الوضع الكردي بعد خسارة الشعوب الديمقراطي

2023.06.21 | 18:07 دمشق

آخر تحديث: 21.06.2023 | 18:07 دمشق

الوضع الكردي بعد خسارة الشعوب الديمقراطي
+A
حجم الخط
-A

الواضح أن تعامل تركيا مع قسد سيبقى ضمن الملف الأمني بعيدا عن السياسة والتعاطي بين الطرفين، وهو ما تجلى في تصعيد الجيش التركي خلال الأيام الماضية وقصفه جواً وبراً لمواقع عسكرية تابعة لقسد، في الحسكة والرقة وتل رفعت ومنبج وخاصة عبر الطائرات المسيرة. كما تخشى الإدارة الذاتية وقسد من أي تفاهمات جديدة بين دول محور "أستانا" تكون بالمحصلة بالضد منها سياسياً وأمنياً وعسكرياً، وتالياً الشروع بخرائط جديدة لنقاط التماس المباشر أو الانتشار العسكري، والمخاوف الأكثر حول حصول تفاهمات بين (تركيا-سوريا) لن تكون بالمحصلة والمطلق لصالح قسد. خاصة وأن تركيا تدخل الجولة العشرين من مباحثات "مسار أستانا" منتشية بانتصار العدالة والتنمية في الانتخابات وعدم قبولها بأي مساومة حول وجود الجيش التركي في الشمال الغربي من سوريا، وضمان موقف الغالبية الكردية التركية لصالحها، والتصعيد التركي هي رسالة تذكير للضامنين الروسي والأميركي بضرورة الالتزام ببنود الاتفاقية الموقعة بين أنقرة وواشنطن، ثم موسكو، حول مخرجات عملية "نبع السلام".

أين يقف كرد سوريا من معادلة الانتخابات

يبني قسم من كُرد سوريا مواقفهم من الانتخابات التركية الأخيرة من حدثين مُتشابيهن، الأول: ممارسات فصائل المعارضة السورية في عفرين ورأس العين وتل أبيض، بعد العمليات العسكرية التركية وسيطرة الأخيرة على تلك المدن، وما تتحمله من مسؤولية تجاه تلك الممارسات بحق السوريين كُرداً وعرباً، والثاني: القضية الكردية في تركيا، وتداعياتها وتأثيراتها على واقع الكُرد في سوريا. وفي كِلا المُنطلقين يختفي الشرح والتفكير بعقل بارد، فالوجود التركي جاء بضوء أخضر دولي، ولا ملامح أو مؤشرات لأيّ انسحاب دون إعادة تشغيل الضوء نفسه من جديد، بالمقابل لا حديث أو عمل لإعادة الكرد المُهاجرين والمهجرين من تلك المناطق لبيوتهم؛ لإعادة إعمارها وإدارة مناطقهم، وهي الخطوة التي ستلعب دوراً مهماً في إعادة التوازنات السياسية والسكانية مُجدداً، وستكون بوابة إعادة الحق لأصحابه. وبخصوص الوضع الكردي في تركيا، يحق للكُرد السوريين التضامن والتحلي بوحدة الشعور القومي، أسوة بباقي الشعوب والأقوام، لكن المشكلة أن كُرد تركيا أنفسهم سعداء جداً بعلاقتهم مع الأحزاب التركية، بل إن الولايات الكردية في تركيا تتحول إلى "منسف" ضخم تتنافس جميع الأحزاب التركية لالتهامها، ويكتفي المُرشح الكُردي بالمشاهدة فحسب. فلماذا الضخ الإعلامي والتباكي الكردي السوري الذي وصل لحد اللطميات على واقع الكرد في تركيا، مُتناسين أن توقف عملية السلام والحوار السياسي أهم فاعل في الواقع الكردي في تركيا. وضمن مسارات الحل السياسي والثقافي، والحياة الاجتماعية للكرد في تركيا، فإن القضية الكردية في سوريا لا تُشكل هاجساً يُذكر للكُرد في تركيا، وخلال أكثر من عقد كامل على المأساة والحرب في كامل سوريا والوضع الميؤوس للكرد مستقبلاً وسياسياً ومعيشياً والعمليات العسكرية التركية في عفرين ورأس العين وتل أبيض، لم تشهد تلك الولايات الكردية في تركيا أيَ تضامن يُذكر مع أقرانهم على حدودهم الجنوبية.

من الحزب الجمهوري إلى الشعوب الديمقراطية

 لم يحمل "كمال كليتشدار أوغلو" أي ضمانات لحقوق الكرد في تركيا، مع ذلك توجه حزب الشعوب الديمقراطية لدعمه في مناطق نفوذه، لكنه مني بخسارة كبيرة سواء على مستوى عدد مقاعد البرلمان أو الرئاسة، ورُبما يكون مؤشر قوي لنتائج انتخابات البلديات في العام المقبل ما لم يتدارك الحزب أخطاءه ويعمل على تصويبها جدياً. وللمفارقة، فإن جميع الكُرد السوريين المخالفين لتوجهات الإدارة الذاتية مُتهمين وموشومين بمصطلح "أردوغاني" ككناية لربط أرائهم السياسية الخاصة بسياسات الرئيس التركي "أردوغان" وماذا لو فاز "كمال أوغلو" وسواء نفذ وعوده مع الكرد ومنحهم جزءا من حقوقهم، أو لم يكترث لتعهداته، هل سيُصبح الكرد السوريون المعارضون لسياسات الإدارة الذاتية "كماليين".

والشعوب الديمقراطية المتأسس في 15/10/2012 صاحب إيديولوجيا تقول إنه حزب لكل المكونات وأطياف المجتمع التركي مؤكداً أنه لا يمثل هويّة أو عرقاً بعينه، وينفي أنه حزب كردي صرف، مع ذلك لم يحصد سوى /61/ مقعداً، وغالبية الفائزين ليسوا من الكرد، وحصدوا أصوات الكرد ضمن مدنهم، في مقابل فشل المُرشحين الكرد في ولايات تركية صرفة، رغم زخم وسيولة الشعارات الأممية والأمة الديمقراطية والعدالة والبيئة. وإذا لم يكن حزب الشعوب الديمقراطية يرغب بالسلطة والحكم ولا العمل على المسار القومي للقضية الكردية في تركيا، فلماذا يتم سوق الناخبين الكرد للانتخابات، والسؤال الأكثر مركزية لماذا يتوجب على كُرد سوريا معاداة تركيا لأجل القضية الكردية في تركيا، إذا كان من يُقدم نفسه كممثل للمشهد السياسي الكردي لا يسعى للصراع ولا الحرب ولا الحكم، وبل أن ملايين الناخبين الكرد يُصوتون لصالح الأحزاب والتكتلات التركية.

بالأرقام الكُرد يُصوتون للعدالة والتنمية

تقول لغة الأرقام، وهي الفصل في أيّ عملية انتخابية ومآلاتها إن الحزب تجاوز عتبة الـــ10% في الانتخابات البرلمانية لعام2015، وحصل على /78/ مقعداً بمجموع أصوات 13% على مستوى تركيا، وبعد فشل أيّ حزب بالحصول على الأغلبية التي تمنحه تشكيل الحكومة بمفرده، وفشل الخروج بحكومة ائتلافية، دعا الرئيس التركي "أردوغان" إلى انتخابات مبكرة في تشرين الثاني 2015، لتتراجع معه شعبية حزب الشعوب وفقد/ 19/ مقعداً وحصل على نسبة 10,7% من الأصوات وبمعدل /59/ مقعداً لا غير، وهي الفرصة الذهبية التي لو استغلها ودخل البرلمان عبر التحالفات خاصة مع العدالة والتنمية حينذاك، واستفاد من وجوده في البرلمان والحكومة والسلطة والدولة، فإن الأكثر واقعية أن القضية الكردية اليوم كانت في ضفة وحسابات أخرى، ليس أقلها تضخم عدد أصوات الحزب وزيادة عدد مقاعده، وعدم تمكن العدالة والتنمية نفسه من وسمه بالإرهاب أو الامتداد للعمال الكردستاني، لكن توقف عملية السلام وإعادة الانتخابات والفشل فيها، خلق انطباعا مخيفا عند الجيل الجديد وابتعاده عن الشعوب الديمقراطية وهو ما نجح به العدالة والتنمية منذ 2014 في حصد غالبية أصوات الولايات الكردية في تركيا. كما حصل الحزب على /67/ مقعداً في انتخابات الدورة الماضية، وبمعدل11.7%. وتجنباً لدعاوى حظره، دخل الحزب باسم "اليسار الأخضر" في انتخابات 2023 وتراجعت نسبته بمعدل 3-4% وحصد /61/ مقعداً فقط بمعدل 8.8%، علماً أن الرئيسة المشاركة لحزب الشعوب الديمقراطي" بروين ولدان" قالت قُبيل الانتخابات إن حزبها يطمح للظفر على الأقل بـــ/100/ نائب في البرلمان! كما مُني بخسارة فادحة في كبرى المدن التركية المأهولة بالسكان مثل إسطنبول وحصوله على 8.19%، مقابل 13% في الدورة الماضية، واقتصرت حصته في أنقرة على 3.15% مقابل 7% سابقاً، والكارثة أنه لم يحصل سوى على 7.54% من إزمير معقل حليفه ومرشحه للرئاسة "كمال أوغلو". في حين حصد العدالة والتنمية الغالبية المطلقة من الأصوات في الولايات الجنوبية التي يوجد فيها أكراد: إيلاربغ، ملاطية، كهرمان مرعش، أديامان، أورافا، غازي عنتاب، كلس، آرضروم، بتليس، إضافة لحصده نسباً ما بين المتوسطة إلى المرتفعة جداً في باقي الولايات ذات الغالبية الكردية، منها ديار بكر، وحصل على قرابة 23.2% من الأصوات مقابل 21.5% في الدورة السابقة، كما حصل حزب الشعب الجمهوري على 8.24% مقابل 2.5% فقط في الانتخابات التي مضت، ولو انفتح أردوغان وحزبه وتحالفه الجديد على الكرد أكثر من المتوقع حصد باقي الأصوات في الانتخابات المحلية المقبلة، خاصة في إسطنبول وأنقرة.

أمام فداحة الفشل والخسارة الكُردية في تركيا، خاصة في آمد/دياربكر حيث الخزان الانتخابي والعاصمة التقليدية التاريخية وبنية النسيج الاجتماعي والسياسي والثقافي الكردي ولم يحصد سوى 60.93%، مقابله 65.7% في الدورة الماضية، وهكاري إحدى أبرز معاقلها حصد الحزب على 62.45%، مقابل 70.2% في 2018، تؤكد هذه الأرقام أن لا زخم ولا ثقل شعبي للشعوب الديمقراطية في معاقلها. لكن أنصار الحزب على طرفي الحدود في سوريا وتركيا، حصروا إنجازهم الانتخابي بتأجيل انتصار أردوغان للجولة الثانية، في حين شكلت الانتخابات التركية وفق إجماع المراقبين والتقارير الإعلامية، نقلة نوعية على صعيد الديمقراطيات في المنطقة، وبات العدالة والتنمية يتحكم بنصف تركيا، مع معارضة النصف الثاني لسياساته، لكن فشل الساسة الكرد من الوصول إليهم والعمل مع المعارضة، أو السلطة الحاكمة بشكل واضح ووفق برنامج محدد، يخلق أكثر من إشكالية واستفسار؟

قصارى القول: خسر حزب الشعوب الديمقراطية الانتخابات ست مرات، الأولى: الانحدار السريع وتقهقر الخط البياني لثقله السياسي في البرلمان منذ دورة 2014 وحتى 2023. والثانية: خسارته لوسطه السياسي والثقافي في تركيا، وهو المنادي بانتهاء عصر القوميات. فلا فاز بأصوات الناخبين الترك، ولا حصد أصوات وسطه الاجتماعي. والثالث: خسارة مرشحه للرئاسة كليتشدار أوغلو، والرابعة: خسارته لأصواته في الدورات الماضية، دليل أن القواعد الاجتماعية الكردية غير راضية عن خياراته وسياساته، وأنه مستمر في هبوط خطه البيان في أقرب محطة انتخابية. والخامسة: حسم زعيم الحركة القومية دولت بهجلي التوازنات لصالح تحالفه مع العدالة والتنمية، فالأخير ورغم إحكام سيطرته على البلاد منذ قرابة العقدين، لم يحصد سوى 36% فقط، بعد أن حصل على 42% في عام 2018، لكن العقل السياسي والانتخابي، ووجود نُخب فكرية وثقافية في دفة حكمه، مكنته من الاستثمار في أصوات الأحزاب القومية وتحديداً الحركة القومية والرفاه الجديد، إضافة لأصوات الهدى بار، وتمكن من الاحتفاظ بالأصوات المستاءة من سياساته ومنعها من التحول إلى المعارضة وإبقائها داخل تحالف الشعب. نجاح الأصوات القومية ضمن السلطة، والمعارضة -الحزب الجيد- من المُرجح أن يلعبان دورا حاسماً في رسم توجهات البرلمان والسلطة خلال السنوات الخمس المقبلة. السادسة: لم يستفد كُرد سوريا بأي شيء من العمل السياسي والتنظيمي للشعوب الديمقراطية، ولن يكون له أيّ دور في منع أو تجميد أيّ عمليات عسكرية ترغب تركيا بشنها. وبالمحصلة ثمة مخاوف جدية على الكُرد في سوريا وتركيا، ولا تغييرات في السياسات والتوجهات تلوح في الأفق.