الشرق الأوسط.. المخاض الجديد

2023.08.14 | 06:10 دمشق

الشرق الأوسط.. المخاض الجديد
+A
حجم الخط
-A

تتسارع الأخبار الواردة من الشرق الأوسط عبر وسائل الإعلام الأميركية، فبعد زيارات مكوكية حاسمة قام بها وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلنكين، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان.. كان مجمل الحوار المتركز فيها مع القيادة السعودية هو مستقبل الشرق الأوسط وعملية التطبيع الكاملة بين المملكة وإسرائيل.. الشروط السعودية كانت واضحة، وأعادها الدبلوماسيون السعوديون مرات ومرات، منذ عقدين على الأقل.. لا تطبيع مع إسرائيل من دون إيجاد حل نهائي للقضية الفلسطينية يضمن الحقوق الشرعية للدولة الفلسطينية.

ربما يقرأ البعض هذه الشروط ضمن جدولة الإيديولوجية العربية في تبني مركزية القضية الفلسطينية كقضية مركزية للعرب، ولكنَّ السعوديين يضيفون شيئاً جديداً عليها، فهم يدركون فعلاً أن القضية الفلسطينية عامل محوري وحاسم ومهم في الصراع على الشرق الأوسط، ويدركون أن إيجاد حل لهذه القضية الدولية، هو ضربة لكل مشاريع الهيمنة ومنهجية الوكلاء والميليشيات التي تعيق بشكل أساسي عملية التحول والتنمية التي ترغب المملكة أن تضم الشرق الأوسط إليها، إن إيجاد حل للقضية الفلسطينية يعني عدم وجود مبرر لعسكرة المجتمعات في البلاد العربية الذي تتبناه الميليشيات المنتشرة في الشرق الأوسط بذريعة المقاومة والممانعة.

المفاوضات الأساسية التي تجري تبحث عن اتفاق أساسي تريده السعودية مكتوباً وموقعاً من البيت الأبيض ومصدقاً من الكونغرس يتضمن تحالفاً دفاعياً عسكرياً أميركياً سعودياً

ولكن الأمر لم يتوقف عند هذا الشرط، حيث تحدثت وسائل الإعلام الأميركية مطولاً عبر استضافة عشرات الضيوف لمناقشة مساعي إدارة جو بايدن لإنجاز الصفقة الكبرى، خلال تسعة أشهر، وبأن المفاوضات الجارية حالياً محاطة بغموض كبير، وهي تجري بشكل أساسي بين الولايات المتحدة وبين السعودية، الأخيرة ترغب في شرعنة برنامج نووي سلمي للمملكة ينصب في جهود التنمية والإعمار التي ترغب المملكة أن تقوم بها ضمن رؤيتها الشهيرة، فالقوة النووية السلمية ستكون عاملاً أساسياً في زيادة التنمية وخفض الانبعاثات الكربونية وزيادة مستويات الطاقة النظيفة.. لكن المفاوضات الأساسية التي تجري تبحث عن اتفاق أساسي تريده السعودية مكتوباً وموقعاً من البيت الأبيض ومصدقاً من الكونغرس يتضمن تحالفاً دفاعياً عسكرياً أميركياً سعودياً، يضمن تزويد السعودية بأحدث أنظمة الأسلحة والتكنولوجيات الدفاعية التي تسمح لها بالدفاع عن نفسها وحماية برامجها التنموية من عبث الآخرين.

الولايات المتحدة تتفاوض، وتناور وسط ضغوط زمنية كبرى تتعلق برغبة إدارة بايدن بوجود الصفقة كقيمة كبيرة مضافة في الانتخابات المقبلة الحاسمة أمام الجمهوريين، وضغوط الحكومة اليمينية الإسرائيلية التي لا ترغب بدورها في تقديم تنازلات جوهرية بما يخص القضية الفلسطينية، فلا رغبة لدى نتنياهو بخسارة الأحزاب اليمينية التي ساعدته في العودة إلى رئاسة الحكومة، ولكن رغبته في تتويج الاتفاقات الإبراهيمية بضم المملكة السعودية إليها لا مثيل لها.

في جانب آخر مع توسع التفاوضات على السلام، تتحرك الجيوش وحاملات الطائرات في عموم منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً في سوريا، المرشحة أكثر من غيرها لتكون ساحة حسم الأوراق، الخبراء الاستراتيجيون يتحدثون عن تحركات في شرق الفرات تهدف إلى إعادة فصل الحدود السورية العراقية من جديد، بعد نسفها مرتين، مرة على يد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ومرة على يد ميليشيات الحشد الشعبي التابعة لإيران، والتي تستغل عدم وجود حدود فاصلة بين البلدين، فيما تسميه بفوضى المقاومة، من أجل تسهيل مشروع الهلال الإيراني في المنطقة. الولايات المتحدة وحلفاؤها يرغبون في قطع الحدود ووصل منطقة التنف الخاضعة لسلطة قوات التحالف الدولي المناهضة لداعش، وصلها بمناطق "سوريا الديمقراطية"، عبر ممر بري يمر بقاطع البوكمال -الميادين، إن تحقق هذا فذلك سيعني انهيار القدرة الإيرانية البرية على التواصل مع حكومة دمشق وحزب الله. وستكون بداية كبيرة لوصل شمالي سوريا بجنوبيها عبر الحدود الشرقية، وضربة كبيرة لتجارة المخدرات والكبتاغون التي تعتاش عليها الميليشيات في الشرق الأوسط.. القضية ليست مضرب تخمين وتحليل، وإنما هنالك خطوات أساسية حصلت بالفعل منها زيارة وفد من وزارة الدفاع العراقية إلى البنتاغون منذ ثلاثة أيام سمعوا من خلالها تفاصيل عن المشروع حسب الواشنطن بوست، والتصعيد الكبير في منطقة شرق الفرات بين قوات التحالف وبين الميليشيات، مترافق مع تراشق إعلامي بين حزب الله وإسرائيل وتصعيد غير معلوم الهوية من دول الخليج ومصر في إعلانها المفاجئ عن منع رعاياها من التوجه إلى لبنان.. في خطوة أمنية لم توضح هذه الدول سببها.

هنا تتبدى مشاريع داعش والحشد الشعبي، في مواجهة مشاريع سايكس بيكو.. أمران أحلاهما مُر.. بين مستقبل يرسمه الاستعمار القديم، ومشاريع يرسمها الإرهاب المتشدد.

في خضم هذا المخاض المستمر منذ عقد ونيف، تبدو خريطة سايكس بيكو، هي مبتدأ للصراع ومنتهاه في ذات الوقت، بين من يريد حماية الدولة الوطنية بحدودها التي رسمها الاستعمار القديم، وبين من يريد تغيير تلك الحدود لبناء خريطة استعمارية جديدة متبدلة بأوجه وشعارات جديدة.

وهنا تتبدى مشاريع داعش والحشد الشعبي، في مواجهة مشاريع سايكس بيكو.. أمران أحلاهما مُر.. بين مستقبل يرسمه الاستعمار القديم، ومشاريع يرسمها الإرهاب المتشدد. بينما تغيب المشاريع الوطنية تماماً ببرامجها وسياسييها وقادتها. حتى ذلك الوقت سيظل الشرق الأوسط يتخبط في دوامات من العنف والضياع.