icon
التغطية الحية

"القاتل الثاني" في حمص يثقل كاهل الأهالي ويستهلك طاقاتهم المادية

2022.04.21 | 19:26 دمشق

b-7.jpg
مجمع الباسل التخصصي في حي الزهراء بحمص (فيس بوك)
حمص - خالد الحمصي
+A
حجم الخط
-A

ضمن قائمة طويلة من أسباب المعاناة والمصاعب الحياتية التي تحاصر الأهالي في سوريا وتؤرق معيشتهم، يصعد مرض السرطان ليصبح في المقدمة إن لم يكن أولها بلا منازع، بتزايد غير مسبوق لحالات الإصابة والوفاة، وفتك بشرائح عمرية صغيرة ومتوسطة. ومع تعالي تحذيرات الجمعيات الدولية المختصة ومنظمة الصحة العالمية من هذا المرض، يخفت أنين المصابين في سوريا أمام هذا المرض الذي يطلق عليه البعض لقب "القاتل الثاني". 

السرطان في حمص

في حمص، اتخذ انتشار مرض السرطان منحىً غير مسبوق، وارتفعت أعداد المصابين به خلال السنوات الأخيرة إلى مايقارب 5000 مصاب، وبحسب إحصائيات شعبة الأمراض السارية والمزمنة في حمص، تم تسجيل نحو 700 حالة إصابة العام الماضي وبمعدل زيادة وصل إلى 15 في المئة سنوياً.

طبيب اختصاصي في معالجة الأورام الخبيثة في مشفى الزهراء بحمص "طلب عدم ذكر اسمه" قال لموقع تلفزيون سوريا: "بحسب الأرقام الرسمية، تبلغ نسبة مرضى السرطان في حمص أكثر من 25 في المئة من مجموع المرضى في عموم سوريا، والذي وصل إلى نحو 19000 إصابة"
وأضاف: "أكثر أنواع السرطانات انتشارا في حمص سرطان الدم وسرطان الثدي ثم سرطان الرئة، والفئات العمرية المصابة مختلفة، لكن خلال الأعوام الأخيرة ازدادت بشكل ملحوظ حالات الإصابة بالفئات العمرية بين 7 و 25 عاما، وتتقارب نسب الإصابة بين الرجال والنساء".

ويبدو أن الزيادة في معدل الإصابات جعلت الحديث عن المرض مألوفاً، لمياء المحمود (اسم مستعار)، من مدينة الرستن، وقريبة لأحد المصابين بسرطان الدم، قالت: "في السابق كنا نأنف أن نذكر اسم مرض السرطان، وكان الجميع يذكره باسم (المرض الغريب أو هداك المرض)، أما حاليا وبعد أن شاع انتشاره، صار من الطبيعي الحديث عن حالات الإصابة الجديدة، خاصة أن الحديث عنه بتلك اللهجة الحذرة بات يسبب ألماً نفسياً للمرضى وذويهم". 

أما جمال من الحولة، قال: "بتنا نسمع عن حالات إصابة عديدة، خلال العام السابق كانت لدينا حالتان جديدتان في حارتنا فقط، وكلاهما لأشخاص لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين، ولذلك توقف الناس عن استعمال الكلمات الحذرة والمخيفة كما السابق، وذلك بعد تنبه الناس لما تسببه هذه الكلمات من متاعب للمريض، وبعد أن تعافت العديد من الحالات". مشيراً إلى أن:" أمراض القلب والسرطان يتنافسان على لقب القاتل الثاني بينما يحافظ الأسد في سوريا على لقب القاتل الأول".

أسباب الإصابة بالسرطان

تُعد بعض العوامل المادية، مثل الأشعّة فوق البنفسجية والعوامل الكيميائية المسرطنة، مثل مكوّنات دخان التبغ والكحول، والعوامل البيولوجية، مثل الالتهابات الناجمة عن بعض الفيروسات، أهم أسباب الإصابة عالمياً، لكن للدكتورة بشرى (اسم مستعار) رأي آخر فيما يخص مدينة حمص، إذ اعتبرت أن "تأثير مخلفات الحرب والقصف، والتلوث البيئي الناتج عن وجود كل من مصفاة حمص التي تجعل من هواء المدينة ملوثا بالكامل، ومعمل السماد الذي يتخلص من مخلفاته الكيميائية في مياه نهر العاصي، والتغاضي عن تسميد المزروعات في العديد من مناطق الريف بمواد خطرة، يشكل بيئة خصبة للجراثيم والفيروسات التي تعد المسبب الرئيسي لبعض أنواع السرطان"، مشيرة إلى تعامل الأطباء خلال فترات القصف التي عاشتها حمص وريفها مع جائحات وبائية مثل الجرب والتهاب القصبات بالتزامن مع حملات قصف محددة.

الدكتور عبد الله.ع أحد الأطباء في وزارة الصحة التابعة للنظام والمتابع لملف السرطان لفت إلى أن الإحصائيات التي يتم نشرها عبر الوزارة غير دقيقة ولا تعبر عن الواقع، قائلاً :" بحسب ما يتم نشره عبر منظمة الصحة العالمية هناك 196 شخصاً يصاب من بين كل مئة ألف سوري، ولكن وزارة الصحة تتحدث عن 100 حالة من بين كل مئة ألف شخص"، موضحاً أن السبب في هذا التباين قد يكون مقصوداً، وربما بسبب أن الدراسة التي يعتمدها السجل الوطني للسرطان للوصول إلى أرقام تقوم على بيانات المشافي فقط، أما البيانات السكانية الشاملة فغير موجودة.

علاج السرطان في مشافي سوريا

تعاني سوريا من نقص في مراكز علاج السرطان، فعدد المحافظات المخدمة بمراكز علاجية يبلغ 6 محافظات فقط من أصل 14 محافظة. وفي حمص توجد أربعة مراكز تخصصية منتشرة في المدينة، تؤمن العلاج الكيميائي والجراحي، منها مركزان في مشفى كرم اللوز ومشفى الزهراء، وتفتقد هذه المراكز لتوفر العلاج الشعاعي الموجود فقط في مشفيي البيروني في دمشق وتشرين في اللاذقية.

الطبيبة ليان من مشفى كرم اللوز قالت: "بحسب بيانات منظمة الصحة العالمية يوجد جهاز شعاعي واحد فقط لكل 3 ملايين شخص في سوريا، بينما يتراوح العدد في معظم البلدان بين جهاز واحد و6 أجهزة لكل مليون شخص".

وأضافت: "يعتمد العلاج في العادة على الجراحة أو العلاج الكيميائي أو الإشعاعي، وأحيانا نضطر لاستخدامها مجتمعة"، مشيرة إلى أن "معظم الحالات تصل إلى قسم الأورام متأخرة، وهو ما يقلل من فائدة العلاج، لذلك نقوم بحملات توعية لمراجعة جهاز الكشف المبكر الموجود في المشفى، فبينما تكون نسبة نجاح العلاج في الدرجة الأولى والثانية من المرض مرتفعة، تنخفض جدا في الدرجة الثالثة والرابعة".
ولفتت الطبيبة ليان إلى وجود بين 9 و10 حالات مراجعة للكشف المبكر في مشفى كرم اللوز وحده يوميا.

 

photo_2022-04-21_17-09-16.jpg
داخل مشفى الباسل في حي الزهراء بحمص (خاص)

 

تعرّف إلى عوائق علاج السرطان في سوريا

ليس المرض وحده هو ما يؤرق المرضى وذويهم، فصعوبة العلاج تكاد تتفوق في آلامها على المرض نفسه، أحمد المبارك، 26 عاما من بلدة تيرمعلة، مصاب بسرطان الرئة، تحدث عن تجربته للموقع: "اكتشفت المرض مبكرا، وذلك أثناء مراجعتي لعيادة أحد الأطباء الذي اشتبه بوجوده، وهذا ما خفف عني تبعات الإصابة، لكن رحلة العلاج في حمص مرض آخر، فالعلاج الشعاعي موجود فقط في دمشق مما يسبب ضغطا هائلا في المشفى، وفي ظل غلاء المواصلات التي تسود البلاد، نعاني جدا لتأمين أجرة الذهاب إلى دمشق".

وفي عرضه للصعوبات التي يواجهها مرضى السرطان في حمص، قال حمزة.ف وهو والد أحد مصابي السرطان في حمص: "العلاج الجراحي والكيميائي موجود في معظم المحافظات تقريبا، لكن كل جرعة كيميائية واحدة تكلف ما يعادل  200 دولار أميركي شهرياً، وهذا المبلغ ضعف الدخل الشهري لمعظم العائلات، والعلاج الشعاعي موجود في دمشق واللاذقية فقط، وهذا يسبب عبئا حقيقيا إذ إن أجور المواصلات والإقامة لانتظار العلاج تكلف المريض ما يعادل 100 دولار لكل رحلة والتي قد تكون مطلوبة كل شهر".

الدكتور مصطفى.أ أضاف أن "نقص التجهيزات مثل جهاز "PET scan" وجهاز ومضان العظام ونقص الكوارد الطبية المختصة بسبب الهجرة، وعدم فعالية الأدوية المستوردة يعدّان أقسى الصعوبات في رحلة العلاج"، مشيراً إلى أن "معظم الأدوية الحالية تستورد من إيران وروسيا بعد أن خفضت حكومة النظام من الميزانية الخاصة بالصحة".

وكانت إليزابيث هوف ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا قد صرحت أن استيراد الأدوية تأثر بالنظر إلى فقدان الليرة نحو تسعين في المئة من قيمتها الأمر الذي جعل بعض الأدوية باهظة الكلفة. كما أن تبعات العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا تعرقل البنوك الأجنبية في مجال التعامل مع المدفوعات الخاصة باستيراد الأدوية.

مبادرات شعبية لمساعدة مرضى السرطان

نظراً لتفشي المرض وصعوبة العلاج قامت عدة مبادرات لمساعدة المصابين وذويهم، للحد من المعاناة الناتجة عن المرض، فكانت بعض المبادرات تنقل المصابين مجانا إلى دمشق، ومبادرات أخرى لجمع الأموال من الأهالي لصالح المريض، وهناك مبادرات أخرى أنشئت على سبيل المثال الجمعية السورية لمكافحة السرطان حمص، والتي تنظم أسواقا خيرية لدعم مرضى السرطان، وتقوم بجهود توعوية للتعريف بالمرض وأشكال التعامل معه.

بقي أن نذكر أن الوكالة الدولية لبحوث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية، ذكرت في تقريرها الصادر خلال أيلول عام 2018، أن "سوريا احتلت المركز الخامس من بين دول غرب آسيا في عدد الإصابات بأمراض السرطان قياساً بعدد السكان، وهناك 196 شخصاً مصاباً بالسرطان من بين كل 100 ألف سوري، و105 حالات وفاة من كل 100 ألف سوري".