اللاجئون السوريون القُصّر دون أهلهم ورحلة اللجوء إلى أوروبا

2023.12.24 | 06:30 دمشق

آخر تحديث: 24.12.2023 | 06:30 دمشق

اللاجئون السوريون القُصّر دون أهلهم ورحلة اللجوء إلى أوروبا
+A
حجم الخط
-A

نقصد بهم تلك الفئة التي تقل أعمارها عن ثمانية عشر عاماً، وقد أرسلهم أهلهم ليقوموا بلمّ شملهم لاحقاً، بمعنى من المعاني فإن كثيراً منهم هم منقذو أسرهم من حالة الحرب، وفقاً لقرار العائلة حين ارتأت أن ترسلهم قبلها. والسبب الرئيس "للتضحية" المؤقتة بهم من قبل أهلهم يعود إلى عاملين رئيسيين: التكلفة المادية، وسهولة الإجراءات التي تنتظرهم كونهم أطفالاً وفقاً للقانون الدولي.

تؤكد المعلومات في هذا الجانب قيام بعض المراهقين بتجربة رحلة التهريب بأنفسهم هرباً من ظرف يعيشونه في بلدهم الأم أو رغبة بالمغامرة، وفي الوقت الذي يجرّب الطفل الغربي المغامرة عبر تسلق الجبال أو التزلج على الجليد أو حضور فيلم رعب، يقوم الطفل الشرقي بتجربة المغامرة بالهروب من لعنة بلده الأم.

على مستوى التصور النظري يمكن عد الموضوع نوعاً من فروضات الحرب وممكناتها، الحرب التي تدفع الكثير من البشر للقيام بسلوكات غير مألوفة في الأحوال العادية، لكن كما هو مكرّس في المقولات الشائعة: الحياة قبل الحرب هي غيرها الحياة إبان الحرب أو بعدها!

يمر أولئك الأطفال (نسبة 95 بالمئة منهم من الذكور) كما معظم اللاجئين بثلاث مراحل: ما قبل اللجوء، رحلة اللجوء، ما بعد وصولهم إلى بلدان المقصد، وكل مرحلة من تلك المراحل لها صعوباتها ولغتها وظروفها.

فالمرحلة الأولى يكون السائد فيها التعبئة النفسية، والحشد العاطفي بحيث يتم تصوير الطفل على أنه منقذ العائلة و"أبوها" الجديد بالمفهوم التقليدي للأبوة. وتجد تلك التعبئة النفسية أذناً صاغية لدى ذلك المراهق كونه يمر بمرحلة تغيرات هرمونية نفسية يريد أن يثبت فيها أن لديه القدرة الكبيرة على الحلول والقيام بمغامرات وأدوار بطولة كنوع من التحدي الذي يتربّي عليه الطفل الشرقي عامة، وإيقاعه في شرك التسابق مع عمره وأن يكون "أولاً" في كل شيء! ويتم التركيز على جسده من حيث قدرته على تحمل المشي الطويل والصبر على الجوع ومواجهة شدائد اللجوء التي باتت تملأ وسائل التواصل الاجتماعي.

أما المرحلة الثانية فهي مرحلة طريق التهريب، وقد تمثلت تجربة الأطفال القصر من السوريين بنوعين منه: النوع الأسهل، وقد كان سائداً جداً قبل أن تنتبه له سلطات المطارات وهو السفر بجواز بديل ضائع لعائلة مسافرة إلى إحدى بلاد منابع اللجوء (تركيا مثلاً) أو التبديل في المطار عبر إتلاف الجواز الأصلي للطفل السائر على طريق التهريب، وأخذ جواز طفل من عائلة مسافرة في قاعة التبديل في المطار. وهذا النوع قليل المصاعب كون وقت رحلة التهريب لا يتجاوز رحلة الطائرة مع عائلة أخرى، وكونه في الطائرة حيث ما إن يصل الطفل إلى المطار حتى يخبر سلطات البلد الذي يصل إليه عن رغبته باللجوء أو هناك من ينتظره في المطار يقوم بترتيب خطواته ويوصله إلى أقرب مركز شرطة أو محطة قطار أو سوى ذلك.

أكدت عينات كثيرة أن الكثير من أولئك الأطفال، بخاصة إن لم يكن معهم أحد من عوائلهم (الدرجة الأولى خاصة)، مروا بتجارب عنف واغتصاب ورعب

والطريق الأصعب فهو التهريب التقليدي ويمر فيه القاصر المدفوع إلى اللجوء بمثل ما يمر به اللاجئ البالغ من صعوبات لم تعد خافية على أحد، وهذا النوع فيه شريحتان: شريحة القُصَّر القادمين مع أحد الأقارب من الدرجة الأولى أو الدرجة الثانية، وشريحة القصر القادمين مع جموع الراغبين باللجوء اعتماداً على وعود أحد أصدقاء العائلة، أو وعود المهرب في رحلة أقل ما يمكن تسميتها (رحلة اللهم أسألك نفسي) نظراً لأن صعوباتها الشديدة تجعل الفرد في مراحل كثيرة منها أقرب إلى الحالة البدائية التي يكون مهتماً بها بإنقاذ نفسه أولاً وثانياً وثالثاً، وجانب آخر من أوجاع هذا الطريق مدى طول المدة التي تكون أحياناً أسابيع قليلة وأحياناً تصل إلى شهور.

وقد أكدت عينات كثيرة أن الكثير من أولئك الأطفال، بخاصة إن لم يكن معهم أحد من عوائلهم (الدرجة الأولى خاصة)، مروا بتجارب عنف واغتصاب ورعب، وهم في ذلك لا يختلفون عما مر به الكبار إلا في كونهم فئة ضعيفة نفسياً نتيجة عدم بلوغها، وعدم وجود الخبرة الكافية مثلهم مثل حالة الكثير من النساء.

المرحلة الثالثة هي ما بعد الوصول، وفيها خطوتان رئيسيتان هما: الخطوة الأولى إجراءات طلب اللجوء، ومرحلة انتظار لم الشمل.

في كل دولة من دول الاتحاد الأوروبي منظمات معنية بهذه الشريحة من اللاجئين حيث ينظر إليهم على أنهم أطفال ضحايا، ويحتاجون إلى رعاية خاصة.

غير أنه نتيجة أزمة اللجوء في السنوات الأخيرة فإن التشدد تجاه اللجوء قد بدأ يأخذ طريقه نحوهم، بل إن عدداً من تلك الدول باتت تقسمهم تبعاً لأعمارهم إلى قسمين: ما تحت الخمسة عشر عاماً، وما بعد الخمسة عشر عاماً حتى الثامنة عشرة. ويلحظ كذلك أن هناك مسعى لتطويل إجراءات اللجوء لمن بلغ السابعة عشرة كي يصل إلى الثامنة عشرة ولا يستفيد من لم شمل العائلة، حيث يصبح بالغاً ومسؤولاً عن نفسه، خاصة أن هناك الكثير ممن هم في الثامنة عشرة والتاسعة عشرة يقولون إنهم في السابعة عشرة بهدف لم شمل عوائلهم من خلال إحضار أوراق مزورة من بلدانهم الأصلية لا تعطي حقيقة أعمارهم مما يجعل تلك الدول تلجأ إلى الفحص الجسدي والتحليلات التي فيها نسبة من الصواب والخطأ.

بعيداً عن الإجراءات القانونية والإدارية فإن هذه الشريحة، إضافة إلى شريحة النساء، من أكثر شرائح اللاجئين معاناة، ويزداد ذلك صعوبة كلما كانت أعمارهم صغيرة، حيث تعتمد تلك الدول على فكرة أن تستضيفهم عوائل راغبة بذلك، إن كان ذلك متاحاً، وتكون المعاناة أقل إن كانت العائلة المستضيفة من الأقارب.

تتمثل جوانب من المصاعب التي يعاني منها أولئك الأطفال بكونهم افتقدوا لشهور، قد تصل إلى السنة أو أكثر أحياناً، دفء العائلة ورعاية الوالدين.

وكذلك غالباً ما يقعون تحت لوم عائلاتهم للتعجيل بـ لم الشمل، حيث يطلب منهم الضغط على السلطات عبر ادعاء المرض أو سواه لعلها تعجل بلم الشمل.

ونظراً لكون الطفل في هذه المرحلة من العمر يمرّ بتحولات نفسية وفكرية وجسدية فإن جوانب معاناته لا تنتهي، إذ تشير العينات التي يمكن أن يقابلها المتابع في أوروبا إلى أن كل أولئك الأطفال خضعوا للعلاج النفسي لمعالجتهم من الصدمات التي تعرضوا لها، وبالتالي فإن فرصة عودتهم أصحاء تحتاج وقتاً أطول. ويشتكي الآباء من هؤلاء الأطفال القصر لاحقاً كونهم يعيشون تحت إطار" البطل الذي أنقذ العائلة" وبالتالي يجب أن يبقى الابن المدلل البطل في نظرهم وهذا يؤثر على اندماجه وعودته طفلاً طبيعياً.

تنوع الآراء حول القُصَّر من اللاجئين لا يقلل أو يزيد من المعاناة التي تعرض لها أولئك الأطفال، والآثار طويلة المدى التي تركتها تلك التجربة على مستقبلهم وصعوبة عودتهم إلى أشخاص أصحاء نفسياً!

أما ما تعرضوا له إبان رحلة اللجوء مشياً فتحتاج لمن تعرض إلى ذلك إلى فترات علاج طويلة جداً، قد لا يشفون منها.

وهناك جانب آخر كذلك تكشفه العينات العشوائية وهو أن هناك فرصة كبيرة لكي تقع هذه الشريحة في الإدمان أو السلوكات الشاذة كتعبير عن الهشاشة النفسية التي آلوا إليها نتيجة ما مروا به من صعوبات وصغر أعمارهم كذلك.

في نقاشات السوريين حول فئة القُصَّر من اللاجئين تجد مواقف متباينة جداً، هناك من ينظر إلى أهلهم بصفتهم مجرمين وأن هؤلاء الأطفال ضحايا لأولئك الأهل!

ومن جهة أخرى هناك من يرى أن الأهل ليس لديهم حل آخر، وأرسلوا أولئك الأطفال لينقذوا عائلة بأكملها!

تنوع الآراء حول القُصَّر من اللاجئين لا يقلل أو يزيد من المعاناة التي تعرض لها أولئك الأطفال، والآثار طويلة المدى التي تركتها تلك التجربة على مستقبلهم وصعوبة عودتهم إلى أشخاص أصحاء نفسياً!

إنها الحرب لا فائز فيها، والفائز الوحيد خاسر ولو حسب أنه منتصر، إنها الحرب ما قبلها لا يشبه ما بعدها!