عن الدلال الغربي لجمهورية إيران الإسلامية

2022.11.03 | 05:45 دمشق

عن الدلال الغربي لجمهورية إيران الإسلامية
+A
حجم الخط
-A

إيران جمهورية إسلام خميني وخامنئي، تصرخ منذ يومها الأول بمعاداة الشيطان الأكبر (أميركا) والشيطان الأصغر (إسرائيل) وتعدهما بالثبور وعظائم الأمور، فلماذا تبقي هاتان الدولتان على هذه الجمهورية العدوة الشريرة؟

إيران تحتل أربع دول عربية، احتلالاً تاماً، وتهدد عبر تمدد قواتها وميليشياتها وصواريخها وطائراتها المسيرة في هذه الدول، بحرق أميركا ورمي إسرائيل في البحر، ولا تزعجها الدولتان ولو بكلمة استنكار حقيقية، فماذا يحدث يا ترى؟

أكثر من أربعين عاماً، من عمر الجمهورية الإسلامية، وهذه الدولة تتمدد في كافة الاتجاهات، محتلة ومهددة للسلم والأمن الإقليمي والدولي ولمصالح أميركا والغرب الأوروبي وإسرائيل، ولا أحد يردعها أو حتى يُسمعها كلمة استنكار بقرار دولي.. لماذا؟

أربعون عاماً وإيران، جمهورية إسلام الخميني، تمارس كل أنواع الجريمة الدولية المنظمة والتجارة المحرمة في الخارج، واضطهاد شعبها، والمرأة الإيرانية على وجه الخصوص في الداخل، وأميركا، راعية الديمقراطية والسلام الدولي، لا تتوقف أمام هذه التجاوزات ولا تقول لها ماذا تفعلين... لماذا؟

ببساطة يتم السكوت على كل جرائم إيران هذه لأنها مُدخرة لتمرير أهداف ومشاريع أكبر مما يرى العرب، من مثل تفتيت خارطة المشرق العربي وتحويل دوله إلى دول فاشلة وإعادة شعوبها لعصور ما قبل الحضارة، وربما الأهم، إجبار لبنان، الدولة العربية التي أفشلتها ودمرت اقتصادها، ميليشيا إيران فيها، حزب حسن نصر الله، على توقيع اتفاق تطبيع (ترسيم حدود) مع إسرائيل وبما يتيح لهذه الدولة الهيمنة على حصة لبنان من ثروتها الطبيعية من الغاز الطبيعي، ضمن حدود مياهها الدولية.

أين حسن نصر الله، الذي لا يفوت صغيرة أو كبيرة تتعلق بالشأن اللبناني، من دون أن يكون له رأي فيها ويلقي حولها أحد خطابات تهديداته وتوعداته النارية الضاجة، وخاصة عندما تتعلق بالشأن الإسرائيلي، وهو الذي ألقى خطاباً مطولاً حول ضرورة إعادة دجاجة أحد أبناء طائفته، عبرت الحدود إلى إسرائيل بطريق الخطأ، وحمل الجانب الإسرائيلي مسؤولية المحافظة على حياتها وإعادتها سالمة غانمة إلى أرض الوطن؟

لماذا صمت حسن نصر الله، صمت القبور، على أمر مفاوضات مباشرة مع العدو الإسرائيلي المحتل، قام بها رئيس لبنان مع طاقم سري (هل هذا الطاقم من بطانة الرئيس ميشال عون أم من بطانة حسن نصر الله؟!!)، هدفها المعلن تقسيم ثروة الغاز في حقل (كاريش) المحاذي للحدود الإسرائيلية، بينما هدفه الحقيقي هو ترسيم الحدود المائية بين الدولتين، والذي يعني في أول ما يعنيه، في لغة السياسة والجيوبولتك: تطبيع الوضع على الحدود تمهيداً للسلام الدائم؟

صار معلوماً لدينا الآن كعرب، أن لمثل ولحجم مثل هذه القرارات والكوارث تدخر أميركا ويدلل الغرب وإسرائيل جمهورية الولي الفقيه الإيراني الإسلامية

ببساطة شديدة، لم نسمع أي خطاب لحسن نصر الله (أو حتى ولو مجرد تصريح عابر، لغرض إسقاط العتب) هذه المرة، لأن هذا الاتفاق تم بواسطته هو شخصياً (علينا أن لا ننسى أن من أوصل ميشال عون إلى قصر الرئاسة اللبنانية هو حسن نصر الله ذاته) وبأوامر إيرانية مباشرة، رغم أن جميع بنود هذا الاتفاق وشروطه تصب في ضمان مصلحة إسرائيل، سواء في أمر حقل الغاز أو الحدود البحرية، وعلى حد سواء.

وعليه فقد صار معلوماً لدينا الآن كعرب، أن لمثل ولحجم مثل هذه القرارات والكوارث تدخر أميركا ويدلل الغرب وإسرائيل جمهورية الولي الفقيه الإيراني الإسلامية، وخاصة أن مثل هذا القرار يأتي كخطوة ضمن المشروع الأميركي – الإسرائيلي، الهادف لتفتيت وإعادة رسم خارطة المشرق العربي، سواء في الدول العربية الأربع الواقعة تحت الهيمنة الإيرانية المباشرة حالياً، أو في دول الخليج العربي النفطية، الخطوة الأبعد لهذا المشروع، والذي تجند له إيران ذراعها الحوثي في اليمن والذي يعمل عليه الحوثي بدأب وحقد نملة، كما يقول الروائي الكولومبي ماركيز.

ولحين تمكن إيران، عبر ذراعها الحوثي، من قطف ثمرة (انتصارها) في دول الخليج (المملكة العربية السعودية على وجه التخصيص)، فإن خطوة التطبيع العربية التالية مع إسرائيل، وهي الأهم بالنسبة لإسرائيل، بحكم الموقع الجغرافي، ستكون في إجبار بشار الأسد على توقيع معاهدة تطبيع مع إسرائيل، ليس بحكم كون إيران المهيمن الأكبر على القرار السوري، بل بحكم كونها المتحكم الأول بمصير بشار الأسد ومدة بقائه في السلطة. وطبعاً، وفي الحالة السورية، فإن الجولان ستكون هي حقل الغاز الذي يجب المساومة حول حدوده والتنازل عنه، مقابل بقاء بشار مهيمناً على سوريا وشعبها، مثلما كانت ثمرة الاتفاق على حدود حقل كاريش الغازي، إبقاء هيمنة ميليشيا حسن نصر الله على القرار والشعب اللبنانيين.

ثمة قاعدة تقول: وقائع الأرض تدحض التوقعات، وعليه، ووفق ما جرى مؤخراً في لبنان بشأن حقل كاريش، فإن وقائع توقيع هذا الاتفاق، الذي وصفه ميشال عون بالتقني (أي البعيد أو غير المتضمن لأي بنود سياسية)، تثبت لنا وبما لا يدع مجالاً للشك، أن إيران مدللة أميركا وإسرائيل وإنها تحابى حتى على حساب أهم حلفاء أميركا النفطيين والاستراتيجيين في حوض الخليج العربي، المملكة العربية السعودية، والتي كلنا نتابع انقلاب السياسة الأميركية ضدها، من قبل دونالد ترامب، لتبلغ ذروتها في عهد خلفه، جو بايدن، الذي لم يترك فرصة ليهاجمها فيها، مقابل، ليس صبره المبتذل على التعنت الإيراني في مفاوضات ملفها النووي، بل بلوغه حد التوسل بها من أجل توقيع ذلك الاتفاق، رغم أنه يأتي على حساب أمن واستقرار الدول العربية الحليفة لأميركا، في حوض الخليج العربي.

هل يخدم أميركا والغرب ويصون مصالحهم الاستراتيجية، طويلة الأمد في منطقة الخليج العربي، دولة إيرانية قوية ومتماسكة ومتمددة على مساحات عربية توصلها للبحر المتوسط والبحر الأحمر؟

ويبقى السؤال الأهم ماثلاً أمامنا كمراقبين: ما الذي تقدمه إيران لأميركا والغرب عموماً، كثمن لإطلاق يد احتلالها وهيمنتها في أربع دول عربية، وتهديدها لأمن ومصير دول الخليج العربية الحليفة لها منذ ما قبل ولادة جمهورية الولي الفقيه في إيران؟

هل بقي شك في أن ما تقدمه إيران هو تفتيت وحدة أراضي وشعوب الدول العربية وتحويلها إلى إمارات طوائف ضعيفة ومتنازعة فيما بينها وبلا قرار سيادي؟ أبداً. والسؤال المقابل: هل يخدم أميركا والغرب ويصون مصالحهم الاستراتيجية، طويلة الأمد في منطقة الخليج العربي، دولة إيرانية قوية ومتماسكة ومتمددة على مساحات عربية توصلها للبحر المتوسط والبحر الأحمر؟

مراكز صناعة القرار الأميركي والأوروبي والإسرائيلي هي المطالبة بالإجابة على هذا السؤال، مع توضيح رؤيتها وطريقة حسابها لهذا القرار.