الشعب السوري وأزمات المجتمع الدولي

2022.09.02 | 05:44 دمشق

ب
+A
حجم الخط
-A

هل من سبيل لإنهاء الأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من عشر سنوات؟ كيف؟

لا أحد يملك إجابة على هذا السؤال، ليس لأن لا حل لهذه المشكلة، بل لأن لا أحد يبحث عن حل لها، ببساطة لأن الأطراف التي يتوقع أن يأتي منها الحل هي الطرف الرئيس فيها كأزمة وهي التي افتعلتها.

شعب مضطهد ومقهور ثار على جلاده طلباً لحريته وكرامته وسيادة بلده فتدخل القاصي والداني في شؤونه، وأولهم أطراف ما يسمى بالمجتمع الدولي وأعضاء مجلس الأمن (أعلى سلطة أمنية في الأمم المتحدة) فقطعوا أرضه إلى إقطاعيات ومناطق نفوذ، بعد أن هجروا أهلها منها، مع الإبقاء على رأس النظام في إقطاعيته، وليبقى الحال هكذا وليواصل ما تبقى من السوريين نزوحهم، طلباً للأمن ولقمة العيش، ربما لعشر سنوات أخر.

من سيحل أزمة سوريا وشعبها، وطرفا مجلس الأمن الدولي الرئيسيان هما الطرف الأساس في هذه الأزمة؟ من سيطالب إيران وميليشيا حسن نصر الله بإنهاء احتلالهما لجزء من الأراضي السورية وأعضاء مجلس الأمن الدولي وأكبر عضويه، في ميزان القوى الدولية، يشاركانهما في الأكل من ذات الصحن ويمارسان ذات الاستباحة والاحتلال للأراضي السورية؟ أما إسرائيل فهذه لا أحد حتى بقادر على النظر فيما تدمر وما تبقى، وعلى كامل أرض سوريا، بما فيها إقطاعية بشار الأسد ذاته، ولكن من دون المساس بصورة هيكلية نظامه!

من سيحل أزمة سوريا وشعبها، وطرفا مجلس الأمن الدولي الرئيسيان هما الطرف الأساس في هذه الأزمة؟

ميليشيات مذهبية/طائفية، عراقية وأفغانية وباكستانية وإيرانية ولبنانية ويمنية وأحزاب ومجاميع مسلحة، تابعة لدول مشارق الأرض ومغاربها، كلها تقاتل الشعب السوري الأعزل وتهجره من أراضيه، وكلها تصلها إمدادات المال والسلاح، ولكن من دون أن تقتتل فيما بينها أو يمس أي طرف بمساحة نفوذ الطرف الآخر، من يرعى ويقوم بصناعة هذه الموازنة العجيبة ولصالح من؟

وإذا كانت أكبر قوى العالم وأكبر مساحات النفوذ والتأثير في مجلس الأمن الدولي، الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية روسيا الاتحادية، هما طرفا احتلال أرض الشعب السوري وسبب أزمته، فلمن يشكو الشعب السوري مصابه؟

وفي ظل الموازنة العجيبة القائمة من عشر سنوات، شعب يُقتل ويجبر على الهجرة من أرضه مقابل نظام كارتوني مترنح يجب أن يبقى في مكانه، رغم أن سلطته لم تعد تتعدى بيع الوثائق الثبوتية وجوازات السفر على سوريي المنافي بالعملة الصعبة، من حقنا التساؤل، كمراقبين: كيف ومتى ستصل الأزمة السورية إلى نهايتها ومن سيسعى وسيعمل من أجل إنهائها؟

استغلت ثورة الشعب السوري المقهور على جلاده لتتحول أرضه إلى ساحة لتصفية حسابات دولية وإقليمية وقومية وطائفية وحزبية وفئوية، ولكن من دون أن ينتصر طرف على طرف أو تقضي فئة على فئة أو تزيح دولة، دولة أخرى، عن مساحة نفوذها، وليس للشعب السوري غير المراقبة والتساؤل: كيف حدث هذا ولماذا ولمصلحة من يستمر حدوثه وأنا لست طرفاً فيه ولم أسع لحدوثه أو أكون سبباً فيه؟

شعب تُستغل ثورته السلمية على نظامه الفاسد المستبد، وطلباً لحريته وكرامته وحقوقه الإنسانية، التي تكفلها له قوانين الأمم المتحدة ويفترض أن يحميها له مجلس الأمن الدولي، لتتحول أرضه إلى ثكنات وساحات حروب لقتله ومحاصرته، ليس فقط تحت أنظار المجتمع الدولي، بل بسلاح أكبر دوله وبتغطية منها لفصائل وفئات ومجاميع اخترعت مسمياتها ومواصفاتها وأجنداتها وأهدافها من أجله فقط! لماذا؟

أين الأمم المتحدة، الممثلة لإرادة المجتمع الدولي ومجلس أمنها، مما يُقترف من جرائم وحشية بحق الشعب السوري وأراضيه وسيادته الوطنية؟ هل تعطلت إرادتها لأن قطبيها الكبيرين هما طرفا الأزمة السورية ومرجعيتها الأمنية والسياسية؟ حسناً، لم سكوتها على احتلال إيران وميليشياتها وحزب نصر الله اللبناني لأجزاء من الأراضي السورية ولاحتلال إسرائيل لسمائها، بطائراتها وصواريخها، هذا إذا لم يكن لها من يقاتل عنها بالنيابة على الأرض؟

والسؤال الأخطر والأكثر أهمية في هذه الموازنة المريبة: من هي الجهات التي تدعم وتديم وتصر على بقاء بشار الأسد ونظامه المهترئ في مكانه، ولو لم تعد سلطاته تتعدى مساحة بضعة من المحافظات السورية؟ لمن يخدم بشار الأسد من خلال حربه على الشعب السوري ووحدة أراضيه، إذا ما تجاوزنا أهداف ومصالح إيران إلى الفضاء والمساحة الدولية الأوسع؟

قضية بقاء بشار الأسد في السلطة، بل وحرص روسيا وأميركا وإسرائيل على ديمومة نظامه وبذات نهجه الدموي والوحشي ضد الشعب السوري، أمر يضعنا أمام أخطر الأسئلة: كيف ووفق أي سيناريو ستنتهي هذه الحرب، وما هو مستقبل بشار الأسد؟ وهذا السؤال موجه للمجتمع الدولي وليس لبشار الأسد، لأن هذا الإمعة سيخرج مذلولاً ومهاناً مهما رقعت صورته.

أمر طبيعي أن ينظر بشار – وفق رؤيته السلطوية طبعاً - إلى الشعب السوري على أنه شعب عاق ومتمرد، لأنه أراد إزاحته عن السلطة التي ورثها عن أبيه، ولكن الأمر غير الطبيعي أن يقف المجتمع الدولي (في الأمم المتحدة ومجلس أمنها، وهما الجهتان اللتان تدعيان حماية الشعوب وحقوقها في أنظمة ديمقراطية) موقف المتفرج من هذا الأمر، بل وأن تشارك أكبر أطرافه في حماية بشار وتساعده على تنفيذ حرب إبادة للشعب السوري لمجرد أنه طالب بتغيير حكم رجل مستبد بنظام ديمقراطي يحقق له استقراره السياسي ويتيح له حريته ويصون له كرامته؟

لمن يشكو الشعب السوري همه، بعد أن ثبت له فساد المجتمع الدولي ومنظمته العالمية ومجلس أمنها؟