العقل والإصلاح الديني عند مفكري النهضة

2019.12.20 | 19:12 دمشق

923413665c0ba1573ccee88d66cf65d23176db015.jpg
+A
حجم الخط
-A

احتلّ العقل منزلة رفيعة لدى زعماء حركة الإصلاح فقد عدّوه مناط التكليف، وحجة الله على عباده، ورأوا فيه ضرورة للدين وضرورة الدين له، وذهب الكواكبي ومحمد عبده إلى تفضيل العقل على النقل في حال تعارضهما.

وقد رأى مفكّرو النهضة بأن الإسلام يناصر العلم ولا يتعارض معه، بل لقد أُلّفت الكتب في الرد على من يتّهم الإسلام بأنه ضد العلم.

وعلى صعيد التربية فقد شغل المصلحون أنفسهم بها وعدوّها أساس كل تطوير، ورأوا أن تصحيح الفكر والاعتقاد هو بداية الإصلاح العام.

وقد ارتبط لديهم العلم بالعمل، ردّاً على التواكل والعطالة، فلا علم من دون العمل به، ولا عمل من دون علم يرشده ويعصمه.

ودعا المصلحون في ذلك كلّه إلى الاعتدال

كان لرجالات النهضة حضور واضح يُقاس بالتحريض والتوجيه الذي دعا إلى ربط الإصلاح الديني بالسياسة والتربية مما خلق وعياً مشرقاً في الأجيال التالية

وإقامة التوازن بين الدنيا والآخرة والجسد والروح، بلا إفراط ولا تفريط.

وعن تأثير حركة الإصلاح كتب الدكتور اليافي مشيداً بإنجازاتها التي تجسّدت في الأفكار التي تلتها، وذلك على مستويين:

مستوى المناخ الذي أشاعته، ومستوى الأفق الذي فرضته.

وبذلك كان لرجالات النهضة حضور واضح يُقاس بالتحريض والتوجيه الذي دعا إلى ربط الإصلاح الديني بالسياسة والتربية مما خلق وعياً مشرقاً في الأجيال التالية.

إنّ أهم النتائج التي يمكن استخلاصها من دراسة فكر النهضة، تبدو في النقاط الآتية:

1- عبّرت الآراء الإصلاحية عن وجود نقاط مشتركة إزاء قضية الإصلاح الديني تنطلق من الإسلام، وشكّلت في مجموعها أسساً لنظرية متلامحة ومتكاملة.

2- تبدأ هذه النظرية وضع أولى قواعدها من تصحيح الاعتقاد أو تصحيح الفكر للفرد والأمة، بالرجوع إلى أصل الدين قبل أن تشوّهه اختلافات التاريخ والمصالح، وبالرجوع إلى نصّه القرآني ليُقرأ وفق العصر.

3- إن إصلاح حال المسلمين بالرجوع إلى دينهم أكثر يسراً وصلاحاً من إصلاحهم عن طريق التقليد الأوروبي.

4- إن التقدّم لا يؤتي ثماره إلاّ إذا كان ذاتياً، يحقّق للفرد والأمة هويّة وخصوصيّة وحضوراً.

5- لا يمكن أن يتم الإصلاح من خلال قطيعة كاملة مع الأصول والتراث.

6- ما يزال الفكر النهضوي يراوح مكانه، لأنه لم يعرف تراكماً وإضافة وتطويراً، فظلّ معلّقاً ولم يُنجَز.

7- لابد لنا من إحياء النهضة اليوم، وبعث الحوار مع الإصلاح الديني من جديد.

8- إن إقامة المصالحة بين الفكرين القومي والديني، مفيدة على هذا الصعيد.

ثم أليس هذا ما ترمي إليه الرسالة الخالدة التي ندب إلى حملها المسلمين وفي طليعتهم العرب ليتوجّهوا بها إلى الإنسانية جمعاء تحقيقاً لوعد الله ” كنتم خير أمة أخرجت للناس”؟

فمتى يكون ذلك؟ إنه سؤال مفتوح نتمنى أن يساهم المفكرون في محاولة الإجابة عنه كما حاول د. اليافي في كتابه الذي ندعو إلى قراءته ومناقشته لما فيه من آراء تحفز الفكر وتدعو إلى التأمّـل، وستكون لنا وقفة نقدية معه، لا تتجاوز تبيين وجهة نظر تحاول متابعة ما أوحى لنا به من أفكار، وأقصد كتابه (حركة الإصلاح الديني في عصر النهضة)

نخلص مما تقدم إلى نتائج ثلاث:

الأولى: نميّز فيها بين موقفين:

الموقف الأول: يظهر فيه الفكر النهضوي المدافع عن تراث الإسلام كما كان في عهد الرسول والخلفاء الراشدين.

الموقف الثاني: يتضح فيه موقف الفكر النهضوي المنفتح للتلقي عن أوروبا فهو لم يقتصر

الفكر النهضوي فكر توفيقي حاول إقامة صلح بين الإسلام وبين الفكر القادم من أوروبا، محاولاً أن يتم ذلك – من خلال انتقائيته – لصالح الإسلام على قدر إمكانه

في فهمه الحرية استناداً إلى أسس إسلامية وحسب، بل نهل من مفاهيم الغرب لها أيضاً، فكانت آراؤه مزيجاً من تعاليم الإسلام ومن محصلة اطلاعه على الفكر الأوروبي الحديث متمثلاً في مفكري الثورة الفرنسية، مما حدا به إلى التركيز على أهمية الفرد وسط المجموع.

وبذلك استطاع أن يفهم الحرية على أنها: قومية ضد الاستعمار، ودينية ضد الاستلاب، وسياسية ضد الاستبداد. لكنه كان يوتوبياً في فهمه الحرية الاقتصادية إذ اعتمد في تحققها على الأخلاق لا على القانون الناظم لها.

الثانية: أما النتيجة الثانية فإنها تأتي من سالفتها إذ نلاحظ أن الفكر النهضوي فكر توفيقي حاول إقامة صلح بين الإسلام وبين الفكر القادم من أوروبا، محاولاً أن يتم ذلك – من خلال انتقائيته – لصالح الإسلام على قدر إمكانه.

الثالثة: النتيجة الثالثة هي أن أطروحاته النهضوية اعتمدت على وصف أخلاقي أكثر منها على تحليل موضوعي.

وعلى الرغم من ذلك فإن حلوله إيجابية في كثير من جوانبها، وتعتمد على العمل. فهو فكر عملي، عرف للدين مكانته في حياة الناس، ورأى أن إصلاحهم لا يتم إلا بإصلاح المفاهيم الدينية التي حُرفت.

ولأنه فكر عملي فإن ذلك جعله فكراً إجرائياً أكثر منه تنظيريّاً، وهذا طبيعي لأن العمل متغيّر تبعاً للمواقف التي يواجهها العامل. ولهذا لم تكن آراء أعلام النهضة إلاّ بدافع أن تصبح برنامجاً للعمل. ومهما يمكن أن يُقال عن سلبيات الفكر النهضوي إلا أنه لا يمكننا إنكار أننا لم نزل في حاجة إلى أن ننهل من أفكاره ونتعلم من حلوله، هذا فضلاً عن أننا نحتاج إلى الاقتداء به للبحث عن بدائل عصرنا كما فعل أصحابه.

كلمات مفتاحية