icon
التغطية الحية

عمل بلا رأس مال.. التسويق الإلكتروني ملاذ السيدات شمال غربي سوريا

2024.01.14 | 05:44 دمشق

تطبيق للتسويق الإلكتروني ـ تلفزيون سوريا
تطبيق للتسويق الإلكتروني ـ تلفزيون سوريا
إدلب ـ عمر حاج حسين
+A
حجم الخط
-A

في ظل الضائقة الاقتصادية التي تخيم على سكان الشمال السوري، وانعدام فرص العمل، بات الإقبال على التجارة الإلكترونية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، سبيلاً لعددٍ غفير من السكان وتحديداً النساء بهدف تحسين مستوى معيشتهن، في ظل ارتفاع نسب البطالة والتي تظهر بصورة أكبر عند النساء اللواتي فقدن أزواجهن ويعشن في المخيمات على الحدود السورية - التركية.

ويقتصر عمل السيدات العاملات في التجارة الإلكترونية على إنشائهن مجموعات بيع متنوعة عبر منصّة "واتساب" والتي تعتبر الأكثر شيوعاً شمالي سوريا، منها لبيع "الألبسة الجديدة والمستعملة، وأخرى لبيع قطع الزجاج وفرش المنزل والمواد الغذائية".

ويتلخص عملهن على عرض البضائع، وإيصال أي قطعة يتم بيعها لأي منزل وفي أي مكان ضمن منطقة جغرافية تُحدّدها البائعة، إذ تجلس السيدات العاملات في هذا المجال على هواتفهن المحمولة لساعات طويلة، في طريقة اعتبرها كثيرون بأنها مجدية أكثر من ذهاب الشخص إلى السوق والتنقل بحثاً عن طلبه.

مهارات تسويق

ويعود نجاح فكرة العمل الإلكتروني وفق عددٍ من السيدات اللواتي التقى بهن موقع تلفزيون سوريا، على أساس "مهارة التسويق" للبضاعة، وبالتالي؛ تحقيق دخل معقول من البيع.

عفاف الحسين (36 عاماً) أم لثلاثة أطفال من سكان مدينة الأتارب في ريف حلب الغربي، تساهم من خلال عملها في التسويق الإلكتروني، بتحقيق دخل يساعد أسرتها في حياة كريمة، بعيداً عن مدّ اليد واﻻستدانة كما تقول لـ تلفزيون سوريا، وخاصة في ظل ظروف الغلاء المعيشي التي تشهده المنطقة.

وليست عفاف الوحيدة في هذا المجال فثمة العشرات من النساء اللواتي دخلن مجال "التسويق اﻹلكتروني" مؤخراً، وفقا لها؛ حيث أكّدت على أن مهارة إقناع الزبائن هي أساس عملها، عبر إشعارهم بأنّ المادة التي سيشترونها ضرورية، أو مهمة وحتى أقل كلفة مقارنة بغيرها في السوق.

عمل بلا رأس مال

وأمّا المهجرة إنصاف عبد الرحمن (40 عاماً) والتي تسكن مخيم البردقلي شمالي إدلب، فقد أكّدت لموقع تلفزيون سوريا على أنها اختارت العمل في مجال التسويق اﻹلكتروني، كونه عملا ﻻ يحتاج إلى رأس مال، فضلاً عن أهمية بقائها في منزلها بجانب أوﻻدها الأربعة ووالدتها التي تعاني من شلل نتيجة القصف على حي كفر بطنا بريف دمشق، قبل التهجير القسري.

وتجمع السيدات اللواتي التقينا بهن؛ أنّ ما يشجع أيضا على مزاولة هذه المهنة، أنها ﻻ تحتاج إلى مستوى تعليمي أو جامعي، إنما تحتاج إلى ميزة وحيدة وهي "القدرة على اﻹقناع".

 آليات العمل.. من تركيا إلى إدلب

تقول السيدة عفاف إنّ أحد أقاربها في تركيا، عرض عليها الفكرة قبل نحو أربعة أشهر، لكنها لم توافق في بداية الأمر، ومع إلحاح الحاجة والظروف وتراكم بعض الديون، وجدت نفسها مقبلةً على قبول العرض، الذي وصفته بالـ"مغري".

تعمل اليوم عفاف كما تصف نفسها كـ"مندوبة مبيعات" لشركة تركية لها فروع عدّة في أرياف إدلب، تعمل في مجال تسويق مستحضرات التجميل، وما يتعلق بهذا الموضوع من كريمات عناية بالبشرة والشعر.

وتتلخص آليات العمل بدايةً، بشراء خط هاتف تركي، إضافة لهوية شخصية، بهدف تسجيل اسم الوكيل عند الشحن لإرسال الطلبيات من تركيا، وفقا لها، إذ أوضحت أن عملها يقتصر على عرض المنتجات وتصويرها من الجوال، ونشرها عبر منصّة التواصل اﻻجتماعي "واتساب"، مع شرح أهمية وقيمة المادة المعروضة.

واسترسلت قائلةً في أثناء حديثها المطوّل مع موقع تلفزيون سوريا، أن انطلاقها بالعمل بدأ عبر اتصاﻻتٍ أجرتها مع بعض أقاربها ومعارفها، أو ما تصفه بـ"الدائرة الضيقة" قبل أن تتوسع، بعد أن شهدت تقدماً في البيع بعد أشهر قليلة.

للألبسة النسائية سوقها أيضاً

وعلى غرار السيدة "عفاف" تعمل بعض السيدات، في تسويق "الملابس" بذات الطريقة السابقة، إذ تروي السيدة سارة النبهان (32 عاماً) وهي أم لـ3 أطفال أنّ تسويق اﻷلبسة النسائية وخاصة الداخلية (اللانجري) فكرة مربحة وتحقق دخلا معقولا، خاصة أن السيدات أعرف بطريقة نظيراتهن بأهمية الشراء منهن دون غيرهم.

وتختلف السيدات في طريقة عرض بضائعهن، عبر منصات التواصل اﻻجتماعي، وفقاً لـ"سارة" التي فقدت زوجها بغارة جويّة منذ 6 سنوات في إدلب، وتُشير إلى أن بعض السيدات تسوّق منتجاتها على منصات إلكترونية عدّة  كـ"فيس بوك، والتيك توك وإنستغرام".

وتوضح أن تلك التطبيقات تحظى بنسب مشاهدات مرتفعة، اﻷمر الذي يساعد في الترويج لعدد أكبر من الناس وفي مناطق مختلفة بعيداً عن الدائرة الضيقة، حيث يعتمد الربح أو نسبة اﻷرباح على ما يباع من كميات وقطع.

"الوقت الضائع مرفوض"

وتصرّ جميع السيدات اللواتي تحدثنا معهن على أن الوقت الضائع في العمل الإلكتروني يعتبر مرفوضاً تماماً، إذ تؤكد معظمهن بأنهن قادرات على التحكم في زمن وتوقيت بدء أنشطتهن، وإنهاء فترة العمل وفقاً لخطة موضوعة مسبقاً اكتسبنها خلال الفترة التي مررن بها من العمل في هذا المجال، وذلك بما يتناسب مع أوضاعهن في بيوتهن.

وما يدّل على حقيقة ما روينه هو كلام السيدة "عفاف" التي حدثتنا في مطلع التقرير، حيث قالت: "إن والدتي مريضة، ولدي أطفال وبالتالي؛ أحتاج إلى وقت محدّد للراحة وممارسة دوري في إدارة المنزل أيضاُ، وﻻ أخفي أنني في البدايات كنت فوضوية، ولكن سرعان ما بدأت بتنظيم الوقت بما يتلاءم مع ظروفي، وأرفض إضاعة وهدر الوقت دون طائل".

وتوافق حديث عفاف مع السيدة "سارة" أيضاً التي بيّنت أن طريقة الربح أساساً تعتمد على زيادة نسبة المبيع من القطع، وأن الظروف تتطلب إدارة للوقت بهدف تحقيق الموازنة بين اﻷسرة والعمل، مشيرةً بقولها: "لقد نجحت مؤخراً في إقناع إدارة الشركة التي أعمل معها كمندوبة تسويق في تقديم بعض العروض والهدايا للزبائن، مِمّا ساهم في زيادة دخلي الشهري حتى وصل إلى 90 دولاراً أميركياً بعد أن كان 60 دولاراً فقط".

10 ليرات تركية على كل 100 ليرة

من جهتها، تعمل السيدة غزل معروف (39 عاماً) من بلدة الجينة غربي حلب، على عرض منتجات عديدة منها "الألبسة وأنواع عديدة من الزجاج ولوازم السيدات في منازلهن" على غرفة في منصّة "واتساب" تضم ما يزيد على 250 سيّدة من البلدة، إذ تؤكد خلال حديثها مع موقع تلفزيون سوريا، أنها تتعامل مع العديد من المحال التجارية في البلدة والمدينة المجاورة "الأتارب" والتي من شأنهم تزويدها بصور منتجاتهم وأسعارها.

تُشير السيدة غزل إلى أنها تتكفل بنفسها في جلب البضائع الموصّى عليها من قبل الزبائن من المحال التجارية التي تتعامل معهم، والتي تحفظ بدورها وفق قولها؛ أجور الطرقات بالإضافة لمربح يُقدر بـ 10 ليرات تركية عن كل 100 ليرة تركية من ثمن أي قطعة تباع عن طريقها.

وبيّنت في أثناء حديثها أن متوسط دخلها الشهري يتراوح ما بين 2000 ليرة تركية حتى 4000 آلاف ليرة كأعلى حد، واصفة هذا الدخل بـ"الممتاز".

لـ "أصحاب المحال التجارية رأيهم"

على الطرف المقابل، انقسمت آراء أصحاب المحال التجارية، بين مؤيدٍ لفكرة التسويق اﻹلكتروني الذي تمارسه اليوم السيدات في منازلهن، ومعارضٍ لها، رغم أن الجميع لديهم إجماع على أنها فكرة مربحة.

يقول حسان كوكش صاحب محل (ﻻنجري) في بلدة ترمانين شمالي إدلب، لـموقع تلفزيون سوريا: إن "البيع وفق هذه الطريقة، فكرة رائعة ومربحة، وأعارض من ينظر إليها كأنها مضاربة على عملنا في المحلات بالسوق، فهذه أرزاق موزعة".

ولكن "نبال عبد الحي" وهو تاجر أدوات تجميل في ترمانين، يرى أنّ الموثوقية غائبة بتاتاً من هذه البضاعة التي يتم عرضها على الإنترنت، وهذا له أضراره حتماً، ولكنها فكرة بالنهاية مغرية للعمل بالنسبة للسيدات في هذه الظروف؛ فهي فقط تحتاج إلى دعم وتنظيم، حسب قوله.

استثمار اقتصادي واجتماعي مدروس

ينظر الخبير الاقتصادي "بلال العظم" إلى عمل السيدات في مجال التسويق اﻹلكتروني في شمالي سوريا، على أنه "استثمار رابح في الوقت"، وهو مهنياً مادة تدّرس في الجامعات تحت مسمى الدعاية والتسويق، إذ يفلح بهذه المشاريع فئة قليلة تمتلك "مهارة اﻹقناع" و"التحدث اللبق مع الزبائن"، وهذا يدفعنا للقول إنّ "الشهادة مهمة لكنها اليوم حقيقة تعتمد على إصرار السيدات العاملات في هذا الباب على النجاح وإثبات ذواتهن بعيداً عن المساعدات وما يتعلق بها".

واعتبر العظم في أثناء حديثه مع موقع تلفزيون سوريا أن فكرة اﻻبتعاد عن مدّ اليد للمنظمات وغيرها، فكرة اقتصادية ناجحة، ولها انعكاس إيجابي على الدخل للأسرة، بل وحتى تحريك السوق، في الوقت التي تغيب فرص العمل عن شمالي سوريا إثر التضخم السكاني وقلّة المشاريع الإنتاجية.

وأشار إلى أن فكرة التسويق اﻹلكتروني واستثمار منصات التواصل اﻻجتماعي، كسرت حقيقةً الصورة النمطية للعمل، وخاصة للنساء المحافظات في المجتمع السوري شمال غربي البلاد، إذ دفعت الفكرة نحو فتح باب معيشي للمجتمع من شأنه محاربة الواقع اﻻقتصادي المتردي.

فرصة ﻹثبات تفوق المرأة

وفي هذا السياق، جزمت الناشطة المدنية والتي تهتم في شؤون المرأة "لمى طاهر" أن امتهان "التسويق اﻹلكتروني" فرصة ﻹثبات تفوق المرأة ونجاحها في الشمال السوري، اللاتي عملن وغامرن معظمهن على إنشاء وخلق فرصة عمل واستثمار، بعيداً عن الشكوى وإضاعة الوقت.

ولفتت طاهر إلى أن "السيدات أساساً هن شريكات ﻷزواجهن في تأمين مصروف المنزل والأطفال، ولكن ما رأيناه وما زلنا نراه من باقي النساء أن العديد منهن يعتبرن أنفسهن غير مكلفات في مساعدة أزواجهن سواء في دفع إيجار المنزل أو النفقات الأخرى، في وقت أيضاً نرى العديد منهن يوقفهن عن هذا العمل عادات وتقاليد تُلزمها في تفرغها لأسرتها فقط".

وتجمع وجهتا النظر المدنية واﻻقتصادية أن المرأة في شمال غربي سوريا، من خلال دخولها سوق "التسويق الإلكتروني" أوجدت نموذجاً مميزا لمواجهة مصاعب الحياة، مع ما قد يحمل من بعض السلبيات التي يتم تلافيها من خلال التجربة.

وعملياً، يمكن وصف دخول المرأة السورية بوابة اﻻستثمار في سوق التسويق اﻹلكتروني من بوابة الإنترنت، بأنها خطوة ناجحة من شأنها أن تساعد المرأة وخاصّة في الشمال السوري، على تأمين مصدر داخل لها من داخل منزلها أو خيمتها.