصحفي أو بعدسة الكاميرا التي تبحث عن لحظة القتل فقط لتوثقها. وهو ما حدث مع الطفل عمران دقنيش وصورته العدسة مصدوما داخل سيارة الإسعاف التابعة للدفاع المدني، وكذلك الطفل عبد الباسط طعان صطوف، الذي بترت ساقاه إثر إصابته في قصف لطائرات النظام الحربية على بلدة الهبيط في ريف إدلب.

مقطع الفيديو انتشر حينها في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، وهو يطلب من والده مساعدته على النهوض: "بابا شيلني". واليوم لم يعد يذكر الجمهور أي بطل من هؤلاء، فروتين الموت والمأساة يقتل شغف الجمهور المتعطش للجديد والفريد، الذي يعلن أن الحياة ليست واحدة في كل مكان.

ربما يكون على الصحفيين في سوريا مهمة أخيرة، وهي أن يحملوا كاميراتهم إن استطاعوا والخروج بحثا عن صورة أو مقطع فيديو يكسر قلوب المتابعين، فعلى ما يبدو أن العالم قاس بما يكفي ويحتاج إلى صورة من سوريا لإنهاء الأزمة الإنسانية أو لتسكينها.