الكرد في سوريا وممر السلام

2019.08.10 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تعيش الأوساط الكُردية حالة مزدوجة ومربكة؛ بعد الاتفاق الأميركي التركي الأخير. حيال إصرار الأخيرة على شن عمل عسكري شرق الفرات، ورغبة الأولى بعدم حصول أي اشتباك بين حليفتها في الناتو، وشريكتها في القضاء على داعش. ازدواجية القلق الكُردي تأتي من أمرين مُركبين، أولهما القلق على مصير المنطقة لجهة إدارتها والدور الكُردي فيها، وهل من إمكانية إعادة مآسي أهالي عفرين في شرق الفرات.

قضية ممر السلام. هذه تحديداً ستبقى تُشكل هاجساً ضخماً للكُرد، عمقه الأساسي المخاوف من توطين النازحين السوريين إلى تركيا

والثاني: قضية ممر السلام. هذه تحديداً ستبقى تُشكل هاجساً ضخماً للكُرد، عمقه الأساسي المخاوف من توطين النازحين السوريين إلى تركيا، في منطقة الإدارة الذاتية. علماً أن الأخيرة تحتضن قرابة المليون لاجئ سوري، ولم تُسجل خلال السنوات الثمانية أيَّ حادثة اعتداء أو تذمر من وجودهم، لكن عودة المُهجرين إلى شرق الفرات سيخلق لدى الكرد هاجس القطيعة النهائية مع العمق السوري، ومخاوف التغيير الديمغرافي المُخيف والمميت للقضية الكردية. هذه الهواجس ستتبدد لو عرفنا أن المقصود والهدف من ممر السلام، على الأغلب هو عودة قرابة المليون لاجئ سوري إلى دير الزور والرقة وما حولها، ويشكل أهالي تلك المناطق قرابة الربع %، إضافة إلى أهالي باقي المحافظات. ومؤخراً أعادت السلطات التركية مئات السوريين إلى مناطق حدودية مع أو داخل سوريا، وخاصة ممن لم يحصل على أوراق إقامة رسمية، كل هؤلاء رُبما ستكون المحافظات العربية في شرق الفرات المأْوَى لهم. بالمقابل ستتخلص أميركا من ضغط أوروبا التي تشتكي دوماً من ابتزاز تركيا لها بفتح الحدود أمام اللاجئين السوريين، وإن كان القرار سينفذ على مراحل لأسباب تتعلق بالتأكد من هوية هؤلاء وضمان عدم انسجامهم مع أيَّ جهة تحاول زعزعة الاستقرار، عدا عن إمكانية مشاركتهم في انتخابات 2021 في سوريا.

الغريب في الأمر أن ثلاث جهات لم تتحدث عن الاتفاق، وهو ما يعني بتوافر الرغبة والشراكة لدى الجهات الفاعلة الثلاث. فبريطانيا وهي صاحبة القواعد العسكرية بعيداً عن صخب الإعلام في المنطقة، وفرنسا صاحبة مبادرة التقارب الكردي –الكردي، وعلى الأرجح تقوم بزيادة حجم ونوع تواجدها في المنطقة، إضافة إلى إقليم كوردستان العراق، والذي يشي صمته بمعرفته المسبقة لنوعية ومضمون الاتفاقيات، إضافة إلى رضا البريطانيين والفرنسيين.

بالمقابل فإن الخاسر الأكبر من التفاهم التركي الأميركي، لن يكون الكرد في سوريا، بل إيران التي تشترك مع تركيا بصفقات الغاز والتي تصل لحوالي 25مليار دولار، وقدّ نجد تُركيا تنسحب أو تُخفف من حجم الصادرات والواردات والغاز بينهما، بالمقابل فإن تنقيب واستخراج الغاز من المياه في قبرص ستكون مُتاحة لتركيا، وبعد إغلاق الممر البري حول إيران من قبل باكستان وأفغانستان المرتبطان مع أميركا والسعودية، فإن إيران أمام انغلاق المساحات البرية والجغرافية لديها، ورُبما ستبدأ إيران برحلة البحث عن التوافق والرضا الأميركي في المنطقة.

أما في الوسط الكردي وعلاقته بتخفيف التوترات التركية، فإن الإعلان الأميركي الذي سبق الاتفاق حول إبعاد المظاهر العسكرية حول الحدود التركية يعني أن المنطقة على الرغم من احتياج تنفيذ الاتفاق التركي –الأميركي لفترة طويلة، فإن المنطقة الكردية تحتاج إلى إدارة جديدة وما يشبه الدستور الجديد المؤقت بمشاركة المكونات الفاعل كلها، وعلى مُعارضي الاتحاد الديمقراطي أن لا يفرحوا كثيراً، فالحزب بالحد الأدنى سيبقى كحزب سياسي ويختار هويته ما بين السوري، أو الكردي السوري، وهي ستكون إحدى الحلول الإسعافية الأميركية للتخفيف من حدّية التهجم التركي.

يُمكن للكرد أن يكونوا قوة اقتصادية وبشرية صاعدة، بعيداً عن أوهام القوة العسكرية الضاربة في المنطقة

يُمكن للكرد أن يكونوا قوة اقتصادية وبشرية صاعدة، بعيداً عن أوهام القوة العسكرية الضاربة في المنطقة، وإمكانية الدخول في مواجهات عسكرية لمناطق تخص المصالح الدولية والأميركية. وأن يكونوا –الكرد-البديل الجديد لأميركا في المنطقة عن تركيا والعراق وحتى السعودية، لتنفيذ الشرق الأوسط الجديد، وأعتقد أنهم استفادوا من تجربتهم في العراق، والعراقيل التي خلقتها إيران لهم، مقابل الإمكانات التي منحها لهم الإقليم الكُردستاني، وكلاً من إيران وتركيا تعي ذلك جيداً لذلك فهي تلجأ لكل الأساليب والأحاييل للحدّ من المستقبل الكردي في المنطقة، وربما كانت ورقة الاتحاد الديمقراطي من أفضل الهدايا التي استغلها الأمريكان للضغط على تركيا وإخافتها، فتركيا كانت تشترط أن تكون المُراقِبة الوحيدة لحدودها الجنوبية، فجاءت الاتفاقية بتواجد أميركا معها، ما يعني أن لا هجوم ولا اجتياح تركي أو غيره لشرق الفرات.

في مقابل كل ذلك فإن الاتحاد الديمقراطي لا يزال يحاول إيجاد موطئ قدم له ويسعى ويحاول بكل السبل لكسب ودّ تركيا والدخول في تفاهمات سياسية معها، سيكون من نتيجته أحد الأمرين المتعاكسين، أولهما: الحفاظ على الإدارة الذاتية وإدخال تغيرات جوهرية عليها، ليس أقلها إزالة كُل ما يُشير لعلاقته مع العمال الكوردستاني، وسيكون الغطاء لذلك رسالة عبد الله أوجلان حول تلك النقطة، إضافة إلى رغبة الإدارة الذاتية بفتح معبر نصيبين مع القامشلي والاستفادة المادية والسياسية وتوجيه العلاقات من إقليم كردستان صوب تركيا مباشرة، وبخصوص التهديدات التي أطلقتها قيادات الحزب العسكرية والسياسية ضد تركيا، فإنها الأكثر معرفة باستحالة تنفيذ أيَّ منها، ولن تسمح أميركا باستخدام سلاحها لضرب حليفتها في الناتو.

وثانيهما: أوالدخول في نهاية المطاف، وبعد انسحاب أميركا من المنطقة، في حرب مفتوحة سيكون الخاسر الأول والأكبر والوحيد هو الخزان البشري والقضية والمنطقة.