icon
التغطية الحية

المبادرات الرمضانية في دمشق.. جهود تطوعية تغطّي شحّ النظام

2024.03.22 | 01:25 دمشق

آخر تحديث: 22.03.2024 | 01:25 دمشق

مبادرة عمرها
متطوعون يوزّعون الطعام للمحتاجين في دمشق (فيس بوك)
+A
حجم الخط
-A

لم يقتصر انفصال النظام السوري عن الواقع وتجاهله لمأساة السوريين المتزايدة عاماً بعد عام، في تجويعهم وحرمانهم من أدنى متطلبات الحياة، بل تعدّى ذلك إلى رفع الأسعار بشكل كبير جدّاً وصلت إلى ما يزيد عن 200% مع بدء رمضان، بالمقارنة مع العام الفائت، في مقابل التضخم الاقتصادي وكون الحد الأدنى للرواتب والأجور لا يغطّي أكثر من 2.3 بالمئة من احتياجات العائلات.

ومع إيقاف المعونات الغذائية المقدمة من برنامج الأغذية العالمي في سوريا، منذ مطلع العام الجاري، ازدادت معاناة العائلات السوريّة في تأمين المواد التموينية الأساسية مثل السكر والطحين والرز والزيت، والتي كانوا يحصلون عليها بين فترة وأخرى عبر مخصّصاتهم من السلات الغذائية.

"بسطة الفاسدين"

يسخر السوريون من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في الآونة الأخيرة بتسميتها بـ"بسطة الفاسدين" في إشارة إلى كونها مصدر الرزق للمسؤولين فيها بالرشوة والنهب دون أي فائدة تذكر لها في المجتمع السوري.

ولا يظهر تقصير الوزارة وانعدام دورها فقط في غياب الإحصائيات، سواءً تلك المتعلقة بالأطفال فاقدي الرعاية والمتسربين من المدارس أو تقديرات دقيقة لعدد المتسولين في سوريا، بل أيضاً في خروجها بشكل كامل عن مخططات علاج المشكلات الاجتماعية أو مساعدة المواطنين لتحسين حياتهم؛ إذ استسلمت للأمر الواقع وسلّمته للجمعيات الخاصة المرخّصة من قبلها والمنظمات غير الحكومية، مكتفيةً بمباركة الفعاليات والأنشطة الخيرية وإدراجها ضمن إنجازاتها.

مبادرات يتيمة

في الوقت الذي طُبقت فيه 6

سياسة "رفع الدعم الحكومي" من جهة، وإيقاف المعونات الغذائية المقدمة من الجمعيات الخيرية والمنظمات من جهة ثانية، اقتصرت المبادرات الرمضانية لهذا العام على جمع التبرعات النقدية والعينية من قبل جمعية "حفظ النعمة" التابعة للهلال الأحمر السوري، من أجل تأمين وجبات الفطور للصائمين أو تقديم العلاج والخدمات الطبية أو حتى إكساء الأطفال ورعاية اليتامى.

وكبقية الجمعيات التي باتت تعاني، مؤخّراً، من نقص التمويل العالمي من المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة أو حتى غيابه بشكل تام، اعتمدت جمعية "حفظ النعمة" في مبادرتها الرمضانية على التبرعات والزكاة التي يدفعها المقتدرون أو المغتربون أو أصحاب الأعمال.

وتصدر الجمعية عبر صفحتها على  "فيس بوك" تقريراً يومياً منذ بدء رمضان حول المساعدات المقدمة كماً ونوعاً. وقد وصلت تكلفة وجبة الإفطار العائلية حسب الجمعية إلى 200 ألف ليرة سورية، وإكساء اليتامى للفرد الواحد 750 ألف ليرة سورية.

يُذكر أن السوريين أصبحوا في الآونة الأخيرة تحت حدّي "رفع الدعم" الممارس من حكومة النظام، و"رفع الاستحقاق" الممارس من منظمة الهلال الأحمر السوري.

"تشارك بالخير": الخير محدود ومشروط

في الوقت الذي صار فيه 90% من السوريين تحت خط الفقر، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة، وبالتزامن مع تصريحات المبعوث الأممي إلى سوريا عن كون 70% من السوريين في الداخل السوري بأشد الحاجة للمساعدات الإنسانية، انحسرت المخططات الحكومية لمساعدة السوريين، ما عدا مبادرة وحيدة أطلقتها حكومة النظام عبر وزارتها للشؤون الاجتماعية تحت عنوان "تشارك بالخير"، وبتعويل كامل على الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية وبسواعد المتطوعين من الشباب.

استهدفت حملة "تشارك بالخير" العائلات الفقيرة في مناطق سيطرة النظام من جميع المحافظات السورية، إذ تمّ توزيع السلات الغذائية ووجبات الإفطار بالتعاون مع مطابخ خاصة أُقيمت في الجمعيات الأهلية.

واقتصر الدور "الحكومي" على الترويج للحملة تحت اسم "وزارة الشؤون الاجتماعية"، عبر منصات التواصل الاجتماعي، إلى جانب "مُباركة" بعض الخيمات الرمضانية بحضور مسؤولي النظام إليها كمحافظ ريف دمشق ومدير الشؤون الاجتماعية، ترافقهم تغطية إعلامية من قبل إعلام النظام.

مصدر خاص من المتطوعين في إحدى الجمعيات المشاركة بالحملة ضمن مدينة دمشق (اشترط عدم ذكر اسمه)، أوضح لـ موقع تلفزيون سوريا أنّ "الحملة تركز بشكل أساسي على عائلات قتلى وجرحى النظام، فضلاً عن عوائل المنتسبين إلى كتائب البعث والمقاتلين السابقين في ميلشياته".

وقال المصدر: "لا تغطّي الحملة إلا عدد قليل من العائلات، التي لا يتجاوز عددها المئات من أصل ملايين آلاف بل وملايين العائلات المحتاجة، عبر تقديم السلات الغذائية أو وجبات الإفطار، فضلاً عن أن الأولوية في التوزيع لـ(ذوي القتلى) من المسجّلين في الجمعيات المُشاركة بالحملة".

مبادرات "شعبية" و"فردية"

على نطاق أصغر، ظهرت بعض المبادرات الفردية والتطوعية الخاصة، لمساندة العائلات الفقيرة خلال الشهر الكريم تحت شعار "لا تحقرن من المعروف شيئاً".

وانطلقت من دمشق مبادرة لفريق "عمرها" التطوعي، استهدفت العائلات المستحقة في دمشق وريفها بالسلات الغذائية ووجبات الإفطار، لا سيما في المناطق المتضررة من قصف النظام خلال سنوات الحرب، مثل مناطق: زليخة، يلدا، جديدة الفضل (التي تعرّض أهلها للتهجير)، إلى جانب توزيع الماء والتمر والبسكويت على السيارات خلال وقت الإفطار في مناطق الميدان، الحجاز، باب مصلى، شارع بغداد... وغيرها.

فريق عمرها التطوعي

يُذكر أن هذه المبادرة قائمة على جمع التبرعات، لا سيما من المغتربين السوريين، وذلك عبر الترويج لها على مواقع التواصل الاجتماعي، وبتنسيق وتنفيذ من المتطوعين من الشباب وطلبة الجامعات السورية.

كذلك، انطلقت مبادرة صغيرة ضمن مدينة دمشق تحت مسمى "تكسي الإفطار" التي تهدف إلى نقل وجبات الإفطار التي تتبرع بها بعض العائلات المقتدرة مادياً إلى عائلات أخرى، من خلال قاعدة البيانات التي يملكها القائمون على المبادرة حول العائلات المحتاجة والفقيرة.

تكسي الإفطار

فكرة المبادرة بسيطة قائمة على تحفيز البعض على زيادة كمية الطعام التي يعدونها لإفطارهم، والتبرّع بالكمية الزائدة إلى عائلة ثانية، ويقتصر دور مؤسسي المبادرة على نقل الوجبات وتوزيعها.

"القمامة مصدر رزق وغذاء"

لم يعد غريباً على السوريين رؤية أحد الأطفال يتناول باقي الطعام من القمامة أو يشرب كأساً من الكوكتيل الذي وضعه أحد الأشخاص على حافة الرصيف في منطقة مثل باب شرقي أو الشعلان.

وقد ازدادت مع بدء شهر رمضان مظاهر التسول والنبش في القمامة بسبب ارتفاع مستوى الفقر والفاقة؛ إذ لم تعد حاويات القمامة مصدراً للبلاستيك أو الخردة التي يتم جمعها وبيعها لتأمين قوت اليوم فقط، بل صارت في حد ذاتها قوتاً بما تحتويه من فائض الطعام الذي قد يكون فاسداً أو ملوثاً على أقل تقدير.

ويأمل المتسولون في رمضان بعطاء الصائمين لهم وفق مبدأ "الزكاة"، فيتعمدون تذكير الناس بكونهم في الشهر الكريم والعطاء عليهم "واجب".

كذلك، يعترض عدد كبير من الأطفال المتسولين طريق المارة في مناطق تجمع المطاعم ومحال الوجبات السريعة مثل حي القيمرية، ويطلبون من الناس ما يحملون من طعام في أيديهم بعبارة "طعميني، الله يخليك"، فبعد أن يأس عدد كبير من هؤلاء الأطفال الجائعين من تحصيل المال من الناس، عمدوا إلى استعطافهم عبر طلب شيء من الطعام الذي يأكلونه، أملاً بعدم ردّهم خائبين.

ولكن بعض الناس، يتذمّرون من عدم تركهم يهنؤون بما يأكلون، بسبب إلحاح الأطفال المتسولين، إلا أنّ شيئاً من الشفقة يغلب بعضهم الآخر، فلا يتوانون في منح الطفل جزءاً من سندويشة الشاورما أو بقية كأس العصير.