icon
التغطية الحية

المراهقون السوريون في مصر.. اندماج وانتماء وجداني تقيده الأوراق الرسمية

2023.11.19 | 06:37 دمشق

اندماج المراهقين السوريين في المجتمع المصري.. سيف ذو حدين
طلاب جامعة في مصر (إنترنت)
القاهرة - لجين عبد الرزاق دياب
+A
حجم الخط
-A

بعد أكثر من 10 سنوات خارج وطنهم، يظهر اللاجئون السوريون في مصر تفاعلاً اجتماعياً واندماجاً مع المجتمع المضيف، وينسجمون مع عاداته ويقتبسون من تقاليده، خصوصا من أتى منهم صغيرا، وقضى سنوات طفولته ومراهقته في مصر.

ليس من السهل الاندماج لأنه عملية مركبة تتطلب الاستعداد الذهني والحاضنة الاجتماعية والقانونية لتحقيقه، ومع ذلك ليس هناك اندماج كامل.

تعد مصر من أكثر دول اللجوء المساعدة في دمج اللاجئين، وعلى الرغم من صعوبة أوضاعها الاقتصادية، إلا أن طيبة شعبها واحتضانه للسوريين، سهل عملية الاندماج على السوريين بشكل عام، وأطفالهم بشكل خاص.

وفقا لتعريف الأمم المتحدة، فإن عملية دمج اللاجئين هي عملية تفاعلية تعتمد على كل من اللاجئين وأفراد الوطن المضيف لهم ومؤسساته، حيث يندمج اللاجئون مع مواطني الدول المضيفة، مشكلين مجتمعا واحدا يحتضن اختلافاتهم.

وعملية الدمج تتطلب استعداداً من جانب اللاجئين ليتمكنوا من التأقلم مع أوضاع الوطن المضيف دون التخلي عن هويتهم الأصلية، كما تتطلب من البلد المضيف أن يكون قادرا على احتضان اللاجئين واحتواء اختلافهم، وأن تكون مؤسسات البلد قادرة على تلبية احتياجاتهم.

سهولة الاندماج

على الرغم من تشابه المجتمعين السوري والمصري، وتشاركهم في كثير من العادات والتقاليد، إلا أن الاختلاف في بعض العادات لم تقف عائقا في طريق تحقيق نوع من الاندماج يتفوق على مثيلاته في بلدان أخرى.

سهولة اللهجة المصرية، وانتشارها في المجتمع العربي عن طريق المسلسلات والأغاني والأفلام القديمة، جعلها معروفة لدى السوريين، فلم يشعروا بالغربة تجاهها، مما جعل أعدادا كبيرة منهم يتحدثونها بطلاقة، خصوصا من يعيشون خارج تجمعات السوريين.

بالإضافة إلى أن انفتاح المجتمع المصري مقارنة بالمجتمع السوري، فتح المجال أمام الجيل الجديد الذي تربى في مصر لتبني الكثير من العادات والتقاليد، وجعلته يشعر بأنه فرد من هذا المجتمع الجديد.

وعلى الرغم من محاولة نسبة كبيرة من السوريين التمسك بعادات وتقاليد وطنهم، إلا أن الحياة في مصر فرضت عليهم الانخراط فيها، فأصبحت جلسات المساء في المقاهي روتينا يوميا للعديد من الرجال، بعد أن كانت فقط في الإجازات، وتنوعت موائد الطعام بين السوري والمصري، حتى طرق الاحتفال بالمناسبات، دخلت إليها بضع العادات المصرية.

سيف ذو حدين

يعتبر الاندماج في المجتمع المصري بالنسبة للمراهقين الذين تربوا فيها، ودرسوا في مدارسها، سيفا ذا حدين، حيث أصبح من الصعب إقناع المراهق السوري الذي يعيش وسط المصريين، ويدرس في مدارسهم، ويأكل من أكلاتهم، حتى إنه أصبح يتحدث اللهجة المصرية، أنه غريب عن هذا المكان، وأنه ممكن أن يعود يوما إلى وطنه الذي لا يذكر منه سوى الاسم، بالإضافة إلى انتمائه الشديد للبلد التي يعيش فيها ويمارس حياته اليومية بين أفرادها.

يعزو المختص النفسي السوري علي اللاذقاني الأمر إلى أن الأسرة هي السبب في تشتت الأطفال بين مجتمعين ويقول، ينشغل الأبوان عن الأطفال في العمل وتأمين متطلبات الحياة مما يجعل المراهق السوري يندمج بشكل كبير ويكاد ينسى هويته الأصلية بسبب قلة التحدث عن عادات بلاده أمامه.

ويضيف المختص النفسي، أن موضوع نسيان الهوية الأصلية يعتبر طبيعياً في ظل عدم وجود أقارب سوريين ومحيط سوري، بالإضافة إلى تأثير المدارس والأصدقاء الكبير على المراهقين وقضائهم أغلب الوقت في الخارج بين المدارس والدروس الخصوصية واللعب مع الأصدقاء.

ولم يقتصر الأمر على اللهجة، بل أصبحوا متشابهين شكلا، يقلدون قصات الشعر والملابس ويرتادون أماكن اللعب نفسها والمحال التجارية نفسها، فلا يمكنك أن تفرق بين السوري والمصري.

أحمد عبد الغني، سوري ووالد مراهق في سن الـ 16 يقول "عندما أتينا إلى مصر، كان ابني في سن السادسة، ودخل الصف الأول الابتدائي في مدرسة مصرية، وقد كنت مصرّا على أن يندمج مع الطلاب المصريين، اليوم ابني في الصف الثاني الثانوي، قضى بالفعل طفولته والآن مراهقته في مصر".

يضيف أحمد، يتحدث باللهجة السورية فقط في المنزل، بينما في الشارع ومع أقاربه الذين في نفس سنه ومع أصدقائه لا يتحدث سوى المصرية، أحيانا أشعر أنني السبب في هذا الأمر، ولكن احتضان أصدقائه ومدرسيه له جعله يشعر بالانتماء الشديد، بينما كلما ذكرت موضوع العودة إلى سوريا رفض لأنه تربى وعاش في مصر.

وعلى الرغم من أن موضوع الاندماج يمثل نوعا من الأمان والطمأنينة بالنسبة للاجئين، ولكن بعد أن تنقضي مرحلة المراهقة، وبالتحديد بعد انتهاء الدراسة الجامعية، يصطدم اللاجئ السوري بالواقع، فلا يستطيع إكمال دراسته (الماجستير وما بعده) إلا عند الدفع بالدولار، ولا يستطيع دخول النقابات إلا بشروط تكاد تكون مستحيلة.

أما بالنسبة لسوق العمل فيعد الأمر شبه مستحيل أن يجد عملا في القطاع العام، وقد يجد بنسب قليلة في القطاع الخاص ، ولكن في الغالب يجب أن يكون صاحب رأس المال أو المشروع سوريا ليتم التوظيف.

سوريون، ولكن!!

أمام أحد محال الألعاب الإلكترونية الموجودة في منطقة المعادي، وقف براء مرعي، فتى سوري (15 عاما) مع أصدقائه المصريين يستمعون إلى الأغاني الشعبي ويتحدثون باللهجة المصرية، تعلو ضحكاتهم ومن ثم يدخلون إلى المحل ليلعبوا (الفيفا).

يقول براء، أحب حياتي في مصر، وجميع أصدقائي في المدرسة وفي الحي مصريون، كنت أرغب بأن أدرس الثانوية العسكرية، ولكن أمي قالت لي إنه لا يمكن لغير المصريين أن يدرسوا فيها، حينها شعرت بإحباط شديد فأنا أشعر بالانتماء لهذا المكان ولا أذكر مكانا سواه.

بينما يقول أمجد سعدي (16 عاما) لم أرجع إلى سوريا ولا حتى زيارة منذ عشر سنوات، أدرس في مصر وجميع أقاربي هنا أيضا، وكل من في الشارع يحبوننا، وفي الحقيقة أصبحت أتحدث باللهجة المصرية منذ طفولتي فجميع أصدقائي يتحدثونها، وأشعر بالانتماء لهذه البلاد التي احتضنتني وعائلتي، وأريد أن أكمل دراستي هنا، كما لا أحب فكرة الذهاب لمكان آخر.

تقول نهلة خالد والدة براء لموقع" تلفزيون سوريا" أحيانا نخطئ نحن الكبار ببعض الكلمات ونقولها باللهجة المصري فقد تعودنا عليها على الرغم من أننا قضينا حياتنا في سوريا، ولكن لابد من التأثر بالمجتمع، فكيف أطفالنا الذين تربوا في هذه البلاد.

وتضيف نهلة، أعد أنا وجاراتي الطعام السوري والمصري، وتتناقل الأطباق فيما بيننا، مما جعل أولادي يأكلون الطعام المصري، ويحبون مثلا أن ننوع في الإفطار، يوم نأكل الأجبان والألبان، ويوم نفطر الفول والطعمية المصري، وأنا أحب هذه الأجواء فلا نشعر بالغربة في هذا المحيط الدافئ.

وتتابع نهلة حديثها وتقول، لا أعلم كيف أستطيع إقناع أطفالي أنهم ممكن أن يعودوا إلى سوريا إذا ساءت الأوضاع في مصر، ولا كيف أقنعهم أن المميزات المتاحة للمصريين ليست متاحة لهم لأنه يعتبرون أجانب.

الصدمة

يعيش في مصر نحو مليون ونصف المليون لاجئ سوري، تزداد أعدادهم باستمرار، ويجدون في مصر ملجأ مريحاً، حيث يبدي الشعب المصري تقبلاً واحتضاناً للسوريين خلافاً لحملات العنصرية التي يتعرضون لها في عدد من الدول التي لجؤوا إليها.

ولكن قد يشكل الأمر صدمة عند المراهق اللاجئ، الذي سيلاحظ فجأة أنه غريب عن المكان، وبحسب المختصة الاجتماعية ليلى بدر (مصرية) فإن هذه الصدمة قد تقوده إلى الإحباط والتشتت، وسيصبح غريبا في مكانين، بلده، والبلد المضيف، مما سيعطل مسيرته الحياتية ويزعزعها.

وتضيف ليلى، يجب على الأهل أن يزرعوا داخل الطفل من البداية ثقافتين، وخصوصا ثقافة بلده الأم، ويتحدثوا عنها باستمرار، بينما سيستمد ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه من المدرسة والأصدقاء والحي، فلا يؤثر عليه الانتماء للمكان، بل يدفعه شعوره بهويته إلى السعي أكثر من أجل الوصول لمكان أفضل.