أزمات الشباب السوريين بين الواقع والطموح

2021.02.09 | 00:03 دمشق

_102750449_3ded2161-aea8-4ed1-9d52-f0a8b43843c7.jpg
+A
حجم الخط
-A

إن أزمة الشباب تختلف شكلاً ومضموناً وعمقاً بحسب المجتمع الذي ينشأ الشاب فيه، ويعكس، بالتالي، في أزمته الظروف الاجتماعية التي ينشأ فيها.

هناك تغيّرات تحدث داخل الشاب، تؤثّر، لكن الأثر الكبير إنّما مردّه إلى طريقة تعامل المجتمع مع الظروف التي أدّت إلى تحوّل الأشبال إلى مرحلة الشباب.

غالباً ما يكون التغيّر الفيزيولوجي غامضاً، حيث لم يعد الشاب يعامَل معاملة الطفل، وبالوقت نفسه لا يُسمح له بإبداء الرأي وبالمشاركة في أعمال الكبار، فيشعر الشاب بالاغتراب لأنّه لا يعرف من هو، بعد أن أُخرج من مرحلة الطفولة وأساليب التعامل معها، في حين لا يُعامل معاملة الراشدين، فيشعر بأنّه هامشي غير مرغوب به.

إن حاجات الشاب تتوزّع على الشكل الآتي

1- حاجات فيزيولوجية: تتكون من دوافع متنوعة تحتاج إلى إشباعها.

2- حاجات نفسية: تتطلّب فهم الذات وتقبّلها وفهم الآخرين لها بمنح الشاب استقلالاً نسبياً لاتّخاذ القرارات المهمة التي يكون لها دور رئيس في تقرير مصيره، وفي تشكيل سيرة حياته.

3- حاجات اجتماعية: تتركّز في قبوله بمجتمع الراشدين، ومنحه الحب، ومنحه فرصةً لتأكيد الذات من خلال عمل مهم يقوم به للمجتمع.

لكن الإحباطات التي يعانيها على الصُعُد المختلفة، تؤثّر في توجّهاته، وفي طريقة تعامله مع العالم الخارجي الذي يبدو عدائيّـاً في كثير من الأحيان.

إن الوضع المربك للشاب السوري تشكّل من وضع العرب غير المرضي لطموحه، فلا هو ينتمي إلى دولة قوية تستطيع مجابهة التحديات العالمية، ولا هو يأخذ فرصته في السعي إلى تحقيق ذلك. هذا فضلاً عن ملاحظته وجود فئات اجتماعية متفاوتة ومتناحرة في مجتمع استهلاكي يعاني من بيروقراطية تعيق حركة الشباب هذا في حين أنهم يلاحظون تقدّم العالم علمياً بشكل كبير، في حين أنهم ورثوا حيرتنا بين التراث والغرب.

بين الأصالة والمعاصرة يقف السوري بقدرات فرديّة ضعيفة تحاول إمساك العصا من الوسط

ومن الجلي أن المثقفين السوريين، أو ما يمكن تسميته مجتمع الكبار، مازالوا متوزّعين بين الانكفاء إلى التراث مع رفض كامل للغرب ومنجزاته وقيمه وأفكاره، وبين الافتتان بالغرب الذي استطاع تحقيق إنجازات واسعة في شتى الميادين. أما الموقف الثالث فهو مجرد محاولات توفيقية بين التراث والغرب، أو بين التراث الذي يرمز إلى الأصالة، والغرب الذي يرمز إلى المعاصرة.

وبين الأصالة والمعاصرة يقف السوري بقدرات فرديّة ضعيفة تحاول إمساك العصا من الوسط. ولا يقتصر الأمر على ذلك، لأنّ الغرب غربان، اشتراكي ورأسمالي، نلاحظ التفاوت بينهما وننحاز إلى أحدهما، ومع ذلك تبقى بيننا فروق شاسعة تعمّقها القيم المختلفة التي لا يمكن تجاهلها عبر العصور.

إن السرعة المتزايدة في التقدّم التكنولوجي المستجلَب من الخارج يربك شبابنا، لأننا لم نستعد كفاية للتكيّف مع هذا التقدّم في منظومة قيم مناسبة، كما أننا نكتفي باستيراد منجزات العلم الحديث من غير أن نتمكّن من امتلاك مفاتيح أسراره. وهذا يتركنا عرضة للاستلاب والتبعية الدائمة لمن يمتلك - في أي وقت - إرسال فيروس يشلّ كل التقنيات التي ننعم بها (بفضل) ما يقدّمه الغرب من (فتات) لنا، خاصة من المصانع أو الأسلحة التي ترغب الدول المتقدّمة في التخلّص منها. هذا في حين أننا نطالب الشباب بالتعلّم موضّحين أهمية العلم وضرورته، ثم نسد بوجوههم الطرق إليه. نطالبهم بالحصول على معدّلات عالية خلال سنة واحدة (تاسع) (ثانوية عامة) من خلال امتحانات إرهابية تجعل المعلم والتلميذ خصمان لا متعاونان لإنجاز المهمة التعليمية. نمنع التعليم الخاص والدورات.. في حين يتّجه العالم إلى التعليم عبر الإنترنيت والجامعة المفتوحة وحرية اختيار الكليّة.

 إن اختيار الكليّة للشاب لا يعني أننا نجعله بارعاً في مجال ما.. يبقى اختياره.. وله أن يبحث عن مهنة مناسبة واختصاص مناسب. إن أنشتاين الذي كان كسولاً في دروس الحساب برع في الرياضيات.. ولو أننا أطّرناه تَبَعاً لدراسته لما استطعنا معرفة شيء عن النسبية.

قد تكون لدى التلميذ ملكة في الرسم، لكنّ منعه من دخول كلية الفنون سيؤخّره كثيراً.. وقد ينخرط في مهنة أخرى ويصبح عادياً. ولا يستطيع كل الشباب التخلّص من دراسة الأصبغة النسيجية ليبدعوا في الشعر كما فعل عمر أبو ريشة مثلاً. علينا أن نفتح الفرص أمام الشباب لا أن نقسرهم على ما نريده نحن. إن معظم المواد الدراسية لا تعبّر عن اهتمامات الشباب ولا تجيب عن الأسئلة الملحّة التي يفكّرون بها، ولا تتيح لهم فرصة لفهم الواقع. بل تقدّم إليهم المعلومات وكأنّها شيء صحيح ونهائي ولا نقاش فيه.. وهم ملزمون بطباعته في الذاكرة للحصول على أكبر قدر من العلامات، ثم يلقون به خارج أدراج الذاكرة بعد ذلك، لأنهم تدربّوا على أن مهمّة الحفظ تنتهي بالحصول على نتائج الامتحانات.

كما أن اختبار الذاكرة لا يجدي في عصر نحتاج فيه إلى ملكات العقل الأخرى لنصل إلى مرحلة الابتكار.. وامتلاك القدرة على إيجاد الحلول لمشكلاتنا.

تتعامل المدرسة مع الشاب بوصفه (مجموعاً) أو رقماً حسابياً لا غير، ولا يشعر الشاب أنه متميّز فيها. وبعد أن ينجز الشباب مهمّة الحصول على العلامات، ويتوزّعون في الفروع الجامعية والمعاهد التي رُسمت لهم، ويتخرّجون فيها، يجد كثير منهم أنفسهم عاطلين عن العمل.

وإذا وجد فإن العمل الذي يُتاح لهم لا يناسب استعداداتهم وخبراتهم وميولهم، بل كثيراً ما يتعارض معهم. ويصبح العمل - حينذاك - نوعاً من التعذيب. ويقابل الشاب العمل - تدريجياً – باللامبالاة. وهكذا فإننا ننتج حرفيين بلا وعي أو شعور بالمسؤولية، وغير قادرين على ربط النظرية بالعمل أو بالواقع العملي.

وهم - أيضاً - يعانون من فقدان الثقافة التي يحتاجونها في مراحل تغيّراتهم العمريّة. فلا تُقدّم لهم ثقافة جنسية، وهم بأمس الحاجة إليها، فيتبادلون المعلومات الخاطئة سرّاً، وسط شعور بأنّ مجتمع الكبار لا يبالون بمشكلاتهم ولا يعيرونها أي انتباه.

وبدلاً من ذلك يُرهَق الشباب بمواد، يعرف المدرّسون والتلاميذ بأنها حُشرت في المناهج من دون أدنى فائدة، في حين وُضعت برامج لأنشطة فنيّة وثقافية ورياضية من غير أن يُعنى أحد بها، لأنها لا تدخل في المجموع العام المطلوب للشهادات، والشهادات التي تتطلّب مجاميع عالية تخلو من هذه المواد، فلِمَ يضيّع الأساتذة والتلاميذ أوقاتهم بها؟!…

لقد حلم الشباب طويلاً بسعة الرزق بعد التخرج.. وبتكوين أسرة آمنة.. وبدولة ديمقراطية تضمن المساواة وتكافؤ الفرص؛ ثم لاحظوا أن ذلك يتطلّب معجزة إلهيّة

إن أزمات مجتمعنا العربي، عموماً، والسوري خصوصاً، هو السبب الرئيسي في تفريخ أزمات الشباب، حيث لم يعد للتعليم جدوى في نظر الشباب وإنما الشهادة هي الشيء المطلوب، وهذا يؤدّي إلى تهاوي أحلام الشباب في العمل المنتج المحبّب، ويتهاوى الحلم في وجود أمة عربية موحّدة في ظل تقسيمات طال أمدها من دون أي تغيير أو تقدّم. كما تهاوى مفهوم المواطنة في ظل الاستبداد المنتشر في جميع دول العالم الثالث.

لقد حلم الشباب طويلاً بسعة الرزق بعد التخرج.. وبتكوين أسرة آمنة.. وبدولة ديمقراطية تضمن المساواة وتكافؤ الفرص؛ ثم لاحظوا أن ذلك يتطلّب معجزة إلهيّة. نقول للشباب: نعمل من أجلكم.. أنتم المستقبل، وهم يرون أننا نستخدمهم أدوات لتنفيذ ما يصبو إليه الكبار، وما يصبو إليه السياسيون.

هذه هي بعض المشكلات التي يعانيها الشباب. والواقع إنّ تغيّرات الشباب ليست أزمة لا يمكن تفاديها، على الصعيد النفسي الذاتي للشاب، إذا تمكنّا من ضبط المحيط بشكل يتلاءم مع المتغيرات. وذلك بالابتعاد عن الضبط القسري الصارم، والتعامل بمرونة ومحبّة، وبشكل صريح وواضح، لا يوجد فيه استثناءات أو تفريق بين الجنسين في الموانع والحدود المحرّمة. وفي إزالة التعارض بين القيم المعلنة والسلوك الفعلي، وعدم التفريق بين الاختصاصات الدراسية بطريقة تُشعر بعض الشباب بالاستعلاء، وبعضهم الآخر بالدونيّة.

لابد من احترام مختلف المهن، والمساواة في المعاملة، بصرف النظر عن الترتيب في العائلة. والنظر إلى قضايا الجنس والحياة والعمل على أنها موضوعات علمية تهم الصغار والكبار، وليست محرّمة على أحد، وإلغاء السريّة على بعض الحقائق الجنسية والبيولوجية التي يريد أن يعرفها الأطفال والشباب، وتعليم الشباب الاعتماد على النفس بلا قسر أو تدليل. والشدة مطلوبة هنا في جعل الشاب يتحمّل تبعات اختياراته، من غير السعي إلى تقديم ما يحتاجه على طبق من ذهب، ومن غير أن يشعروا بلامبالاة المجتمع الذي يزجّ بهم في معترك الحياة من غير أن يراعي أوضاعهم واختلافاتهم الفرديّة.

كلمات مفتاحية