icon
التغطية الحية

الفريلانسرز في سوريا: دخل يفوق مرتبات الشركات الخاصة وظروف عمل غير "وردية"

2024.01.31 | 06:53 دمشق

آخر تحديث: 31.01.2024 | 09:39 دمشق

الفريلانسرز في سوريا
الفريلانسرز في سوريا
دمشق - حنين عمران
+A
حجم الخط
-A

تحول العمل الحر لدى الشباب السوريين في السنوات الأخيرة إلى مصدر للدخل سواء أكان أساسياً أم ثانوياً. وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجه الشباب في تحقيق أعلى إنتاجية أو سحب الأرباح أو كسب العملاء، إلا أنّ العمل الحر يفرض نفسه بينهم نظراً للتطور الرقمي وأتمتة الأعمال والحاجة المادية.

مصدر دخل يفوق المرتبات الحكومية

ليس غريباً على الشباب السوريين أنّ بعض الأعمال المستقلة "الفريلانس" شكلت دخلاً أفضل من المرتبات الحكومية وحتى الوظائف لدى الشركات الخاصة، إلى جانب ما يتيحه العمل كـ فريلانسر من حرية الحركة وعدم التقيد بدوام ثابت أو بنظام مؤسساتي.

يتحدث (رضوان.م) الخريج في كلية المعلوماتية من جامعة دمشق لموقع تلفزيون سوريا عن بداياته في العمل المستقل، يقول: "بدأ الأمر من حاجتي إلى استثمار خبرتي في البرمجة لتأمين مصدر دخل أفضل نظراً لكون المرتب الحكومي الذي أتقاضاه من "وزارة النقل" لا يكفي حتى لتسديد إيجار المنزل، إلى جانب الطلب العالي على المبرمجين عالمياً، فتواصلت مع إحدى الشركات الألمانية المتخصصة ببرمجة المواقع وقد مكّنتني لغتي الإنكليزية الجيدة من إجراء مقابلة العمل وقبولي في فريقهم". 

يعمل رضوان وفق نظام "التاسكات" أونلاين؛ الذي يعتمد على إنهاء المهام المطلوبة في وقتها وتسليمها وتقاضي الأجر عن كل مهمة.

يقول رضوان: "المشكلة الأساسية في عملي مع هذه الشركة أو مع عملاء آخرين هو عدم وجود دخل ثابت في نهاية كل شهر، بل يعتمد الأمر على عدد المهام الموكلة إليّ".

عمل أساسي لغير الخريجين

يسعى عدد كبير من طلاب الجامعات وسط ظروف الغلاء المعيشي وعجز الأهل عن مساعدتهم إلى إتقان مهارة من مهارات العمل عبر الإنترنت لتأمين تكاليف الحياة الجامعية والمصروف اليومي؛ إذ ازدادت التوجهات في الآونة الأخيرة إلى اكتساب مهارات متعلقة بـ: 

  • التسويق الرقمي 
  • التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي 
  • التحليل الإحصائي 
  • التصميم الفني (غرافيك ديزاين)
  • المبيعات وخدمة الزبائن
  • بناء المواقع الإلكترونية وتصميم واجهة المستخدم 
  • إلى جانب الأعمال المرتبطة بالقدرة على الكتابة مثل كتابة المحتوى والكتابة الصحفية.

وفي كثير من الحالات لا يلزم للعمل عبر الإنترنت وجود شهادة جامعية في المجال نفسه، بل يكتفي هؤلاء الشباب بالالتحاق بدورة تدريبية (كورس) بعدد ساعات معينة والحصول على شهادة "مهنية" من أجل البدء بالعمل واكتساب خبرة "مبتدئ" ليتم بعدها تطوير المهارة المكتسبة وبناء سيرة ذاتية تُحسِّن لاحقاً من فُرص العمل.

تتحدث (رزان. ك) لموقع تلفزيون سوريا، عن بداية عملها في كتابة المحتوى وإدارة وسائل التواصل الاجتماعي، تقول رزان: "لازلت طالبة في كلية الإعلام، وما يرسله أهلي من مصروف شهري –حسب إمكانياتهم المادية- غير كافٍ، لذا قررت الالتحاق بكورس social media marketing  أقامته إحدى الفرق التطوعية في دمشق برسوم رمزية للمشاركين، وبعد ذلك عملت مع الفريق التطوعي نفسه باستلام منصاته الاجتماعية واستغلال موهبتي في الكتابة، قبل أن أنتقل للعمل مع إحدى الشركات الإعلانية في دبي بوظيفة كاتب محتوى عن بُعد remotely".

واستطاعت رزان تحصيل فرصة العمل هذه عن طريق أحد معارفها الذي يعيش في الإمارات، وعن الأجور التي تتقاضاها فتصل إلى ما يُعادل 600 درهم إماراتي شهرياً.

تقول: "لم أستطع الالتزام بوظيفة بدوام ثابت لكوني مضطرة إلى التقيد بالدوام الجامعي بشكل شبه يومي، فكان العمل عبر الإنترنت هو المنجاة الوحيدة في هذه الظروف الصعبة، واستطعت بذلك الاعتماد كلياً على نفسي وخففت الأعباء عن أهلي".

كورسات بالجملة تجتاح السوق السورية

أنتج التحول العالمي إلى العمل عبر الإنترنت، الحاجة إلى إتقان مهارات جديدة تتلاءم مع التطور الرقمي وظهور مجالات عمل لم تكن موجودة قبل بضع سنوات. وترسخت فكرة العمل الحر بعد جائحة كورونا وظروف الحجر المنزلي وتعطّل أعمال الشركات. 

واقتصر اللحاق بهذا التطور التقني في سوريا على الجهود الفردية والخاصة، فيما بقيت حكومة النظام السوري خارج صيرورة التقدم العالمي، سواء على مستوى الأعمال المكتبية والخدمات الحكومية أو على مستوى وسائل التعليم في الجامعات والمدارس؛ وكان من أعظم إنجازات حكومة النظام في السنوات العشر الأخيرة: الصرافات الآلية  ATM الخارجة عن الخدمة بصورة شبه دائمة والبطاقة الذكية التي "يلعنها" السوريون في كل مناسبة.

وبالتوازي مع التطور التقني، حاولت بعض الشركات الخاصة والفرق التطوعية الشبابية، توعية المجتمع السوري على مجالات العمل المستقل والمهارات المطلوبة عالمياً من خلال الورشات التعريفية التي لا تتجاوز عدة ساعات والدورات التدريبية التي تستمر لأيام أو أشهر. 

وتتراوح أسعار هذه الدورات بين المجانية تماماً والمبالغ الرمزية والأرقام الخيالية، حسب الجهة المنظمة والمدرب والمادة التدريبية وعدد الساعات. 

الجدير بالذكر أن أسماء الأسد زوجة رئيس النظام السوري حاولت عبر جمعياتها غير الحكومية ولا سيما أمانتها "الأمانة السورية للتنمية" السيطرة بشكل أو بآخر على المشاريع الشبابية في المجتمع السوري عبر "منارات" الأمانة السورية، ويتضمن ذلك إقامة الورشات والكورسات التي يتم من خلالها استقطاب فئة كبيرة من الشباب وجمع بياناتهم وزجّهم في كل مناسبة تتطلب جمهوراً شبابياً أو في الأعمال التطوعية، إلى جانب اختراق الجامعات الخاصة والحكومية بإقامة الأنشطة المرتبطة بهذه المنارات؛ الأمر الذي أتاح لأسماء الأسد حصد التمويل من منظمات دولية لدعم "أمانتها" من جهة، واختراق المجتمعات الشبابية بحجة دعمهم وتطوير خبراتهم أو حتى تأمين فرص العمل من جهةٍ أُخرى.

على الجانب الآخر، فقد نشأت شركات خاصة بترخيص "تجاري" تقيم الدورات التدريبية وتمنح الاستشارات المهنية مقابل مبالغ قد تصل في بعض الحالات إلى نصف مليون ليرة سورية للدورة التدريبية أو 300 ألف ليرة سورية للاستشارة الساعيّة. 

ونظراً لكون المؤسسات والشركات التدريبية فاقت عدد القادرين على تحصيل فرص عمل، إلى جانب رداءة ما يقدمه بعض المدربين قليلي الخبرة، تحولت العلم بأيديهم إلى "مصدر رزق" وتجارة دون فائدة حقيقية يجنيها المتدربون، وإلى سوق يتنافس فيه المدربون وشركاتهم التدريبية بشراسة لا تخلو من الضغينة والأذية إن لزم الأمر، فأطلق بعض السوريين عليها اسم "كورسات على البَسطة".

صعوبات يواجهها الفريلانسرز السوريون

لا تُعد ظروف العمل الحر مريحة أو "وردية" في بلد يفتقر إلى أدنى مقومات الحياة اليومية والمهنية، ولا سيما بالنسبة إلى الأعمال التي تطلّب وجود الكهرباء والإنترنت بشكل دائم.

وتتلخص مشكلات العمل الحر في سوريا بالنقاط الآتية:

1- غياب الكهرباء والإنترنت

لا يتجاوز عدد ساعات الوصل الكهربائي في أفضل الحالات الساعتين مقابل 4 أو 6 ساعات قطع، فضلاً عن أن ساعتي الوصل الكهربائي تأتي بصورة متقطعة وبتيار ضعيف، فلا تكفي لإكمال شحن الأجهزة المحمولة.

أما سرعة الإنترنت فهي لا تتجاوز 24 ميجا بايت في الثانية في أفضل الحالات، إلى جانب الأعطال المتكررة في شبكة الإنترنت على الرغم من التكاليف العالية سواء لتفعيل البوابات المنزلية أو للاشتراك بباقات الإنترنت عبر الشبكة الخلوية؛ الأمر الذي سبب بدوره تكلفةً مضاعفة على الطلاب والعاملين عبر الإنترنت.

انتشرت في الآونة الأخيرة مراكز للدراسة وللعمل تتوفر فيها الكهرباء والإنترنت والتدفئة وقد سلط موقع تلفزيون سوريا الضوء في مقال سابق على هذه المراكز وكيف شكلت جزءاً من الحل بالنسبة إلى الطلاب والفريلانسرز.

2- صعوبات تحويل الأموال

تعد مشكلة تحصيل المستحقات المالية من أهم المشكلات التي تواجه الفريلانسرز بسبب انعدام وسائل الدفع الإلكتروني بين سوريا والدول الأخرى مثل البطاقات البنكية والـ PayPal نتيجة فرض العقوبات الدولية على النظام السوري وعلى الشركات المالية والبنوك التابعة له. إلى جانب أن استلام الحوالات عبر البنك المركزي السوري يشكل خسارة في قيمة المبلغ المالي لكون سعر صرف الليرة السورية في المركزي أقل من سعره في السوق السوداء.

في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، يخبرنا المستشار في مجال التسويق الرقمي (فراس. ز) عن الطرق التي تحايل بها السوريون لاستلام مستحقاتهم المالية بعيداً عن المركزي وعن ملاحقة النظام السوري، يقول فراس: "إحدى الطرق تتمثل في تحويل المبلغ المالي إلى حساب بنكي يملكه أحد الأقارب أو الأًصدقاء في دولة ثانية، ثم يتم استلامها في سوريا من خلال شخص آخر من معارف صاحب الحساب البنكي شرط أن يكون بينهما تعامل مالي؛ فمثلاً إذا كان لدي صديق يعمل في الإمارات ولديه حساب بنكي ويقوم بتأجير بيته في سوريا، يمكنني تحويل مبالغي المالية إلى حسابه بصورة مباشرة ثم يمكنني استلامها من المُستأجر لديه؛ أي أنني أقبض الإيجارات من المستأجر بما يعادل مستحقاتي المحولة إلى حساب صديقي".

كما يلجأ بعض الفريلانسرز السوريين إلى استلام حوالاتهم المالية عبر مكاتب غير مرخصة في مناطق سيطرة النظام وبسعر السوق السوداء؛ إذ انتشرت هذه المكاتب بشكل كبير خلال سنوات الحرب السورية ولا يتوانى النظام السوري في ملاحقتها ومعاقبة أصحابها.

3- عدد كبير من الفريلانسرز ومنافسة شديدة

ازداد عدد العاملين عبر الإنترنت بشكل كبير ولا سيما في آخر ثلاث سنوات، وأصبح المقياس الأهم لتحصيل فرصة عمل هو عدد سنوات الخبرة التي يثبتها عادةً اختبار مُرفق بمقابلة العمل، فالمنافسة الشديدة سواء بين الفريلانسرز السوريين أو حتى مع الفريلانسرز العرب خلقت حالة هوسية لدى الشباب لتطوير قدراتهم وتوسيع إلمامهم بالمجال التقني بصورة مستمرة. 

ويترافق العرض الكبير في هذه الحالة مع ثبات الطلب أو تأرجحه ما يسبب بدوره انخفاضاً في العائد؛ فوجود عدد كبير من العاملين أو الخبراء بمجال معين يؤدي إلى انخفاض قيمة المرتّبات والأجور.

4- إعراض بعض الشركات عن تشغيل السوريين

تمتنع بعض الشركات الكبرى عن تشغيل الفريلانسرز السوريين لكونهم "سوريين" فقط على الرغم من خبرتهم الطويلة أو سيرتهم الذاتية الاحترافية؛ فوجودهم في مناطق سيطرة النظام مقترن بالعقوبات الدولية وبالصورة العالمية عن هذه المناطق وما يرتبط بها من كارثية الوضع المعيشي والإنساني؛ الأمر الذي يقلل من سوية توقعات هذه الشركات حول جودة العمل والإنتاجية والقدرة على الالتزام من قبل الفريلانسر السوري المتقدم لفرصة العمل لديهم. 

وقد واجه العديد من الشباب السوريين "الرفض" المباشر لسيرتهم الذاتية فقط لكونهم ذكروا فيها مكان عيشهم في سوريا؛ الأمر الذي جعلهم يتحايلون على ذلك بتحديد مكان العيش في بلد قريب مثل لبنان أو تركيا أو العراق.

يقول رضوان: "عند التقدم للعمل مع الشركة الألمانية أخبرتهم بأنني أعيش في تركيا، وبالفعل استخدمت رقم الهاتف الخاص بأخي الذي يعيش في إسطنبول، ثم بدأت بتحويل مستحقاتي المالية إلى حسابه البنكي ليعيد تحويلها إليّ في سوريا عبر مكاتب الحوالات القريبة منه وبسعر السوق السوداء".